أنا مش كافر ، أنا مجنون

٢٠٠٥-٠١-٣١
أنا مش كافر ، أنا مجنون
خطيب بدلة
قبل أن أكتب هذه المقالة التي اعتدت أن أخاطب بها زملائي المجانين عبر مضحك " الشهر " المبكي ، توضأت وصليت ركعتين لله ، وتضرعت إليه أن يرد عني كيد الأغبياء من إخواننا العقلاء الذين يعيشون في ظل ( نظرية المؤامرة ) و ( التكفير ) و ( التخوين ) ومحاربة المرتدين ، وطواحين الهواء الدونكيشوتية ، .. ففي دفاتر الأغبياء من العقلاء ( دون الأذكياء ) : أن تحتلنا أمريكا المستبدة أهون ألف مرة من أن يبدي مجنون منا رأيَه في مسألة لا تزيد عن جواز الصلاة لرجل متوضىء أخذ غفوة من النوم دون أن يسد إسته بكعب قدمه ! .. وعلى ما يبدو فقد شككوا ، ذات مرة ، بعقيدة واحد من أهم زملائنا المجانين وأكثرهم إبداعاً ، وأعني الموسيقار الكبير زياد رحباني ، فرد عليهم بالأغنية التي أحببناها نحن المجانين وطالبنا إدارة " العصفورية " بأن تبثها على نحو دائم ، عبر مكبرات الصوت ، ويقول فيها زياد ، نافياً التهمة عن نفسه : ( أنا مش كافر ، بس الجوع كافر ، والذل كافر .. ) ، ثم يقول لمحبوبته ، بلهجة الإقرار بالأمر الواقع ، ما معناه : ( ماذا بيدي أن أفعل إذا اجتمعت فيَّ الأشياء الكافرة كلها ؟! ) .أنا أيضاً ، مش كافر ، ولكنني أرى الكفر بعيني على هيئة محطات تلفزيونية فضائية ناطقة بالعربية تلاحق المشاهد العربي بالسخافات والتفاهات والأكاذيب الساذجة .. وتلاحق المراهق العربي ، ليلاً ونهاراً ، بصور دائمة لشبان مائعين ، وفتيات يرتدين من الثياب ما قل ودل ، وقد زُربوا في مكان واحد وسلطت عليهم عشرات الكاميرات لترينا إياهم ، في بث مباشر ( كما في البث المباشر عن القصف اللاإنساني الذي رافق سقوط كابول وبغداد ! ) ، وهم يأكلون ويشربون وينامون ويستيقظون ويتعانقون ويهرجون ويذهبون إلى المراحيض .. وترينا ، في بثوث مباشرة أخرى ، المحطات ( الجادة ! ) وهي تستضيف العلماء والشيوخ ليحللوا هذه الظاهرة ويدينوها .وقد أعجبني ، أكثر مَن أعجبني ، رجل دين من أذكياء العقلاء استضافته إحدى المحطات ، وتحدث عما يمكن تسميته بـ ( غباء التدين ) أو ( تدين الأغبياء ) .. وضرب مثلاً برجل عربي مسلم التقاه هو شخصياً في إحدى الولايات الأميركية ، وعرض عليه المسألة التالية طالباً منه إبداء رأيه فيها ، فقال :- شيخي ، في رمضان ، وتحديداً في وقت السحور ، قبلت عشيقتي ، فاتضح لي أنها قد تناولت الكثير من الخمر ، وقد تسرب الخمر إلى فمي عبر القبلة ، فهل هذا مما يبطل الصيام ؟!!!!إن رجل الدين الذي أشرت إليه يتمتع بقدر كبير من الدعابة الذكية التي كان الأنبياء وصحابتهم يمتدحونها ، بدليل ما قاله علي كرم الله وجهه ( مَن كانت به دعابة برىء من الكبر ) . فعلق على سؤال العربي المقيم في أمريكا بقوله :- حال هذا الإنسان يشبه حال الرقاصة التي تتوقف في كواليس المسرح قبل أن تبدأ وصلة الرقص الخاصة بها ، وترفع يديها إلى السماء وتدعو الله خاشعة : ( يا رب وفقني في أن أهز خصري بما يرضي الحاضـرين .. آمين !! ) . أو هو كحال الرقاصة التي حجت إلى بيت الله الحرام ، ثم عادت إلى رأس عملها ، وذات مرة ، وبينما هي في أوج تجليات رقصها وتلويها وسلطنتها ، إذ طلع الغرام والهيام في رأس أحد الحشاشين الحاضرين فهتف قائلاً :- الله الله ! متعينا يا حاجّة !أخيراً : أنا وأمثالي مجانين ، وقد نكون مقصرين في العبادات ، .. ولكننا مش كافرين ، ونحب وطننا وشعبنا وندافع عنهما إلى آخر رمق ، .. وأما الذين يسرقون ثروات البلاد ويمارسون الكفر في كل دقيقة فهم يملؤون الجوامع والكنائس ، وإذا تعرض وطننا للخطر ، فسرعان ما ينطبق عليهم قول الشاعر :
وفي الهيجاء ما جَرَّبْتُ نفسي
ولكن في الهزيمة كالغزالِ !!
كـلـنــــا شركاء في الوطـــن

