تنويعات على المشهد الأصلي

٢٠٠٦-٠٩-٣٠

تنويعات على المشهد الأصلي

غسان المفلح

خاص – صفحات سورية –

تنويعات على المشهد الأصلي : إرادة السلطة

ـ1ـ

تغزونا ثقافة العنف فيها مغفل الاسم، اللغة فيها تقبض دوما على الزناد ! لا بد من ضحية : إنه الخارج الذي تربينا عليه كعدو دائم متربص على طول خط ثقافتنا وكأننا أمام شعب الله المختار! نحن السوريون واقفون دوما على خط النار لا نريد أن نأخذ استراحة محارب ! والقابضون على الفعل اليومي يعيشون في أبهى صور الحسية التي أنتجها عدونا – الغربي!!

الألبسة تأتي من أفخر الماركات المسجلة وغير المسجلة والمأكل حدث ولا حرج ! ويخرجون علينا في مناسبات الهتف ليعلنوا أننا أمام عدو ! لايحول ولا يزول أبدا ولا يوجد حالة نعرف فيها هل هزمنا أم انتصرنا لابد أن تستمر المعركة !

لم نعد نميز بين عمامة أو كتاب سري لتعليم الذهاب إلى الجنة بلا بواب يقف هنالك ليسألنا ماذا فعلنا ؟ ولماذا نفجر أنفسنا ؟ ونخرج إلى الشارع والشعار مكتوب لنا سلفا نحن الدراويش الذين كنا نعيش بحرية في جنون الحارات القديمة ! والأطفال يتبعوننا بالحجارة والغناء ! دمشق لم يعد فيها دراويش باتت مرتع لما تسببه كل شحنة ملابس أو مأكولات أو دبابات أو كلبشات لزوم العدو الداخلي مستوردة من أسبانيا والقائمة طويلة والمعارضة في سجنها بلا غطاء لا داخلي ولا خارجي !

المشهد الأصلي يغيبه الهتاف والشعارات المتجددة بتجدد المعركة ! وأسرى الجولان قابعين في سجنهم الغيتوي منذ بدء الانتقال السلس للجولان إلى أرض المعياد ! وأرض المعياد تستوعب ما نستطيع تسميته أرض بالتقادم أي أرض من أي نوع ! ونحن نهتف ونعلق صورا لا نريد تعليقها في الحقيقة وإنما نريد أن نهز شبكة الاستخبارات بحيث تجلس بلا عمل :

لم يعد في سوريا من يستطيع أن يمزق صورة واحدة ! ولم يعد في سوريا من يلتفت إلى جوانيته بل كل العيون إلى خارج الحدود ! فماذا تفعل هذه الشبكة ؟

نريد تحرير العراق وفلسطين ولبنان الآن وسيكون تحرير الجولان محصلة نهائية !!

نحن السوريون أقليم ـ قاعدة ! وكل الشعوب العربية نريد استقطابها لكوننا منزلين من عند آلهتنا الكثيرة لكي نكون منقذي الأمة ومحققي رسالتها في التوحد تارة بعثيا وتارة إسلاميا وتارة هجينا لايعرف به إلا الحدث الأصلي : إرادة السلطة. نحن أكثر رقيا من عربان الخليج !! من سذج مصر ! من ـ الدعوة الأستئلالية للشعب اللبناني !! فالمشهد الأصلي الذي زرعته السلطة لا بد من أن يثمر بذورا من العداء للخارج أي خارج حتى ولو كان عربيا !! ولا بد أن يظهر في الثقافة المرسلة للخارج ليعذرنا بقية العرب :

نحن من اختارنا الله لكي نحقق إرادة سلطتنا حاملة لواء القومية بلا تحديد ! نحن لانزرع بذور الفرقة بين العرب بل نكتب ما يقال فقط والدليل :

أنه عندما كان في سوريا ثانويات للإناث لم يكن في دول الخليج إعداديات للإناث والآن لنراجع أحصائيات الجامعة العربية وليس الأمم المتحدة حول التعليم ! حتى الأردن بإمكانياته المتواضعة سبقنا في هذا المجال مجال تعليم المرأة ! ومع ذلك فإن أي مراقب يتابع ما يدور في المواقع السورية والإعلام السوري والشارع السوري يجد هذه اللغة منتشرة ! أجيال تتربى بطريقة هذه الإرادة المبثوثة في كل لحظة وفي كل مكان.

ـ2ـ

في دمشق الآن المثقف العلماني والليبرالي يخوض غمار التأسيس لثقافة حاولت السلطة نفيها من الوجود السوري عبر عدة طرق ليس آخرها إيجاد متحدثين باسمها لا يمتون لها بصلة مطلقا ! بل على العكس من ذلك هم يهاجمون التخلف في المجتمع دون مقاربة حقيقية للمشهد الأصلي ـ إرادة السلطة ـ لأنها سلطتهم هكذا يعتبرونها ! فالتخلف والبربرية والإرهاب هي من نتاج المجتمع ولا دخل للسلطة في ذلك ! والنكتة المريرة هي أن خطابهم يحمل الفئات المقهورة مسؤولية التخلف في سوريا. لهذا تجد أن هجومهم دوما يتناول المعارضة الديمقراطية بمناسبة وغير مناسبة ويحملونها نتائج هذا التخلف ! هكذا يريد المشهد الأصلي. ومع ذلك نشكر جهودهم في فضح مظاهر التخلف في المجتمع.

والمشهد السوري يجعلك تنحني احتراما للمثقف الليبرالي الخليجي عموما والسعودي خصوصا لأنه يعيش معركته على أرض حقيقية وغير متلونة وباتوا كثر بحيث نستطيع التحدث في هذه الدول عن ظاهرة ليبرالية تكابد وتعاني حقيقة : أمل زاهد، وجيهة الحويدر، ونساء سعوديات وخليجيات نعجز عن عد أسماءهن ! إضافة إلى جمع مهم من الليبراليين السعوديين والخليجيين.

هنالك في تلك الدول يمكن الحديث عن مواجهة عضوية بين المثقف الليبرالي والمشهد المحافظ برمته ! دون أن يخدم السلطة هناك واستطاع أن يثبت حضوره ومصداقيته بعيدا عن مهاجمة قوى المعارضة هناك أيضا ! ولأن السلطات هناك قد تعرضت للخلخلة جراء التطورات المتعاقبة والسريعة التي ترافقت مع الانفتاح الاقتصادي المديد والذي فرض نفسه !

لأن دول الخليج لم تعرف كليانية الدولة بالمعنى الاقتصادي بل عرفت الاقتصاد المفتوح منذ نشأتها ولم تحطم هذه السلطات رغم كل شيء المجتمع الأهلي بل على العكس اعتمدته في تجديد مشروعيتها ! على عكس ماجرى في سوريا حيث إرادة السلطة حطمت المجتمع برمته أهليا ومدنيا وأبقت على جمع مستنفر دوما ويهتف دوما !

إن الهوية المحافظة لدول الخليج عموما تجعل المعركة الليبرالية حقيقية ! على عكس الوضع في سوريا المتلون والهجين تارة علماني وتارة محافظ وتارة طائفي وتارة قومي في تركيبة لم نعد قادرون على تنميطها مطلقا.

ـ3ـ

ومن جراء هذا المشهد نجد أن هنالك الكثير من يتناول ظاهرة التخلف في المجتمع ـ على أرضية تحميل الخلل للأفراد ـ الذي تريد السلطة زرعه في المجتمع ولا أدل على ذلك سوى مناقشة ظاهرة الحجاب في سوريا ! في مقالة للرفيقة والصديقة فلورانس غزلان حول ظاهرة الحجاب في سوريا ـ بجهد متميز ـ والرد عليها من قبل السيدة مؤمنة عبد الرحمن في نشرة كلنا شركاء نجد أن التركيز يتم على ثنائية التحجب وعدم التحجب خيرا أو شرا حسب موقع الكاتبة ومن ردت عليها، ليست مهمتنا نحن إدانة الحجاب وثقافته مطلقا كما أنها ليست مهمتنا إدانة السفور أو عدم أدانته، بل يجب أن يتم التركيز على إيجاد القاعدة الدستورية والحقوق إنسانية من أجل حرية المرأة ـ حريتها الفردية وحقها في أن تتحجب أو لا تتحجب ـ فالحجاب جزء من علاقتها الإيمانية مع الله وهذه قضية فردية ولا علاقة لكائن من كان بها. والعمل على فصل هذا الحق الوجودي ـ في شرط الحرية عن أية صبغة أيديولوجية أو سياسية مهما كانت توجهاتها. وباعتقادي هذا هو الشرط العلماني في نقاش ظاهرة الحجاب فصلها عن حركية الدولة ومناقشة هذه الحركية ـ تبعا للفهم المدرسي للعلمانية في فصل الدين عن الدولة والحجاب جزء من هذا التشريع ليس إلا وعلينا ألا نكون نحن والزمن على المرأة المحجبة ! وخصوصا التي تتحجب بملئ إرادتها. فهذا أبسط حقوقها في الحقيقة، ولا علاقة له بعملنا المعارض نحو دولة علمانية ديمقراطية.

مرة أخرى الحجاب في الديانة المسيحية ليس جزء من المقدس الديني ليس فرضا كما هي الحال في المقدس الإسلامي نصا قرآنيا أو تجربة تاريخية ! ولهذا هو يدخل في حق الكائن البشري في علاقته بدينه وهذا الحق الذي كفلته كافة الشرائع البشرية. وكنا قد ناقشنا هذا الأمر في أكثر من مقال ـ إشكالية الحجاب. رد على الدكتورة النشيطة إلهام المانع في موقع شفاف المتوسط لمن يحب العودة للمقال. دون أن نتوقف عن الحوار مع ثقافة الحجاب.

ـ4ـ

إنه المشهد السلطوي من يغيب عن اللوحة وهذا المشهد المتلون كحرباء هو من يجب أن نتابعه بتفاصيله.

صرخة في وادي النوم السوري من أجل معتقلي الرأي

صرخة في وادي النوم السوري من أجل معتقلي الرأي

فلورنس غزلان

خاص – صفحات سورية –

صدر بيان عن اللجنة الإعلامية في إعلان دمشق من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين.

وصدر آخر في نفس المنحى من معظم لجان وجمعيات حقوق الإنسان السورية..

