أنا مش كافر ، أنا مجنون
خطيب بدلة
قبل أن أكتب هذه المقالة التي اعتدت أن أخاطب بها زملائي المجانين عبر مضحك " الشهر " المبكي ، توضأت وصليت ركعتين لله ، وتضرعت إليه أن يرد عني كيد الأغبياء من إخواننا العقلاء الذين يعيشون في ظل ( نظرية المؤامرة ) و ( التكفير ) و ( التخوين ) ومحاربة المرتدين ، وطواحين الهواء الدونكيشوتية ، .. ففي دفاتر الأغبياء من العقلاء ( دون الأذكياء ) : أن تحتلنا أمريكا المستبدة أهون ألف مرة من أن يبدي مجنون منا رأيَه في مسألة لا تزيد عن جواز الصلاة لرجل متوضىء أخذ غفوة من النوم دون أن يسد إسته بكعب قدمه ! .. وعلى ما يبدو فقد شككوا ، ذات مرة ، بعقيدة واحد من أهم زملائنا المجانين وأكثرهم إبداعاً ، وأعني الموسيقار الكبير زياد رحباني ، فرد عليهم بالأغنية التي أحببناها نحن المجانين وطالبنا إدارة " العصفورية " بأن تبثها على نحو دائم ، عبر مكبرات الصوت ، ويقول فيها زياد ، نافياً التهمة عن نفسه : ( أنا مش كافر ، بس الجوع كافر ، والذل كافر .. ) ، ثم يقول لمحبوبته ، بلهجة الإقرار بالأمر الواقع ، ما معناه : ( ماذا بيدي أن أفعل إذا اجتمعت فيَّ الأشياء الكافرة كلها ؟! ) .أنا أيضاً ، مش كافر ، ولكنني أرى الكفر بعيني على هيئة محطات تلفزيونية فضائية ناطقة بالعربية تلاحق المشاهد العربي بالسخافات والتفاهات والأكاذيب الساذجة .. وتلاحق المراهق العربي ، ليلاً ونهاراً ، بصور دائمة لشبان مائعين ، وفتيات يرتدين من الثياب ما قل ودل ، وقد زُربوا في مكان واحد وسلطت عليهم عشرات الكاميرات لترينا إياهم ، في بث مباشر ( كما في البث المباشر عن القصف اللاإنساني الذي رافق سقوط كابول وبغداد ! ) ، وهم يأكلون ويشربون وينامون ويستيقظون ويتعانقون ويهرجون ويذهبون إلى المراحيض .. وترينا ، في بثوث مباشرة أخرى ، المحطات ( الجادة ! ) وهي تستضيف العلماء والشيوخ ليحللوا هذه الظاهرة ويدينوها .وقد أعجبني ، أكثر مَن أعجبني ، رجل دين من أذكياء العقلاء استضافته إحدى المحطات ، وتحدث عما يمكن تسميته بـ ( غباء التدين ) أو ( تدين الأغبياء ) .. وضرب مثلاً برجل عربي مسلم التقاه هو شخصياً في إحدى الولايات الأميركية ، وعرض عليه المسألة التالية طالباً منه إبداء رأيه فيها ، فقال :- شيخي ، في رمضان ، وتحديداً في وقت السحور ، قبلت عشيقتي ، فاتضح لي أنها قد تناولت الكثير من الخمر ، وقد تسرب الخمر إلى فمي عبر القبلة ، فهل هذا مما يبطل الصيام ؟!!!!إن رجل الدين الذي أشرت إليه يتمتع بقدر كبير من الدعابة الذكية التي كان الأنبياء وصحابتهم يمتدحونها ، بدليل ما قاله علي كرم الله وجهه ( مَن كانت به دعابة برىء من الكبر ) . فعلق على سؤال العربي المقيم في أمريكا بقوله :- حال هذا الإنسان يشبه حال الرقاصة التي تتوقف في كواليس المسرح قبل أن تبدأ وصلة الرقص الخاصة بها ، وترفع يديها إلى السماء وتدعو الله خاشعة : ( يا رب وفقني في أن أهز خصري بما يرضي الحاضـرين .. آمين !! ) . أو هو كحال الرقاصة التي حجت إلى بيت الله الحرام ، ثم عادت إلى رأس عملها ، وذات مرة ، وبينما هي في أوج تجليات رقصها وتلويها وسلطنتها ، إذ طلع الغرام والهيام في رأس أحد الحشاشين الحاضرين فهتف قائلاً :- الله الله ! متعينا يا حاجّة !أخيراً : أنا وأمثالي مجانين ، وقد نكون مقصرين في العبادات ، .. ولكننا مش كافرين ، ونحب وطننا وشعبنا وندافع عنهما إلى آخر رمق ، .. وأما الذين يسرقون ثروات البلاد ويمارسون الكفر في كل دقيقة فهم يملؤون الجوامع والكنائس ، وإذا تعرض وطننا للخطر ، فسرعان ما ينطبق عليهم قول الشاعر :
وفي الهيجاء ما جَرَّبْتُ نفسي
ولكن في الهزيمة كالغزالِ !!
كـلـنــــا شركاء في الوطـــن