لماذا سحب أدونيس توقيعه من عريضة فرج بيرقدار؟: يوسف عبدلكي

٢٠٠٥-٠١-٢٨
لماذا سحب أدونيس توقيعه من عريضة فرج بيرقدار؟: يوسف عبدلكي

لا أريد لهذه الأسطر أن تبدو رداً على مقالة أدونيس («الحياة» 2005/1/13)، أولاً لأنني لم أشأ يوماً أن أدخل في حلقة الأخذ والرد الشائعة بين المثقفين العرب كتابة وشفاهة، ولسوء الحظ شفاهة أكثر بكثير منها كتابة، بسبب ما تتطلبه هذه الأخيرة من درجة ما من المسؤولية يتنصل منها بالطبع كل كلام مرسل. والسبب الثاني هو تقديري للرجل.
فأدونيس يكاد لا يضارعه شاعر عربي معاصر في تأثيره في حركة الشعر في بلادنا، هذا التأثير مرده الى ناحيتين: كتابته الشعرية، وتنظيره للأدب. ومن علامات هذا التأثير كثرة مريديه... وكثرة مخاصميه. والحقيقة ان كثرة مخاصميه نفسها تحسب له، إذ انها من علامات حضوره الكبير في خريطة الشعر العربي في العقود الأخيرة.
الوجه الآخر لأدونيس هو وجهه التنويري، فمن كتبه الكثيرة الى مقالاته الأكثر يلمس المتابع المكانة الرفيعة التي يوليها هذا الرجل لمسألة الحرية. حرية المجتمع، حرية السياسة، حرية الثقافة، حرية الفكر، حرية القول... الخ. ولا تضارع هذه المكانة لديه إلا المكانة التي تحتلها مسألة تحديث مجتمعاتنا في عقله ووجدانه. ويمكن الرجوع الى عشرات النصوص التي كتبها على مدى أربعين عاماً حول هذه المحاور، فمن نقده للفكر الغيبي، الى نقده للديكتاتوريات العربية، الى نقده لنظام الملالي في إيران، الى نقده للنظام الطالباني، الى موقفه الرائع من مسألة الحجاب في فرنسا أخيراً، كل ذلك يضعه من دون لبس في صف التنويريين العرب المعاصرين أمثال: حامد أبو زيد ومحمد وعابد الجابري وصادق العظم وجورج طرابيشي ومحمد أركون وهشام شرابي وعلي عبدالرازق وعبدالله العروي... الخ. والذين يخوضون معارك فكرية قاسية نيابة عن أنفسهم، وعن المثقفين المترددين، بل أكاد أقول نيابة عن القسم الأعظم من أبناء مجتمعاتنا الغارقة في أحوال التخلف والاستلاب.
من هنا، من تصوري لهذه المكانة الرفيعة، فوجئت بأن يرد أدونيس على رسالة على الانترنت وجهت من جهة مجهولة أو تكاد الى الاكاديمية الملكية السويدية التي تمنح جوائز نوبل. فلا شك في أن الأكاديمية الملكية تصلها آلاف الرسائل لمئات الأسباب، ولا أخال ان هذه الرسائل تدخل في حساباتها السنوية، وإلا لفقدت الأكاديمية السويدية الكثير من رصانتها وصدقيتها.
معروف ان في سورية هيئتين لحقوق الإنسان، تنشطان في شكل شبه علني، وان كان غير مرخص حتى الآن، وتصدران البيانات من دمشق، وناشطوهما وكوادرهما معروفة، أما الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فليست معروفة، وهي في الأغلب مكونة من أشخاص عدة، وربما شخص واحد! كما ان الأخطاء الفادحة واللغة المتوترة الواردة في نص الرسالة تظهر بوضوح مدى خفة المسألة برمتها، والتي لم تكن لتستحق من أدونيس إلا الإهمال.