وكتب بعض المثقفين ورفعوا ــ حسب مقدرتهم ــ عيار الدفاع عن معتقلي الرأي وطالبوا بحريتهم وإلغاء كل الاعتقالات التعسفية والجائرة، مع إلغاء ملف الاعتقال السياسي بشكل نهائي، كدعوة صادقة وصريحة تصب في صالح الوحدة الوطنية ، وتعمل على تضييق المسافة بين المسؤولين في رأس النظام ورؤيتهم القاصرة والعاجزة عن فهم الشارع السوري ، وأن حرية المواطن من حرية الوطن، وسعى الجميع وحاول ...عل آذان السلطة المصمغة بغراء الهوس الأمني، والمقفلة حيال المواطن ومصلحة الوطن ، تستدير وتستمع لابن الأرض ، الذي تقع عليه أعباء ونتائج سياسات النظام الخائبة....لكنها تسمع كل دبيب وفحيح يصدر عن الولايات المتحدة وإسرائيل، تفتح أمامها كل النوافذ وتشرع الأبواب، من أجل عودتنا الحالمة لطاولة السلام وتعاوننا الأمني لمكافحة ومحاربة الإرهاب مع أمريكا ، راعية السلام في المنطقة!!

كل الصرخات والمحاولات والبيانات، تلقى لدى المسؤولين السوريين إهمالا وإغفالا وجهلا ..وإعمالا في تجهيل المواطن وتلفيق الحقائق لدرجة أن وزير الداخلية السوري السيد بسام عبد المجيد، صرح منذ أيام،بما معناه:ـــ

أن السجون السورية ( خالية من أي سجناء رأي، وكل الموقوفين عبارة عن أناس تجاوزوا القانون!!)..

في الوقت ، الذي يعلن فيه منذ الجمعة الفائت 22 -9- 2006 الطالب المعتقل ( محمد العبدالله) إضراباً عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله تعسفياً ومنعه من تقديم امتحاناته الجامعية، ثم يتضامن معه في إضرابه لاحقاً ، محتجين على اعتقالهم المبني على تهم ملفقة، لا تستند إلى أي اثباتات قانونية أو ممارسات خارجة على القانون ، أو تمس المصلحة الوطنية ، الأربعاء الفائت، كلا من معتقلي الرأي ( ميشيل كيلو ، وأنور البني وكمال اللبواني ووالد الطالب محمد ، السيد علي العبدالله والسيد فاتح جاموس...

هل هؤلاء المعتقلين ...تم حجز حريتهم ..لأنهم خالفوا السير في طرقات دمشق واللاذقية؟!! ...أم لأنهم زرعوا بصلا بدلا من البطاطا؟؟؟.

وهل التهم الموجهة لهم .".وهن عزيمة الأمة ، وإثارة النعرات الطائفية ...و الدعوة لتغيير الدستور ،التعامل مع الأجنبي "...واتهامهم في صحف النظام الصفراء...بالعمالة والخيانة وقبض الأموال...كلها جاءت لأنهم خالفوا قوانين ودستور الوطن النزيهة والعفيفة بكل أقطابها وأياديها النظيفة؟؟!!.

وهل حجز حرية الاقتصادي الكبير عارف دليلة منذ خمس سنوات ، وحكم محكمة أمن الدولة الجائر، ووضعه الصحي المتدهور والذي ينذر بخطر شديد .. يمكن أن يودي بحياته...دليل ديمقراطية النظام ونزاهة قضائه؟

وأن هؤلاء من الموقوفين المتجاوزين للقانون.. لكن كيف يصب هذا التجاوز ، وفي أي قالب قانوني يمكننا وضعه؟ ...نترك السيد اللواء بحكم خبرته الأمنية الطويلة يجيبكم على السؤاال!!.

هل نسينا قرار رئيس مجلس الوزراء السوري رقم ( 2746 بتاريخ 14-6-2006) ، والذي تم بموجبه صرف 17 موظفا وموظفة من الخدمة العامة، على خلفية توقيعهم على وثيقة تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين؟

هل ينسى المواطن السوري أو يتناسى ...ويغلق عينيه ويصم أذنيه حيال كل التعسف والظلم الواقع على كل من يخالف رأي النظام وتعليمات رجالات أمنه ، وكان آخرها .. حل جمعية رعاية المساجين في السويداء وطرطوس، وبمرسوم صادر عن السيدة الوزيرة المبجلة ( وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ...الدكتورة ديالا الحج عارف) ، وكي يكون للقرار وقعه وأثره النفسي والعملي ...، بل كي يمر دون انتباه أو مفعول يذكر ..جاء خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان...وهكذا وحسب رؤية السيدة الوزيرة ( حسب مقتضيات المصلحة العامة) ، وأن المرحلة الحالية تتطلب رص الصفوف من أجل المعركة!!.

المعركة بالنسبة للنظام والمصلحة الوطنية تقتضي ..إغلاق فم كل من يقول ويتقول ، أنه لدينا مساجين، أو كان لدينا عائلات سجناء سياسيين ..مازالت تعاني مر الحياة وشظف العيش، وتحتاج لرعاية نفسية واجتماعية واقتصادية؟!!.

ومنذ أيام تم إخلاء سبيل مجموعة جديدة من سجناء الرأي الموقعين على ( إعلان دمشق بيروت )، بكفالة مالية قدرها ألف ليرة سورية، على أن يحاكموا طلقاء ، السادة ...سليمان الشمر، محمود العيسى، وخليل الحسين، وكان قد سبقهم إلى الحرية كلا من محمد محفوض، غالب عامر، نضال درويش، صفوان طيفور، ومحمود مرعي...

ويكفي أن يطلق النظام بعض المعتقلين ، وهو حقهم المشروع، وحجزهم هو الغير قانوني ...والإبقاء على ميشيل كيلو وأنور البني . ورياض درار....وفاتح جاموس تؤجل محاكمته إلى مطلع الشهر القادم، بحجة:ــ

...( أن المحكمة نســـــــيت أن ترسل لإدارة السجن من أجل إحضاره إلى المحكمة يوم الجلسة المحددة من الشهر الحالي!!!).

هل هناك سبب أكثر وجاهة من هذا السبب؟.

ثم ننسى أنه بعد أيام فقط ومع بداية شهر تشرين الأول ( في الخامس منه) ، يصادف الوطن السوري مناسبة تعد من أكبر المناسبات إجحافا وظلما وبهتاناً بحق مايعادل ( 300 ألف ) مواطن كردي، حرموا في الخامس من تشرين الأول لعام 1962 حين صدر مرسوم الإحصاء سيء الذكر، وحرم من خلاله العديد من المواطنين الأكراد من حقهم بجنسية البلد ، الذي يعيشون فوق أرضه، وولدوا وترعرعوا فيه، ثم تكاثرت عائلاتهم لتعيش الحرمان من التعليم الجامعي، أو التنقل بهوية، والعمل بشكل مشروع ، وما ينتج عن هذا الحرمان من حرمانات أخرى تجعل المواطن منهم يعيش آلاماً وعذابات يومية ومعاناة لا حدود لها...وكم من الوعود قطعها المسؤولين السوريين الكبار لحل هذه المعضلة، وساوموا فيها أبناء المنطقة، لكنهم حتى اليوم لم يحصلوا على نتيجة تذكر!!

وباعتقادي أن هؤلاء المواطنين عبارة عن سجناء بسجن كبير، ناهيك عن انعدام الحريات بكل أنواعها وحيثياتها في الوطن السوري ككل.

أطرح اليوم ندائي هذا، أمام الرأي العام العربي والعالمي، والسوري المسيس بشكل أساسي، وأحمل الجميع مسؤوليتهم عما يجري داخل سورية، وعن انعدام الحراك وشلله أمام وحش النظام الأمني وقمعه، لكن هل يمكن أن يصيبكم أكثر مما أنتم فيه؟

هل تقف لجان وهيئات حقوق الإنسان العالمية والعربية مكتوفة الأيدي أمام الاعتداء الصارخ على حق المواطن السوري بحرية التعبير والحركة والنشاط الحزبي والسياسي ، وتصمت على اعتقال المثقفين السوريين ، من ناشطي ربيع دمشق، ولجان إحياء المجتمع المدني، إلى الموقعين على إعلان دمشق بيروت، والطلبة المحرومين من إتمام دراستهم الجامعية ، والممنوعين عن الحركة والانتماء لأي حزب أو توجه سياسي، سوى التبعيث والتهليل للحزب الواحد سيد الدولة والمجتمع؟.

هل سيستمر الصمت على كل هذه الجرائم؟

هل سنكتفي بالبيانات والعرائض؟

ألا نتحرك ونموت بشرف، ودفاعاً عن كرامتنا المهدورة على يدي أصغر مخبر؟

هل بات الرأي المسالم والكلمة التي تطرح الحوار والإصلاح تستحق حبس الحرية، وتشويه كل ما بناه المرء من سمعة ونقاء وحب لأرض سورية وفخر في انتمائه إليها، يعني أنه خائن وعميل ومتعامل مع أعداء الوطن ــ حسب مقاييس الوطنية للنظام الأمني السوري؟.

أما آن الأوان ، إلى كسر حاجز الصمت والخوف، وقراءة الواقع ببصيرة أكثر صدقاً مع النفس والواقع، وأن النظام هو الخائف، وهو المرعوب من الكلمة ويريد خنقها في حلق كل المواطنين؟ .

لا أملك إلا أن أنتظر من النيام أن يصحوا، ومن الأموات أن تنهض، ومن الأحزاب أن تنفض عنها غيبوبتها الطويلة، وتعيد النظر بمسيرتها الراهنة، وبمراهنتها على نظام " فايت بالحيط "، ويريد أن نفوت معه فيه( على رأي المثل عندنا).

باريس 28-09-2006

كماشة بدلاً من كفاية لمواجهة سيناريوهات التوريث!!

كماشة بدلاً من كفاية لمواجهة سيناريوهات التوريث!!