المسألة التي تعنيني شخصياً هي مسألة الشاعر فرج بيرقدار. وشبهة إلصاق صفة «شاعر» به أثناء اعتقاله، بينما لا يعدو كونه معتقلاً سياسياً فحسب.
والحكاية يمكن سردها على هذا النحو: سُجن الشاعر فرج بيرقدار مدة تزيد على أربعة عشر عاماً، وتعرض لأهوال لا عد لها وبخاصة في سجن تدمر، مثله مثل آلاف المعتقلين السياسيين في حقبة الثمانينات من القرن المنصرم، والذين لم يتح لعدد غير معروف منهم الخروج من ذلك السجن أبداً.
بسبب المعلومات التي تسربت الى خارج السجن عام 1998 عن تدهور صحته عملنا الكثير، نحن الأصدقاء المثقفين والسياسيين ووقعنا عريضة تطالب بإطلاق سراحه. اتصلت بأدونيس - من ضمن من اتصلت بهم - فقال لي: أنا لا أعرف هذا الشاعر. فقلت له انه شاعر معروف في سورية ينشر منذ السبعينات وطبع ديوانين وقصيدة طويلة في بيروت، ومن المرجح انك لم تسمع باسمه لأن دواوينه تم توزيعها في شكل سيئ، وعلى أي حال فنحن لسنا بصدد تقويم شاعريته بل الدفاع عن حريته. وقّع أدونيس العريضة بحماسة، ولكن في اليوم التالي اتصل بي وأثار معي مسألتين، واحدة سياسية وأخرى أمنية حول العريضة. تحاورنا في المسألتين، وفي النهاية قال لي: أريد سحب توقيعي لأحتفظ به لمناسبة كبيرة مقبلة. قلت: لك ما تريد.
وقد أبدى أدونيس صدقاً جلياً في حديثه حيث وقّع بعد فترة بيان الـ100، وهو بيان أقوى بكل المقاييس من بيان المطالبة بإطلاق سراح الشاعر فرج بيرقدار، حيث يتناول أحدهما موضوع شاعر واحد، بينما يصادم الثاني الوضع السياسي العام في سورية، ويرسم خطاً ديموقراطياً حاسماً لخروج سورية من مأزقها التاريخي المعاصر.
وجدت بعد فترة ان من واجبي أن أوصل الى أدونيس ديوان فرج بيرقدار الذي كتبه في السجن، والذي تسربت مخطوطته الى بيروت حيث طبع بعنوان: «حمامة مطلقة الجناحين»، وقد قام بترجمته الى الفرنسية ترجمة باهرة الشاعر عبداللطيف اللعبي وصدر عن دار ALDANTE عام 1998 بعنوان مقترح من المترجم: NI VIVANT, NI MORT (ليس حياً، ليس ميتاً) وقد أرسلته باليد مع أحد الأصدقاء رغبة مني بتعريف أدونيس بشعر بيرقدار.
بعد خروج الشاعر بيرقدار من السجن عام 2000، أصدر ديواناً خامساً بعنوان «تقاسيم آسيوية» عن دار «حوران» في دمشق وذلك عام 2001، ولم أحاول إيصاله الى أدونيس، لاعتقادي بأن الشاعر وقد أصبح حراً، له وحده أن يتصرف بإهداء دواوينه لمن يشاء. وليس في الأمر تزوير من أي نوع.
(باريس 2005/1/20)
"الحياة"