حكم البابا

خاص – صفحات سورية –

لا أفهم لماذا اختارت حركة كفاية التي ظهرت احتجاجاً على عملية التوريث الرئاسي التي يتم إعدادها منذ سنوات في مصر هذا الاسم المهذب لها، فقد كان من الأنسب لحالة الاستئثار بالسلطة والتفرد بها ومنع تداولها الشائعة مصرياً وعربياً، أن تختار الحركة اسماً مثل (كماشة) أو أي اسم ينتمي إلى عائلة المعدات التي تستخدم لنزع المسامير والبراغي العالقة والتي يصعب نزعها بسهولة، فهذا النوع من الأنظمة العربية الذي تحول إلى مايشبه الحدبة على ظهر الجسم العربي، لايمكن اقناعه بتعابير ديمقراطية مثل تلك التي استخدمتها حركة كفاية المصرية ابتداءاً من اسمها وانتهاءاً بتظاهراتها، بالتخلي عن سيناريو التوريث الرئاسي الذي ينفذ إعلامياً وسياسياً بشكل يومي وملح منذ عدة سنوات في مصر، وبطريقة تؤكد أنه لم تعد هناك قضية أو مشكلة محلية أو اقليمية أو دولية تشغل السلطة المصرية وتستحوذ على اهتمامها أكثر من مسألة التوريث الرئاسي، ولذلك غدا دور مصر السياسي عربياً ودولياً منكمشاً وبدون فعالية، فلم يعد يهمها إقليمياً إن نجحت ايران في تخصيب اليورانيوم أم لم تنجح، توصلت إلى تفاهمات مع الدول الكبرى أم لم تتوصل، شنت عليها أمريكا حرباً أم لم تشن، وأصبح دورها التقليدي عربياً كوسيط مع أمريكا واسرائيل متثاقل الخطا، لايسرّعه تدمير اسرائيل للبنان، ولا الاحتقان الداخلي بين فرقائه الذي يهدد كيانه، ولا اعتقال اسرائيل لحكومة فلسطين، أو تجويعها لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، فكل همها اليوم هو نيل الرضا الدولي ووضع اللمسات الأخيرة على السيناريو الداخلي لعملية التوريث الرئاسي.

لا أعرف ما إذا كان الرئيس المصري يعتبر احتجاجات حركة كفاية وغيرها من القوى المناهضة لعملية توريث الرئاسة لنجله، تدخلاً في عاطفة الأبوة الغريزية التي يكنها لابنه، أو محاولة لتعطيل قوانين الميراث التي تنص عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، فالأنظمة العربية ومنها المصري تتعامل مع الدول التي تحكمها وتتحكم بمواطنيها بعقلية الاقطاعيات والأملاك الخاصة، فتنهب ثرواتها لتكدسها في حساباتها البنكية، وتعامل مواطنيها باعتبارهم أقناناً في مزارعها، وتلصق أسماء الدول التي تحكمها بكنى عوائلها الشخصية لإقناع من لايريد أن يقتنع بأنها تملك هذه الدول ولاتحكمها فقط، واستمرارية لهذه العقلية التي حكمت ومازالت تحكم بها دولها ترى أن من الطبيعي أن تورّث هذه الاقطاعيات الخاصة (التي تسمى تجاوزاً دولاً) لأبنائها، بعد أن تجاوزت منذ زمن طويل مشكلتها مع ماضيها الثوري وارثها الدستوري ونظمها الرئاسية، وأي تفسير آخر لايأخذ العامل العائلي (الذي يهدف للحفاظ على أملاك الأسرة ونقلها إلى الأبناء) في سيناريوهات التوريث التي يجري ترتيبها في أكثر من جمهورية عربية، ومصر اليوم أوضح أمثلتها، لتبرير إعداد السيد جمال مبارك لرئاسة مصر، وغيره من الأنجال لرئاسة غيرها من الدول يعتبر من قبيل الضحك على اللحى!

رغم كل ماقامت به حركة كفاية من تعبيرات احتجاجية حضارية ضد تحويل أكثرالدول العربية مأسستاً (نسبة إلى مؤسساتها التي لم تستطع ثلاثة حقب متباينة من الحكم شل حضورها وفعاليتها) إلى ملكية وراثية، فإن الرئيس القادم لجمهورية مصر العربية هو السيد جمال محمد حسني مبارك -مالم يحدث أمر استثنائي- سواء جاء عبر عرض تمثيلي لانتخابات لن تقل نتيجتها عن كذا وتسعين فاصلة كذا وتسعين بالمائة، أو باستفتاء جماهيري تحت شعار جذّاب يخلط ولو لفظياً الحلم الناصري بالواقعية المباركية هو (مبارك ياجمال)، ورغم نفي الرئيس مبارك المستمر لعملية توريث نجله رئاسة مصر عبر السنوات الماضية، والذي يدخل في باب تهدئة الخواطر وتسكين الهواجس وتمرير الوقت ليس إلاّ، فإن مصر ستصبح آجلاً أم عاجلاً الجمهورية العربية الثانية التي تتحول إلى مملكة وراثية مع احتفاظها بالقالب الجمهوري الخارجي.

أخيراً.. في حال لم يحدث أي أمر استثنائي في مصر أو الدول العربية الأخرى التي تعمل على نفس سيناريوهات التوريث العائلية سيجد مواطنو العالم العربي أنفسهم خلال عشر سنوات من اليوم يعيشون في ظل نوعين من الزعامات فإما الملك (ابن الملك)، أو الرئيس (ابن الرئيس)!

سجناء الرأي . . حالات وأحوال

سجناء الرأي . . حالات وأحوال

فيما يعانيه السوريون من مصائب الاعتقال السياسي المستمرة منذ عقود طويلة ما يدعو للاستغراب والاستنكار، ويبقى عصياً على التقبل والفهم، لأنه يمعن في تقليب المواجع الشخصية والوطنية والإنسانية. فإلى جانب الآلام التي يورثها، ومشاعر القهر والظلم التي يسببها، وآثار التدمير النفسي والاجتماعي التي يرتبها، فهو يتمتع بلا عقلانية بارزة، تجعل الفكر والتحليل عاجزين عن الربط المنطقي بين الأسباب والنتائج وما بينهما من سلوك وإجراءات. لأنه يظهر في معظم الأحيان – بل في جميعها – عشوائياً دون اتساق وغير مفهوم.

كان هذا باستمرار ديدن السجن السياسي والقائمين عليه، بغض النظر عمن يكون السجان ومن يكون السجين، وبعيداً عن هوية سلطات القهر وهوية الضحايا، وفوق اعتبارات الزمان والمكان. تأكيداً لحقيقة أن القمع هو القمع، وسيبقى (ما بقي) خارج معايير العقل والضمير والوطنية.

لقد حملت أحداث الثمانينات الأليمة وما بعدها حكايات تسمع بدهشة واستغراب، وقصصاً واقعية أغرب من الخيال، أنتجها سعار الاضطهاد المنفلت والعنف المجنون. حكايات فانتازية فيها من البشاعة ما يغطي طرافتها وسخريتها المرة. لكنها تعلن لا عقلانية الواقع بسفور يكشف كل عوراته. شمل ذلك كل أنواع التجاوزات، الصغيرة منها والكبيرة.

إطلاق السراح المتوالي وعلى دفعات للمعتقلين السياسيين والاحتفاظ ببعضهم، وتقديم بعضهم الآخر للمحاكمة، يشكل استمراراً لهذا النهج رغم أن التهمة واحدة على لائحة الاتهام القراقوشية التي تعدها سلطات الأمن، ويمكنها أن تجرّم حتى الماء والهواء. إذ لم يبق من سجناء الرأي العشرة الذين اعتقلوا على خلفية توقيع إعلان بيروت / دمشق إلا ميشيل كيلو وأنور البني. فقد أطلق الآخرون على ثلاث دفعات. شملت الأولى : غالب عامر، محمود مرعي، نضال درويش، د. صفوان طيفور. والثانية: محمد محفوض. والثالثة: سليمان الشمر، خليل حسين، محمود عيسى.

يدخل في هذا السياق التعامل مع المعتقلين الآخرين.

الحكم الجائر على الدكتور عارف دليلة ، والمعاملة القاسية التي يتلقاها .

طريقة اعتقال فاتح جاموس والتعامل معه.

التهم الموجهة للدكتور كمال اللبواني.

اعتقال علي العبد الله وولديه محمد وعمر، وطريقة ذلك الاعتقال وأسبابه.

اعتقال بسام بدرة والإفراج عنه لفترة قصيرة، ثم اعتقاله من جديد.

معاملة حبيب صالح في سجن طرطوس.

طريقة التعامل مع المواطنين الكرد الذين اعتقلوا على خلفية أحداث القامشلي.

دون أن نستثني معتقلي قطنا، وبقية سجناء التيار الإسلامي على اختلاف مواقعهم التنظيمية، وجميع السجناء القدامى والجدد في سجن عدرا وسجن صيدنايا وسجون الفروع الأمنية العديدة المنتشرة في العاصمة وفي جميع محافظات القطر.

وإذا أضفنا إلى ذلك إجراءات من نوع الفصل من العمل، والمنع من مغادرة البلاد، والحرمان من وثائق السفر، والاستدعاءات والمراجعات التي لا تنتهي، لوجدنا قائمة طويلة من الانتهاكات وإجراءات القهر والتمييز والحرمان من أبسط الحقوق، ليس للمواطنين في الحياة العامة فحسب، إنما للسجناء منهم أيضاً.

لمنظمات الدفاع عن الحريات الديمقراطية وجمعيات حقوق الإنسان أن تتابع شؤون السجناء والمعتقلين، وتعمل على تحسين شروط اعتقالهم وتأمين حقوقهم وحقوق ذويهم. أما المطلب الأساس فهو "تبييض السجون" وإخلاؤها من معتقلي الرأي والسجناء السياسيين مرة واحدة وإلى الأبد .

ليس المطلوب عقلنة القمع، ولا يمكن أن يتم ذلك. فهو بطبعه ووظيفته غير عقلاني. بل المطلوب نفيه وإلغاؤه.

فسورية تريد أن تعيش دون سجون واضطهاد وقهر، ويمكنها أن تفعل ذلك.

موقع الرأي هيئة تحرير

فعاليات سياسية وثقافية واعلامية تطالب بالافراج عن معتقلي اعلان بيروت ـ دمشق في سوريا

فعاليات سياسية وثقافية واعلامية تطالب بالافراج عن معتقلي اعلان بيروت ـ دمشق في سوريا

خاص – صفحات سورية

دعت فعاليات سياسية وثقافية واعلامية اردنية الى الافراج عن معتقلي اعلان بيروت ـ دمشق في السجون السورية .

وجاء في بيان اصدرته بهذا الخصوص ان السلطات السورية ما زالت تصر على

" ابقاء رموز التفكير السياسي ، والحراك الحقوقي ميشيل كيلو ، وانور البني ، وفاتح جاموس ، وعلي العبدالله ، وكمال اللبواني قيد الاحتجاز " دون اسباب مقنعة .

واشارت الشخصيات الاردنية الموقعة على البيان الى ان السلطات السورية تتخذ هذا الموقف في الوقت الذي سمحت بالافراج عن عدد اخر من معتقلي اعلان بيروت ـ دمشق بكفالة لتتم محاكمتهم طلقاء .

وفسر البيان ابقاء كيلو واللبواني والبني وجاموس وعبداللة في المعتقلات بوجود رغبة لدى السلطات السورية بتحميلهم مسؤولية الاعلان الذي دعا الى بناء العلاقات السورية ـ اللبنانية على اسس جديدة تفتح الافاق امام التعايش الاخوي بين الشعبين السوري واللبناني .

وجاء في البيان " ايمانا منا بحق المعتقلين في الحرية والتفكير والتعبير عن قناعاتهم بعيدا عن الملاحقات والارهاب الفكري وتكميم الافواه نضم اصواتنا للاصوات الداعية الى الافراج عنهم دون قيد اوشرط وافساح المجال امامهم لخدمة الشعب والوطن السوريين وهما يمران بمرحلة في غاية الحساسية " .

واضاف البيان ان السجون " ليست مكانا للذين امنوا بالحرية والديقراطية وحقوق الانسان ويبحثون لاوطانهم عن مخارج من دوائر الازمات المغلقة ويعكفون على ابعادها عن حافة الهاوية والمنعطفات الحادة التي تدفع الشعوب فواتيرها " .

ووقع البيان القيادي في حزب اليسار الديمقراطي جميل النمري ، والكاتب السياسي رجا طلب ، والكاتب والمحلل السياسي جهاد الرنتيسي ، والصحفي محمد فرحان ، والقاص نادر الرنتيسي، والناقد سليم النجار ، والكاتب موسى برهومة ، والصحفي عمر العساف ، والصحفي جمال اشتيوي ، وعضو مجلس نقابة الصحفيين فيصل ملكاوي ، والصحفي راكان السعايدة ، والفنان التشكيلي حسين دعسة ، والصحفي عبدالكريم الوحش .

النظام السوري والموقف من احتلال الجولان

النظام السوري والموقف من احتلال الجولان

د أحمد أبو مطر

الحرب الأخيرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي سلطت الضوء على موقف النظام السوري من هذه الحرب و من الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري منذ عام 1967 والإعلان عن ضمه لدولة إسرائيل عام 1981 . إزاء الحرب الأخيرة وظّفها النظام خطابيا وكلاميا ليبدو وكأنه هو الذي يقاتل ويقاوم وليس حزب الله، مستغلا الإسلوب الذي يخدر عواطف الجماهيرالعربية التي بنفس الإسلوب تهتف وتصفق للطغاة والمستبدين ناسية قمعهم وقتلهم وفسادهم. وكان إعلام النظام ومسؤوليه طوال أيام الحرب يكررون بشكل يومي نكتة أو أكذوبة ( نتحدى الجيش الإسرائيلي أن يهاجم سورية أو يقصف مواقع داخل الحدود السورية )، وهذا التحدي الكلامي يحمل في طياته الويل والثبور للجيش الإسرائيلي، وهو في واقع الأمر مجرد أكاذيب تنطلي على الجماهير البسيطة فهذه الجماهير تنسى أنه قبل الحرب بأسابيع حلق الطيران الإسرائيلي فوق القصر الجمهوري في اللاذقية أثناء تناول الرئيس الشاب طعام الفطور، وعاد الطيران الإسرائيلي إلى قواعده سالما غانما دون إطلاق قذيفة واحدة ضده، وقبل ذلك بعامين تقريبا قصف الطيران الإسرائيلي منطقة عين الصاحب القريبة من دمشق، وكانت الكارثة أن النظام وأجهزة رصده واستطلاعه لم تعرف بالقصف إلا بعد أن أبلغهم السكان المحليين بذلك. والغريب المضحك المبكي أن كل القصف الإسرائيلي للجسور والطرق والمواقع على الحدود اللبنانية السورية، لم يعتبره النظام تحديا وتهديدا له فظل ساكتا مؤدبا يدعم حزب الله ومقاتليه بالكلام والكذب، والهجوم المباشر وغير المباشر على دول عربية مثل مصر والسعودية والأردن، والتغني بتحالفه الإستراتيجي مع نظام الملالي في إيران الذي استعمل نفس الأكاذيب و التهديدات الجوفاء في دعم حزب الله.

وبعد أن انتهت الحرب وتم تطبيق القرار الدولي رقم 1701، وانتشر الجيش اللبناني في كامل الجنوب اللبناني الذي كان تحت سيطرة حزب الله وإسرائيل، وانتشرت قوات اليونيفيل الدولية المسلحة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وانكفأ حزب الله بسلاحه وصواريخه العشرين ألف إلى الداخل اللبناني ولم يعد قادرا على استعمالها، بدليل الخروقات الإسرائيلية المستمرة دون أي رد يذكر من حزب الله، تذكر النظام السوري الجولان المحتل فأعلنت عدة مصادر سورية عن استعداد سورية للعودة لطاولة المفاوضات ثم كان إعلان الرئيس السوري شخصيا قبل أيام قليلة عن هذا الاستعداد وأنه ينأى بنفسه بعيدا عن إعلان إيران بإزالة إسرائيل من الوجود!!. أما وزير خارجيته وليد المعلم فقد أعلن عن ( موافقة بلاده على مرابطة قوات دولية في مزارع شبعا المتنازع عليها )، وفجأة جاء تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يوم الثلاثاء الموافق السادس والعشرين من سبتمبر الحالي الذي أكدّ فيه ( أن هضبة الجولان السورية هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل).

إزاء هذا التصريح الإسرائيلي ما هو موقف النظام السوري الذي أشبعنا تغنيا بالمقاومتين اللبنانية والفلسطينية؟. هل سيبقى موقفه أن يعيش على مقاومة غيره رغم أن السلاح المتوفر لهاتين المقاومتين يكاد لا يذكر قياسا بسلاحه الذي كاد يصدأ في مخازنه حيث لم تطلق منه رصاصة منذ عام 1974 أي منذ اثنين وثلاثين عاما!!. إن الدراسة الواعية لبنية النظام السوري الحالي الذي هو امتداد لنظام الرئيس الأب حافظ الأسد يدرك بموضوعية وحسب وقائع ودلالات عمر هذا النظام الذي تقترب من أربعين عاما، أنه ليس في وارد هذا النظام العمل على تنظيم مقاومة داخل الجولان المحتل أو العمل على تحريرها وبالتالي سيكون مصيره كمصير لواء الإسكندرونة الذي تم احتلاله وضمه لتركيا عام 1936 أي 12 عاما فقط قبل احتلال فلسطين وما زالت قضية فلسطين حيّة وشعبها يقاوم، بينما تم ترسيم الحدود رسميا مع تركيا أي الاعتراف الرسمي من النظام السوري بتركية لواء الإسكندرونة، وتم حذف أية إشارة من الكتب المدرسية والجامعية السورية تشير إلى عروبة اللواء ولا يمكن لأي مواطن سوري قادم من لواء الإسكندرونة أن يتمكن من الحصول على إذن إقامة في سورية فهو في عرف النظام مواطن تركي. وهذا الاستنتاج ليس تجنيا على النظام السوري بل أكده وزير خارجيته وليد المعلم في تصريحه يوم الثلاثاء الخامس عشر من أغسطس الماضي، حيث قال: ( من يطالب بفتح جبهة الجولان مع إسرائيل بأنهم يريدون تنفيذ مخطط ضرب سورية )، وكلامه واضح المعنى والدلالة ( لا لفتح الجبهة السورية مع إسرائيل في الجولان كي لا يتم ضرب سورية )، إذن لماذا التغني بمقاومة الغير؟. لماذا هو سهل على النظام ضرب وتدمير وتخريب لبنان وتهجير شعبه، بينما ينأى بذلك عن سورية وشعبها؟. لماذا ما هو حرام وغير مقبول لسورية حلال ومقبول للبنان؟!.

إن انتشار قوات اليونيفيل المسلحة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ومراقبة البحرية الألمانية للشواطىء اللبنانية، والإحكام المتواصل لمراقبة الحدود السورية اللبنانية،وعدم إمكانية استعمال حزب الله لسلاحه بعد الآن مهما كان حجم هذا السلاح، من شأنه أن يفقد النظام السوري الورقة الوحيدة التي كان يزاود ويتاجر ويضلل بها وبالتالي عليه أن يبدو على حقيقته إزاء احتلال الجولان الذي مضى عليه الآن أربعون عاما...وبالتالي سيعرف العرب من هم ( أشباه الرجال ) الذين ورد ذكرهم في خطاب بشار الأسد ألأخير...وربما سيكون الأخير في حياته كرئيس إذا نجحت الاتصالات الأوربية الأمريكية به، كي يتخلى عن الحكم والذهاب إلى بريطانيا للعيش هناك وإكمال دراسته في طب العيون ثم فتح عيادته في لندن خاصة أن زوجته وعائلتها يحملون الجنسية البريطانية مع ضمانات تؤكد عدم جلبه للمحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رفيق الحريري!!.وقد أكدت مصادر هذه المعلومات أن الرئيس بشار عندما تلقى هذا العرض لم يعلق سلبا أو إيجابا بمعنى أنه يدرس هذا العرض!!.

ايلاف

الوطنية السورية بين الواقع و المنشود

الوطنية السورية بين الواقع و المنشود

بقلم: د. عبد الباسط سيدا *

تذهب جملة من فصائل المعارضة السورية، وخاصة الأساسية منها إلى اعتماد مصطلح حقوق المواطنة، وذلك في إطار سعيها من أجل إيجاد مخرج مقبول من قبل الجميع للأزمة الشمولية المستعصية التي تثقل كاهل سورية منذ عقود، وهي أزمة اتسمت بهيمنة الحكم الشمولي لشريحة ايديولوجية متباينة الخلفيات والتوجهات، سيطرت على الأوضاع بقوة السلاح، واستمرت في تصفية الحسابات فيما بينها، إلى أن استتبت الأمور لزمرة محدودة النطاق والآفاق، لتفرض سلطاتها عبر أجهزة استخباراتية لا عد لها ولا حصر لوظائفها، أجهزة متغلغلة في كل نواحي الحياة، تعبث فيها فساداً وإفساداً، نهباً وتسطيحاً على المستويين المادي والروحي.

إننا لا نختلف حول ضرورة احترام حق المواطنة إذا شئنا بناء دولة القانون والمؤسسات الواضحة المعالم، المحددة الصلاحيات، بشفافية تمنح الطمأنينة والأمان للجميع، لكن هذا المصطلح سيظل روّاغاً مضللاً، ما لم يتخذ موقعه ضمن سياقه الطبيعي المشخص. فهو يستمد مشروعيته من مصطلحين آخرين متضايفين هما الوطن والوطنية. الوطن كونه الإطار الذي يضم سائر مواطنيه على قدم المساواة؛ والوطنية بوصفها تجسد شعور الاعتزاز بالانتماء إلى الوطن، والإرادة الساعية من أجل حمايته ونهضته.

أما التركيز على الحقوق العامة للمواطن من دون الفصل في المعني بالوطن نفسه، ومن دون استيعاب العلاقة التفاعلية بين هذا الأخير والوعي المتمحور حوله، فهو جهد يظل منتمياً إلى خانة المجردات التي تحتمل ألف تأويل وتأويل، وذلك تبعاً للمصالح والتطلعات، وبناء على مدى امتلاك القوة بمعانيها الكثيرة.

إننا لا نختلف حول العموميات. والمجردات العامة لا تثير عادة الخلاف مثلما تفعله التفصيلات التي تمنح المُعاش قسماته الواقعية، وتضع المواقف على المحك، فتتمظهر تجلياتها النظرية في ثنايا مجريات الحياة اليومية. والمثال الملموس الذي يفرض ذاته هنا بالتوافق مع ما نبحث فيه هنا هو المعني بالوطن نفسه. فالوطن يمتلك بالنسبة إلى السوري - وربما بالنسبة إلى غيره - دلالات عدة، تتمفصل حول مفهومين رئيسين هما: الوطن الواقع والوطن المنشود.

1- الوطن الواقع:

والمعني به، هو ذاك الذي يتماهى مع الكيان السياسي المعترف به دولياً، بتخومه التي تفصله عن دول الجوار في المنطقة، وهي بالنسبة إلى الواقع السوري ما زالت موضع أخذ ورد، خاصة من جهتي الشمال والجنوب، لكنها في إطارها العام محددة واضحة الملامح، وتمثل خطوطاً تعيينية لقسمات دولة شهدت النور بعد الحرب العالمية الأولى. دولة ما زالت تتخبط في خضم عمليات تطويعية حالت - وتحول - دون بلورة مؤسساتها الطبيعية، وفرضت على مدى عقود أمزجة المهيمنين عبر اجراءاتٍ سُوّقت باسم قوانين الطوارئ، لكنها لا تلتقي مع فكرة القانون إلا عبر الاسم المنتحل الذي أنيط به مهمة تسويغ غير المسوّغ، وشرعنة المحرّم بمعانيه كافة.

إن الوطن الواقع هذا يضم مكوّنات متعددة الانتماءات على صعيد القومية والدين والمذهب، مكوّنات تمثل استمراراً لوضعية تاريخية عريقة تميّزت بها المنطقة على وجه العموم، وسورية على وجه التحديد، هذا مع الأخذ في الحسبان موضوعة أن الاستمرار المعني قد خضع خلال المراحل المختلفة التي شهدها تاريخ المنطقة لصيغ متباينة من التمازج والتلاقح، والتكيّف القسري، وتجسّدت في الحصيلة العامة التي نعيشها راهناً.

وتجدر الملاحظة هنا أن القوى التي ثبّتت الحدود بين دول المنطقة لم تراع إرادات شعوبها، و لم تستند إلى معطيات التاريخ والجغرافيا، وإنما استهدفت في المقام الأول تأمين مصالحها الآنية في ذلك الحين والمستقبلية التي نعاصرها، وقد يعاصرها أحفادنا وأحفادهم، ما لم نُقدم بعقل وقلب مفتوحين على إنجاز ما فيه خير البلاد والعباد.

وقد استوعب جيل الاستقلال بحسه السليم خصائص الوضع الجديد، وعمل جاهداً من أجل بناء صرح دولة مستجدة، لتكون حاضنة قانونية، دستورية لكل أبنائها. لكن الذي حصل مع الوقت هو تمكّن النزعات العصبية بمضمانيها المختلفة من التحكّم مجددا، الأمر الذي قطع الطريق على العملية المعنية، وصادر إمكانية ظهور دولة سورية، كان من شأنها أن تستمد مشروعيتها من إرادة مواطنيها الأحرار في سياق عقد دستوري، يعترف بالجميع، ويصون حقوق الجميع، بعيداً عن عقد الاستعلاء والإلغاء.

وقد تداخلت عوامل عدة، وأسهمت في إثارة النزعات العصبية المشار إليها، وأبرز تلك العوامل: التجربة المرة مع الدولة العثمانية، خاصة في مراحلها الأخيرة، الأمر الذي استفاد منه الزعماء المحليون في ميدان استمالة ناسهم، وتوجيههم نحو ما ينسجم مع الاعتراف بنفوذهم، والعمل من أجل استمراره. وكان التلويح بشبح هيمنة الآخر الأداة التي اعتمدها هؤلاء لبلوغ صيغة من التوافق الإيهامي بين تطلعاتهم الذاتية الخاصة بهم، والمصالح المزعومة للجماعات التي كانت تمثل الميدان الحيوي بالنسبة إلى كل زعيم، أو مجموعة من الزعماء. إلى جانب هذا وذاك، كان للتقسيم والتكوين الاعتباطيين لجغرافية المنطقة وتاريخها اسهامهما في تكريس مناخ التحفّز والتوجس من القادم المجهول. لاسيما في أجواء الاستقطاب والتخندق، ورغبة كل فريق في الاستئثار، وغياب النَفَس المطمئن الذي كان من شأنه تعميق الحس الوطني، وتكريسه في إطار الوطن الواقعي الذي فرض بإرادة دولية، وبات مع الوقت موضع ارتياح إقليمي، وذلك بناء على قواعد لعبة معادلات التوازن والمصالح.

وفي سياق البحث عن مخرج لوضعية التنافر والتنابذ التي بدأت بواكيرها وعلائمها بالظهور هنا وهناك قبل الاستقلال؛ وبعد أن تبلورت لدى مجموعة من المهتمين أفكاراً قومية، وجد أصحابها أن الحلول جميعها تظل جزئية غير ناجزة، إذا ما ظلت بمعزل عن الإطار القومي الأشمل، إطار الدولة العربية الواحدة التي من شأنها ضم العرب من المحيط إلى الخليج، دولة قادرة على صهر الجميع، وتمثلهم في ذاتها على أساس وحدة الثقافة واللغة والانتماء والتوجه.

واللافت للنظر هنا أن الأفراد الذين تعاقدوا فيما بينهم على حمل هذه الأفكار، وتحويلها إلى ايديولوجية عمل في إطار حزب قومي، هو حزب البعث الذي أسسه في عام 1940 كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، كانوا ينتمون في معظمهم إلى المناطق السورية الريفية التي كانت تتميز من ناحية بتخلفها، قياسا إلى واقع الحال في المدن الكبرى خاصة دمشق وحلب، كما أنها كانت تضم في الواقع، مثلما هو عليه الحال في يومنا هذا، أقليات دينية ومذهبية، كانت موضوعاً لتعامل استعلائي ظالم من قبل تجار المدن الكبرى وأثريائها، ونخبها السياسية والعسكرية ذات الغالبية العربية السنية.

فالحزب الجديد كان يعطي الأولوية للانتماء القومي من دون الديني، وكانت ايديولوجيته تفيد أن الإسلام هو في نهاية المطاف نسق من أنساق القومية وليس العكس، هذا على الرغم من الأهمية الاستثنائية التي خُص بها مقارنة مع سائر الأنساق الأخرى. وهكذا غدا الانتماء إلى الحزب الجديد أداة للاستقواء في مواجهة الظلم الاجتماعي بطابعه الديني على وجه العموم، والمذهبي على وجه التخصيص. فالعلاقة بين المسلم والمسيحي في سورية كانت وما زالت أكثر استقراراً وأفضل من تلك التي تعامل وتتعامل من خلالها الطوائف الإسلامية نفسها بعضها مع بعض. وهذا أمر يعود بجذوره إلى التاريخ الإسلامي نفسه، حيمنا كانت المذاهب هذه وجهاً من أوجه التصارع بين القوى المتنافسة التي كان كل فريق منها يبغي السلطة والملك لنفسه مقابل إبعاد الآخرين وتهميشهم. ونظراً لطول هذا الموضوع، وتشابك محاوره، سنكتفي بالإشارة هذه من دون الخوض في التفاصيل والخفايا التي ستبعدنا من دون شك عن الخيط الناظم لما نتناوله هنا.

ومع استيلاء حزب البعث على مقاليد السلطة في سورية عام 1963 عبر انقلاب عسكري، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ سورية المعاصر، تميّزت بهيمنة الطابع التناحري بين رفاق الدرب الواحد الذين أمسكوا بدفة الحكم بمعزل عن الشعب وإرادته الحرة. فبينما اعتقد بعضهم، استناداً إلى الحس القومي المشروع، والرغبة الملحة التي لا تعبأ بالحواجز الواقعية القائمة، أن سورية ستكون الركيزة والقاعدة لتجديد مآثر الأمويين القومية؛ وجد بعضهم الآخر أن الفرصة قد باتت في متناول اليد لاستعادة الحق المهدور، واختراق حرمة مواقع محظورة، بناء على قواعد غير مكتوبة، استمدت سلطانها من الفارق الاجتماعي والتمايز المذهبي.

وفي خضم جولات الإقصاء والتصفيات، كانت الشعارات القومية الكبرى، وشعارت الاشتراكية العربية والقوموية حصيلة هجينة لنزعات متعارضة متناقضة توزعت ما بين الفاشية والماركسية، شعارات مثّلت العباءة التي تمترست في أفيائها مجموعات الرفاق - الأعداء، مجموعات كانت تدافع عن حساباتها، وتسعى باستماتة من أجل الاستقواء بالطائفة، لتكون خشبة الخلاص، والخزان الذي يمدها بالطاقة البشرية المطلوبة في عمليات العزل والتعويض والهيمنة. وكانت الجهود التصعيدية هذه تموه دائماً ببريق المزاعم القومية التي كانت تخوّن الوطني بالنزعة الإقليمية أو القطرية. فأي مطالب بالحق في إطار جامع حاضن لكل مكوّنات الوطن الواقع - سورية الكيان السياسي - إنما هو متآمر متصهين، ارتضى لنفسه أن يكون مخلباً رخيصاً لسياسة استعمارية، تستهدف الأمة العربية ورسالتها الخالدة، وأصالتها المتميّزة .. وإلى ما هنالك من مصطلحات مشحونة بالعواطف الانفعالية التي جسّدت غطاء لجهود زمروية، أفلحت في تقسيم المقسّم، وتمكنت من فصم عُرى التواصل بين أبناء الوطن المشترك، حتى بات الوحد لا يعرف ماذا يحصل في المحافظة، إن لم نقل البلدة المجاورة. ومع ذلك يتبجح اعلامنا ويتشدق بإنجازات وهمية، وأباطيل لا سند لها سوى ذهنية مبدعيها ومروجيها؛ مزاعم لا حصر لها حول الخيارات القومية الاستراتيجية لسورية، وكيف ان هذه الأخيرة قد غدت الحلقة الأخيرة الأساسية التي تدافع عن الحق العربي، وتناضل من أجل الوحدة العربية التي ستشمل - حسب برنامج البعث نفسه- عربستان والاسكندرونة، هذا ناهيك عن الجزر الإماراتية الثلاث، أما الجولان فله ربه الحامي. لكن المستغرب المستهجن أكثر من غيره هو أن هذه النغمة قد انطلت وتنطلي على الكثير من الناس في خارج سورية.

وقد أدى سيل التناحرات السلطوية إلى تمركز الحكم بأيدي زمرة أسرية، ليس من المستبعد أنها هي الأخرى تعاني من الانفكاك وأحابيل التصفية؛ زمرة اتخذت من فكرة ضرورة تحرير الوطن الأوسع وتوحيده ذريعة أو تسويغاً للانقضاض على الوطن القائم، تنهشه استبداداً ونهباً وإفساداً.

2- الوطن المنشود:

والمقصود به هو ذاك الذي تختزنه ذهنية المكوّنات السورية المختلفة، وهو تطلع يتجاوز الحدود السياسية التي يقر الجميع بعبثيتها، وتوافقها مع رغبات المقسمين المصلحية التي تعارضت، بل وتناقضت، مع المسارات التاريخية، والتموضعات الجغرافية لشعوب المنطقة وأقوامها.

لكن الوطن المنشود هذا لا يمتلك الدلالات ذاتها في منظور الجميع. فهو دال متعدد المدلولات إن صح التعبير. مدلولات تستمد مضمامينها من رؤى الساعين لاستعادة الحق السليب، وهو حق مطلق لا يناقش او يُساوم وفق معايير الذات، لكنه نسبي أو مصطنع مختلق لدى الآخرين الذين يمتلك كل فريق منهم مطلقه الخاص؛ مع الإصرار على أنه هو الأساس والحكم. الأمر الذي يؤدي إلى سد الطرق أمام التواصل، ويجعل التحاور مجرد مناوشات كلامية، وساحة لتبادل الاتهامات والألفاظ الجارحة التي تعمّق الهوّة، وتدفع بالناس نحو ملاذاتهم ما قبل الوطنية، انتظاراً لتحقق تمنيات تتخطى تخوم الخرائط الراهنة، وتبحث عن أوطان الوجدان والذاكرة.

الوطن المنشود لدى العربي ليس هو ذاته الذي يتوق إليه الكردي أو الإسلامي، فضلاً عن السرياني أو القومي السوري. فالقومي العربي مازال يعيش نواح النكبة والتقسيم. تراه قد أرجأ المهام جميعها إلى ما بعد الوحدة العربية الكبرى التي تعد بالنسبة إليه الشرط الضروري والكافي لمواجهة كل التحديات، ومعالجة سائر المعضلات. وقد تمكنت مجموعات السيطرة ضمن حزب البعث بإتقان وحرفية بارعين من ركوب الموجة، ونجحت في استغلال المشاعر والانفعالات، وأوهمت الناس بأنها تعمل من أجل الأسمى والأشرف؛ الأمر الذي يبيح التصرف بالوطن وأهله وسائل لبلوغ الهدف الأكبر. فالعمل واللقمة وحرية التعبير، وحتى الكرامة، وإلى ما هنالك من هموم صغيرة تشغل بال الناس، وتستهلك وقتهم وجهدهم داخل القطر الواحد، إنما هي من التوافه الصغيرة التي لا تستحق الوقف عندها والتأمل فيها، وذلك في مواجهة المهام الكبرى المنتظرة التي من شأن إنجازها انهاء الشجون بصورة مطلقة في كل الميادين وعلى مختلف المستويات.

وقد لاقى هذا التوجه استجابة القوميين العرب من أصحاب النزعة الرومانسية الذين لم يتورعوا عن تسويق أكبر الشعارات، وأكثرها حرارة وإثارة، في وقت كان الوطن يُختزل إلى الحزب، والحزب إلى السلطة، وهذه الأخيرة يمسك بتلابيبها زمرة أضفت على جهودها مسحة ربانية، سدنتها أمراء الظلام الذين وجدوا أن مستقبل مملكاتهم السرية السحرية هو المقياس والفيصل في أية صفقة مع الخارج، وذلك لتطويع الداخل، وإرغامه على الصمت والخنوع والتسبيح بحمد أولي الأمر الذين يرهقون أنفسهم بتأمين الماء والكلأ والرداء لنا على الرغم من مشاغلهم وانشغالاتهم الكثيرة. بدءاً من ضرورات اسكات نعيق المعارضين، مروراً باستمالة وكسب رضى المنصّبين، انتهاء بالحسابات المصرفية الفلكية التي كانت وما زالت موضع حسد وتطاول الحقاد والمغرضين.

وتهيئة لوحدة عربية لا يريدها حقيقة أي من الحكام الأبديين الذين أغنوا بجمهورياتهم الوراثية نظريات علم السياسة، وسدوا فيها ثغرات قاتلة كانت لها مخاطرها الانفجارية الكبرى، تهيئة للوحدة المعنية وجدت قيادات السيطرة الحكيمة في حزب البعث وروافده من الأجهزة المخابراتية والعسكرية ضرورة تعريب الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وذلك امعاناً منهم في لعبة التضليل والتزييف؛ فأنكروا وجود الآخر القومي، وألزموه بتبني الأسماء العربية لمدنه وقراه، لمدارسه وشوارعه وحتى مواليده الجديدة. وبين الحين والآخر كان يثير هؤلاء غمز ولمز بعض المندسين ممن كانوا يتساءلون عن بواعث التقاعس، ويلحفون على ضرورات التحرير، فتفتحت عقلية أولئك الذين يتحملون عذابات الحكم والتفكير والنشاط الاقتصادي، والاستمتاع بخيرات البلد المادية منها والروحية عوضاً عنا، تفتقت عقلية هؤلاء عن عبقرية لم يسبقهم إليها أحد، فقد اكتشفوا أن طريق التحرير يمر عبر الداخل. فأطلقوا اسماء المدن والقرى المحتلة على ممتلكات الآخر التي استباحوها عبر عملية أنفال غير معلنة؛ وهكذا ظهرت بقدرة تعجز الكلمات عن تحديد كنهها القنيطرة والجولان، وحيفا ويافا وغيرها في المناطق الكردية شمالاً، الأمر الذي أحدث ابتهاجاً لدى بعضهم، ودواراً يصل إلى حد الغثيان لدى القسم الأعظم من الذين اختلطت عليهم المسافات والجهات والنوايا؛ خاصة الكرد منهم الذين لم يكونوا قد تعافوا بعد من آلام التقسيم القيصري القسري الذي أدخلهم عنوة ضمن دائرة الحدود السياسية للكيان المستجد، وذلك على أمل تأمين الوقود للمصانع الفرنسية. فالكرد الذين كانوا يمعنون النظر في الجانب الآخر من الحدود الطويلة الممتدة بين تركيا وسورية راهناً، ويتساءلون بينهم وبين أنفسهم حول طبيعة ما حدث، استفاقوا من غيبوبتهم على صخب شعارات واجراءات تستهدف وجودهم القومي الفيزيقي، وذلك عبر مشاريع قلّ نظيرها من جهة البشاعة إن لم نقل الوقاحة، والقدرة على تأصيل الحقد والكراهية المزمنين.

وفي ومواجهة آلام الماضي القريب، وتحديات المتلاحق اليومي، توزعت الآراء وتناثرت في مختلف الاتجاهات، تبحث عن الحل، منها ما تكوّرت على الذات، وتقوقعت على الداخل، وهي تتغنى برومانسية الماضي. ومنها ما ابت الإقرار بالواقع المفروض وتطلعت باستمرار إلى ما وراء الحدود الهزلية، تتواصل عقلاً وقلباً مع الأهل والأصحاب. لكن اللافت هو أن الغالبية العظمى وجدت في مآل الأمور تناغماً بين الإرادتين الدولية والإقليمية، وتنبهت لسوداوية الأهداف المتوخاة من قبل المتربصين، فأيقنت أن الملاذ الآمن يتمثّل في الاستقواء

بشركاء الوطن والمصير، لذلك مدت جسور التواصل معهم، وتوجهت إليهم بمنطق العقل وإرادة التفاهم، ولم تشترط سوى الاحترام المشترك، والاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات والخصوصيات. واعتمدت دائماً الحوار الهادئ البنّاء وسيلة لبلوغ قواسم الاتفاق، وترسيخ ثوابت الوطن والوطنية والمواطنة.

إلا أن كل ذلك لا يلغي وقائع التاريخ المنصرم ببعيدة وقريبه، ولا ينفي حقائق الجغرافيا سواء الطبيعية منها أو البشرية، فضلاً عن السياسية والاقتصادية. لكن حضور الوقائع والحقائق تلك ليس معناه أن يتحول العرب والكرد والمكونات السورية الأخرى إلى عناصر متنافرة، تتطلع نحو الدعم من المحيط القومي أو الديني أو المذهبي بغية مواجهة الشريك الوطني، وإرغامه على الانصياع أو التنازل، بل إن المصالح المتبادلة، وضرورات العيش المشترك بالنسبة إلى أبناء سورية، تستوجب على النقيض من ذلك ترسيخ أسس الوطنية السورية التي لا تلغي الهويات الفرعية، لكنها تمد الوشائج مع المحيط الانتمائي، ليكون هذا الأخير عوناً وسنداً للداخل الوطني، يمدّه بمقومات النهوض والازدهار، يساهم في تمتين النسيج الداخلي البديع الذي سيغدو أرضية واقعية لاستقرار اقليمي، يستفيد منه الجميع، وفي المقدمة منهم العرب والكرد. أما أن يركض كل منا خلف أحلامه، سواء العربية مها أو الكردية، الاسلامية أو القومية السورية، أو غيرها، فهذا مؤداه تشتيت الطاقات، وتفتيت الوطن القائم، وحينئذ سيصبح أي حديث حول الوطنية، وحقوق المواطنة من باب لغو الحديث الذي يسهّل التعمية والتضليل في حوار هذه المائدة أو تلك، لكنه لن يكون منتجاً على صعيد بلورة معالم مشروع وطني يكون بالجميع وللجميع؛ مشروع يتباهى بالجميع، ويأبى منطق الإبعاد والتبجح والتكبر. ولعلنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا أن بلوغ هذا المستوى من الرقي الوطني يقتضي قبل كل شيء التخلي عن الأوهام المرُضية، والتحلي بالجرأة الأصيلة التي لا تخشى اتهامات الشعاراتيين، وتسمو فوق الحسابات المللية، متطلعة نحو وطن يحضن كل أبنائه ويبعدهم عن كل مكروه.

__________

كاتب كردي سوري – السويد

أخبار الشرق

إصدارات هامة في دمشق

إصدارات هامة في دمشق

شاهر أحمد نصر

أصدرت في دمشق مجموعة من الكتب الهامة، من بينها: رواية "غبار الطلع" لعماد شيحة، و"الماركسية والديموقراطية"، و"العولمة والإمبريالية" لمجموعة من المؤلفين ترجمة رندة بعث، تقديم ومراجعة عماد شيحة، فضلاً عن كتاب "المال ضد الشعوب ـ البورصة أو الحياة" تأليف إيريك توسان، ترجمة عماد شيحة ورندة بعث.

ونظراً لأهمية هذه الأعمال سنحاول تسليط الضوء على كل منها، ونبدأ بكتاب "المال ضد الشعوب ـ البورصة أو الحياة"، وهو استمرار لكتاب سابق للمؤلف أصدر تحت العنوان نفسه باللغة الفرنسية، وأصدرت منه تسع عشرة طبعة بسبع لغات. هذا وقد قدم لطبعته العربية التي بين أيدينا المؤلف ذاته، الذي فند النظرية الاقتصادية المسيطرة التي تزعم أنّ تخلف الجنوب ناتجٌ عن عدم كفاية رؤوس الأموال المحلية، مبيناً أن البلدان النامية هي التي تزود البلدان الأكثر تصنيعاً برؤوس الأموال، إذ تبلغ رؤوس الأموال التي أودعها رأسماليو البلدان النامية في مصارف البلدان الأكثر تصنيعاً نحو 1500 مليار دولار!!!

ويرى كريستيان دو بري (وهو محرر في لوموند ديبلو ماتيك) في استهلاله للكتاب أنّ التاريخ المعاصر هو تاريخ فتح العالم على يد الشركات عابرة للقومية التي تنساق وراء حرب دائمة تستهدف السيطرة على الأسواق، وتنخرط في محاولة إخضاع جميع النشاطات البشرية لمنطق الربح... هكذا يسعى سادة العالم الجدد لتأسيس نظام شمولي جامع، يفرضون فيه هيمنتهم على الضحايا الذين يعدون بالمليارات، ويتطور هذا الإجراء في ثلاثة حقول أساسية.

الحقل الأول: هو الاحتكار شبه الكامل الذي تمارسه أيديولوجيا الطبقات المهيمنة والخطاب النيوليبرالي الذي يشرعن هذه الهيمنة... ويجري ذلك بالهيمنة على وسائل الإعلام والنشر والجامعات...

الحقل الثاني: هو محاولة إخضاع جميع النشاطات البشرية لنظام السوق ولقانون الربح.

والحقل الثالث الذي تتطور فيه الشمولية هو السياسة، ويتم ذلك بتفريغ الهيئات السياسية بوصفها مكان التنظيم السليم للنزاعات الاجتماعية من محتواها.ص14

ويبين كريستيان دو بري أن مقاومة النظام الرأسمالي لا يمكن لها أن تكون فعالة دون وعي، ومعرفة عميقة بطرائق عمل هذا النظام... ويساهم كتاب "المال ضد الشعوب" في نشر تلك المعرفة، مما يساعد مؤلفه إيريك توسان في تحقيق هدفه في "المساهمة في انعتاق المضطهدين والمضهدات أياً كان تواجدهم على سطح الكوكب".

يتضمن الكتاب عشرين فصلاً، يتحدث في الفصول الأولى عن عولمة التفاوت والهجمة النيوليبرالية، وتمركز رأس المال والقرية الكونية، والعولمة والإقصاء: تهميش العالم الثالث وازدياد قوة الثالوث، وهي البلدان الغنية المحدودة العدد التي تحصل على ثلثي الاستثمارت في حين تحصل بلدان العالم الأخرى على ثلث الاستثمارات العالمية.

يذكر البنك الدولي أنّ نحو 1200 مليار نسمة من البلدان النامية كانوا في العام 2002 يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، وهو ما يضعهم تحت مستوى الفقر المطلق. دون أن ننسى أنّ 70% من هؤلاء هم من النساء.. فالفقر مصحوب بالعنف بسبب النظام البطريركي. فضلاً عن تدهور البيئة كسبب ونتيجة للفقر، وعولمة الأزمة البيئية. ويتساءل الكاتب: ما الذي كان سيجري لو أنّ البنك الدولي، الذي يحدد مستوى الفقر على نحو اعتباطي بدولار واحد في اليوم في مجموع الدول النامية، قد رفع هذه العتبة بتكييفها مع الكلفة الحقيقية للعيش (هل ينبغي أن نقول في هذه الحالة: للبقاء)؟ مبيناً أنّه لو حدد هذه العتبة بدولارين اثنين، أو ثلاثة دولارات يومياً، لأدركنا حقيقة أنّ معظم سكان العالم يعيشون شحاً وفاقة كبيرين. خاصة وأنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يشكك في معايير البنك الدولي في مجال تقييم الفقر في العالم.

وبالمقارنة مع هذه الفاقة تبين الإحصائيات الرسمية أن زيادة عوائد مديري الشركات مذهلة حقاً. فقد ذكرت مجلة بيزنس ويك في العام 1981 أنّ المديرين العامين العشرة الذين يتلقون أعلى الرواتب في الولايات المتحدة الأمريكية يحصلون على مبلغ يتراوح بين 3.2 و5.7 مليون دولار. وبعد عشرين عاماً قفزت عوائدهم السنوية لتتراوح بين 64 و706 مليون دولار (وفق إيريك ليزيه في لوموند، 9تموز / يوليو 2002)ص31

كل ذلك فضلاً عن عولمة رأس المال: حيث تسيطر الشركات عابرة القومية على 70% من التجارة العالمية، و75% من الاستثمارات الأجنبية مباشرة. وفي هذا المجال لا يمكن تجاهل العامل السياسي، إذ أنّه لا يمكن فهم العولمة بمجرد النظر لازدياد ثقل الشركات عابرة القومية في الاقتصاد العالمي، والتحولات التقنية، فالعامل السياسي جوهري أيضاً. لولا التدخل السياسي الفعّال لحكومتي مارغريت تاتشر، ورونالد ريغان، ثم مجموع الحكومات التي وافقت على اللحاق بهما، لما تمكنت الشركات عابرة القومية من أن تتخطى بمثل هذه السرعة وبمثل تلك الجذرية العوائق التي كانت في الماضي تقف في وجه حريتها في التوسع كما تشاء لاستغلال الموارد الاقتصادية والطبيعية والبشرية حيث يناسبها ذلك.

لقد تمّ هذا التدخل السياسي باسم أربعة أهداف أساسية: أولاً: تحرير (تدفقات رؤوس الأموال على المستوى الدولي، وفتح الأسواق الوطنية أمام المنافسة الدولية)، ثانياً: خصخصة (الشركات والخدمات الحكومية)، ثالثاً: رفع القيود (عن سوق العمل وتفكيك شبكة الضمان الاجتماعي)، رابعاً: التنافس (الذي لا يمكن الحفاظ عليه أو تحسينه إلاّ شرط أن تتحقق الأهداف الثلاثة الأولى أو أن تكون في طريقها إلى ذلك).ص56

ويبين الكاتب تواصل الهجمة النيوليبرالية على الرغم من أزمتها، فقد كان الخطاب الرسمي يهدف إلى إخفاء معركة أخرى ما تزال جارية، فأصحاب رؤوس الأموال يشنون على نحو متكرر هجمات لتخفيض الأجور الصافية (وكذلك ضرائب الأجور التي يدفعها أرباب العمل)، ولجعل وقت العمل أكثر مرونة بهدف تكثيف استخدام وسائل الإنتاج. كما أنّهم يهدفون إلى إنقاص، لا بل تدمير آليات التضامن الجماعي التي بنيت بالتدريج في القرن العشرين بعد نضالات مريرة (نظام التقاعد، التغطية الواسعة للضمان الاجتماعي...)

على الرغم من مقاومة العمّال، أحرزت هجمات أرباب العمل تلك نجاحات هامة. لقد افتعلت الطبقات المهيمنة البطالة الواسعة واستخدامها لفرض تراجعات اجتماعية على جميع الأصعدة.

بفضل ذلك نجح الرأسماليون والهيئات التي تخدمهم في فرض تحسين ربحية رأس المال.

في الحقبة الواقعة بين 1980 و2000 انتقل مروجو العولمة النيوليبرالية من نجاح إلى نجاح، وجرى تجاوز جميع الأزمات: الركود العالمي في مطلع الثمانيات، وانهيار البورصة في العام 1987، وركود العامين 1991-1992. وامتد عصر هيمنة رأس المال بشكل كبير مع تفكك الاتحاد السوفيتي في نهاية عقد الثمانينات.

منذ العام 1994-1995 بدأت الأمور تتدهور بالنسبة لمروجي هذه العولمة النيوليبرالية. ففي أسفل السلم الاجتماعي، في بلدان المركز والمحيط على السواء تواصلت أفعال المقاومة دون توقف واكتسبت اندفاعة غير متوقعة... وتتزايد قوة الحركة على التحشيد وتتقدم القدرة على تعريف بدائل التقدم الاجتماعي في مواجهة استبداد الأسواق (الرأسمالية). في الوقت الذي "تملّك إيمان شبه ديني بالسوق، لا سيما الأسواق المالية، كل الزعماء السياسيين عملياً، سواء أكانوا من اليسار التقليدي أم من اليمين، ومن دول الشمال أم من دول الجنوب، وهم أنفسهم بالأحرى كبار كهنة هذا الدين"... وأضحت "الأسواق المالية هي أرباب هذا الدين الجديد، والبورصات معابده، لم يمكن ممكناً لغير كبار الكهنة ومعاونيهم دخولها... وجمهرة المؤمنين تدعى لمناجاة رب السوق عبر التلفاز والمذياع والصحف اليومية والمصارف. وبفضل المذياع والتلفاز يدعون الملايين من البشر الذين أنكر عليهم حق إشباع حاجاتهم الأساسية للاحتفال برب السوق.."ص69

وعلى الرغم من كل ذلك أخذت تظهر أصوات عقلانية تدعو للبحث عن بدائل التقدم الاجتماعي.. حتى جوزيف ستيغليتز الاقتصادي الكنزي والمستشار الأسبق لكلينتون وكبير اقتصاديي البنك الدولي أخذ ينتقد اعتباراً من العام 2000 بحماس السياسة النيوليبرالية لخزينة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي... والأمر الجديد أن يقوم شخص احتل تلك المناصب، ونال بعد استقالته جائزة نوبل للاقتصاد، بتشخيص مريع للسياسات التي تطبقها منذ عشرين عاماً حكومات البلدان المصنعة الرئيسية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وحكومات البلدان المسماة بالنامية، وبلدان الكتلة السوفيتية سابقاً... ويستنتج المؤلف أنّ البشرية تقف مرة أخرى على مفترق طرق في لحظة حاسمة من التاريخ "التاريخ لا يعيد نفسه بل يتلعثم". مبيناً أنّه في مثل هذه النوعية من الظروف، تعود مسرعة السجالات الكبرى حول خيارات المجتمع. "فلنأمل ألا ينحصر الأمر في هذه المرة في إعادة صياغة الرأسمالية. على البشرية أن تتمكن من تبني نظام آخر، فعالم آخر ممكن".ص60

ونتعرف على تفاصيل الأزمة المالية العالمية، وحقيقة صعود وهبوط وإفلاس وأزمات الشركات العملاقة، مثل شركة إنرون وفضائحها، كنموذج قذر للعولمة الرأسمالية. فقبل إعلان إفلاسها "حصل مدراؤها منها على أكثر من 700 مليون دولار، وقد تسبب الإفلاس في خسارة حملة الأسهم لحوالي 26 مليار دولار، والبنوك لحوالي 31 مليار دولار، وأضحى غالبية مستخدمي الشركة الأم عاطلين عن العمل. كانت لإنرون أشغال في أربعين دولة: محطات طاقة في الهند، وغابات في اسكندنافيا، وأنشطة في الجمهوريات السوفيتية السابقة... وسيطرت على 20% من سوق الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا... وكانت تفتعل الأزمات في توريد الكهرباء لابتزاز المشتركين... كما استخدمت حيلة للتهرب من دفع الضرائب النظامية، حيث عملت، فأنشأت 874 شركة ثابتة في الفراديس الضريبية، 195 منها في جزر الكاريمان، أعلنت الأرباح في تلك الأماكن، مما أدى لعدم دفع ضرائب الدخل لخزينة الولايات المتحدة عن تلك السنوات... مع عدم نسيان علاقة عائلة بوش بإنرون، و"حاميها حراميها".

ويفرد المؤلف فصلاً خاصاً لتزايد المديونية في عصر العولمة، وتلاعب البنك الدولي بالحسابات، من ثم يستعرض تاريخ وآفاق أزمة الديون في مصر والمكسيك، وأمريكا اللاتينية، وأصول أزمة ديون العالم الثالث، وتعليق أربعة عشر دولة أمريكية لاتينية لتسديد ديونها، وموقف الولايات المتحدة الأمريكية والدائنين الأوربيين من ذلك الأمر.

ونتعرف على التحويلات من المحيط إلى المركز، من العمل إلى رأس المال. إذ "سددت البلدان النامية لدائنيها من العام 1980 إلى العام 2002 أقل من 4600 مليار دولار. هكذا وبعد تسديد بلدان المحيط ثمانية أضعاف المبالغ التي اقترضتها، تجد نفسها ما تزال مدينة بأربعة أضعاف ما اقترضته". ص158

يتساءل الكاتب بحماسة وصدق عن سبب استمرار هذا الوضع من غير أن يؤدي إلى قيام زعماء الجنوب برفض الدفع؟ وتأتي الإجابة معبرة وذات دلالة عميقة وجوهرية: "هنا يدخل منطق جديد إلى اللعبة. فالطبقات المسيطرة في المحيط... تستغل المديونية الخارجية لبلدانها. فهي تصدر إلى مصارف المركز قسماً كبيراً من راس المال الذي راكمته في المحيط بوسائل عدة، تتضمن اختلاس القروض الدولية، واستغلال العمال المأجورين، وصغار الكسبة، وسرقة الملكية العامة وعائدات النفط... بعد ذلك يقرض قسم من رأس المال المصدر هذا إلى دول المحيط وشركاته".ص159 وإليكم هذه الأرقام المعبرة:

"بلغ مجموع ما تلقته حكومات البلدان النامية من كافة صنوف المقرضين بين العامين 1998 و2002 ما مقداره 705 مليار دولار.

بلغ مجموع ما دفعته تلك البلدان لكافة أصناف المقرضين في نفس الفترة ما مقداره 922 مليار دولار.

الفارق 217 مليار دولار."!!!

يعرف الكاتب بتاريخ نشأة ونشاط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال ستين عاماً يعدها كافية للاقتناع بدورهما الهدام، كأداة لامتصاص موارد بلدان الجنوب، تسبب بالفقر، والتدخل في الاقتصادات المحلية، ودعم الديكتاتوريات، ويصور انتقال البنك الدولي من أزمة الديون إلى أزمة الشرعية. لنصل معه إلى برامج التكييف الهيكلي التي حددها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . فيمر التكييف في طورين:

الطور الأول: تحقيق الاستقرار الاقتصادي قصير الأجل عبر خمس خطوات (1 ـ خفض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة، 2 ـ التقشف في الميزانية، 3 ـ تحرير الأسعار، 4 ـ رفع أسعار المنتجات النفطية والخدمات الحكومية، 5 ـ إلغاء ربط الأجور بالأسعار).

الطور الثاني: التكييف الهيكلي بحد ذاته، وخطوطه العريضة هي: (1 ـ تحرير التجارة، 2 ـ تحرير النظام المصرفي، استقلالية المصرف المركزي، التخلي عن التحكم بحركة رؤوس الأموال وأسعار الصرف، 3 ـ خصخصة الشركات الحكومية، 4 ـ الإصلاح الضريبي، 5 ـ خصخصة الأراضي.

كما يتدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بسوق العمل، وعمل النقابات، وأنظمة القاعد، وشبكات الضمان الاجتماعي والإدارة... وفرض سياسات التقشف.

ويقدم المؤلف مقاربة للتأثيرات الشاملة لسيلات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والعواقب الاجتماعية لبرامج التكييف الهيكلي، في مجالات التعليم الذي تتدهور مؤسساته، والرعاية الصحية التي ترتفع الدعوات للحد منها بحجة استفادة الأثرياء منها، فضلاً عن العواقب الاجتماعية والسياسية للتكييف، وتقليص دور الدولة وإلغاء المشاريع الوطنية المتمركزة على الذات... لنتعرف بعدئذ على أسباب التخلف والمدى الاستراتيجي للنيوليبرالية، مع استعراض تاريخي للأيديولوجية الليبرالية والنيوليبرالية.

ويتضمن الكتاب فصولاً حول أزمة الديون في مطلع القرن الواحد والعشرين، مبيناً أن أزمة الديون حجر رحى في عنق أفريقيا والبلدان الدائنة، ويدرس حالات محددة ومعبرة، في البرازيل، والأرجنتين، واستخدام القروض للإبادة الجماعية، ولا ينسى حالة النمور الآسيوية، ويتوقف ملياً عند موضوعة الديون الشائنة التي تحملها الأنظمة الديكتاتورية لشعوبها، ومن بينها ديون العراق.

ويفرد المؤلف فصلاً خاصاً حول البدائل يقدم فيه أفكاراً تستحق الدراسة والتمعن للاستفادة منها، علماً بأنّه قد يتبادر إلى الذهن سؤال عند دراستها حول مقدار الشعارات الطوباوية الذي يطبع بعضها. خاصة وأنّ المؤلف يختتم كتابه بفصل تحت عنوان رومانسي جميل "عالم آخر ممكن! دعونا نشيده!

يتضمن الكتاب وثائق وجداول إحصائية تزيده حجة وغنىً، وتجعل منه مصدراً ضرورياً لكل مهتم بشؤون العالم ومستقبله. إنني أنصح كل مهتم باقتناء هذا الكتاب المفيد والغني، وأدعو الجميع للاطلاع عليه والاستفادة منه، وخاصة الأصدقاء دعاة النيوليبرالية من الشيوعيين والماركسيين السابقين. إنّه وثيقة هامة وضرورية لكل مكتبة جادة.

من الصعب الإحاطة بعجالة بالأفكار الغنية التي يتضمنها الكتاب، والتي تحفز ذهن القارئ وتقدم له مادة ضرورية وملحة لفهم حقيقة العالم الذي نعيش فيه، وآفاق تطوره. إنّه كتاب مهم لكل مهتم بحاضره وغده. ومن الضروري توجيه الشكر لمؤلف الكتاب السيد إيريك توسان الذي قدم هذه المادة الغنية والمفيدة والضرورية والملحة، والتي ستثير الكثير من النقاش، الذي ربما لن يتطابق كلياً مع وجهة نظره، إنما أجمل ما يفوز به السيد توسان أن يعلم بأنّه يجمع الملايين من قراء العالم حول مائدته الغنية. والشكر كل الشكر لمترجميه عماد شيحا ورندة بعث، لترجمتهم الموفقة لهذه الدرة النفيسة، التي تقع في 500 صفحة من القطع الكبير، والتي أخرجتها فنياً بامتياز ومقدرة جلية: عائدة سلامة. وأعتقد أنّه من الإنصاف توجيه الشكر إلى دار الرأي التي اكتشفت هذه الثروة النفيسة وقدمتها إلى القارئ باللغة العربية، ولا يسعني هنا إلاّ أن أذكر بامتنان دور القيمين على دور النشر والتوزيع: والذين أعرف منهم الأستاذ جامع بهلول، والأستاذ نور الدين بهلول، والأستاذ أيمن بهلول، فضلاً عن جميع الفنيين والموزعين النشيطين كالسيد علي حمد الذين يعملون كالجنود المجهولين لنشر الفكر الحر والثقافة الوطنية والإنسانية الأصيلة.

العنوان الأصلي للكتاب:

La bourse ou la vie: La finance contre les peoples

تأليف: Eric Toussaint

الناشر دار الرأي ـ دمشق ـ تليفاكس 6129757 http://www.daralrai.com

توزيع: دار الحصاد ـ دمشق ـ تيلفاكس: 2126326 ودار السوسن ـ دمشق ـ تيلفاكس 6665696

الصفصافة ـ أيلول / سبتمبر 2006

الحوار المتمدن