Help

٢٠٠٥-٠١-٢٦

وطن بين الواقع والحلم أو الأمل: كنان جسومه

وطن بين الواقع والحلم أو الأمل: كنان جسومه
كان حلماً، أملاً، و لا زال، على مدى أكثر من نصف قرن، أن يكون الوطن:
- وطن حدوده واضحة، غير مهم أن يكون كبيراً مثل كندا، أو صغيراً مثل لكسمبورغ.-
وطن أهدافه محددة، غير مهم إذا كانت ضئيلة أو عظيمة، المهم أن تكون قابلة للتنفيذ ببرامج زمنية وبتمويل معروف المصادر والكميات.- وطن يوفر ويحمي الفرص المتكافئة لكل مواطنيه في الحياة الإنسانية الكريمة والعمل، وغير مهم ماذا يحمل المكلف بتوفير وحماية تلك الفرص من اسم (مجموعة الأفراد المتواجدون على رأس سلطات الدولة)، سواء كان محمد أو علي أو جورج أو شيركو أو إيواس أو وارتكس أو إيهودا.
- وطن يسير وفق ضوابط مشرعنة، ملزمة للجميع دون استثناء، لعلاقة الفرد مع الفرد أو مع المجموع، ولعلاقتهم مع الدولة، وكذلك علاقة سلطات الدولة مع الأفراد أو الجماعات، وأن يكون المسموح مسموح به للجميع، والممنوع ممنوع على الجميع.
- وطن لا يهم ما يكون عليه شكل الحكم من تنوعات معروفة، المهم أن يكون المثال المتبّع واضح الصورة والآفاق، ولا يبتعد عن مثال الدولة الحديثة.
- وطن لا يهم أن يكون المسؤول فيه من قمم المعرفة والخبرة في مجاله، المهم أن لا يتردد في الأخذ برأي من هم كذلك.
- وطن متاح للجميع فيه معرفة آلية تعيين المسؤولين من جميع المراتب، ومن هم الذين لهم القول الفصل في ذلك؟ وما هي البرامج أو المشاريع المطلوب منهم تنفيذها، قبل التعيين؟ والمهم أن يتم اختيارهم على أساسها، ومن ثم محاسبتهم على مدى التزامهم بحسن تنفيذها.
- وطن من المهم أن يكون لكل من ينتمي إليه، وغير "مجير" لشخص أو فئة أو مجموعة من الناس لينهبوا موارده، ويكون الولاء والانتماء إليه، وليس الولاء لأشخاص يزعمون ملكيته وينتمون لمصالح جيوبهم.
- وطن متاح للجميع فيه معرفة كل مصادر ومقادير المال العام الخارجية والداخلية، وكيفية توزيع وإنفاق هذا الدخل؟ وما هو مردوده على ما أنفق عليه؟ وغير مهم إذا كان هذا الدخل كثيرا أو قليلا.- وطن لا يوجد فيه من يعيش تحت خط الفقر، ولا يسمح بظهور أحد من أغنياء الهبش.
- وطن من المهم أن يكون من ينتمي إليه مواطناً، لا فردا من القطيع، أو الجنود، أو اليتامى.
- وطن يمكن أن يتعايش فيه المؤمن بعقيدة ما - وضعية أو سماوية – مع غير المؤمن بهما، ولا يسمح لأي فرد أو جماعة فيه احتكار الحقيقة أو الصواب، أو التكلم باسم المجموع، ولا وجود فيه لسلاح الاتهام بالكفر؛ أما الاتهام بالخيانة أو المؤامرة فيكون بناءاً على نص دستوري يوصفهما بشكل لا يقبل التأويل أو الالتباس أو التعميم.
- وطن يستفيد من تجاربه السابقة ولا يخفيها أو يجمّلها أو يخجل منها.هل هذا الحلم أو الأمل مجرد وهم غير قابل للتحقيق، أم يبدأ بخطوة على الطريق؟!.
هل السؤال كيف ولماذا ندور بحلقة مفرغة حيناً، نرجع إلى الوراء ونبتعد عن آمالنا وأحلامنا أحياناً أخرى؟؛ هل سبب ذلك مفرزة الأمن المقيمة في عقولنا!!!، أم عقود الخوف وما نجم عنه من رهاب معطل لدينامية المجتمع!!!. أم...أم الآمال والأحلام التي من هذا النوع والأسئلة المنبثقة عنهما مقدسات أو خطوط حمر!؟؛ إذا كانت غير ذلك، فليدلِ كل من له اهتمام بها بدلوه.
دمشق في 25/1/2005

"الرأي خاص"

أدونيس.. حجاب على جبلة أم حجاب على القلب؟: منهل السراج

٢٠٠٥-٠١-٢٤
أدونيس.. حجاب على جبلة أم حجاب على القلب؟: منهل السراج

يقول أدونيس في زاويته ( مدارات ) المنشورة في جريدة الحياة 13/1/2005، إنه كان مبعداً عن سورية عشرين سنة كاملة( 1956- 1976 ). ماأعرفه أن سورية في تلك الفترة كانت أجمل مما بعد ذلك، أي بعد أن سُمِح له بالعودة.
ويقول أدونيس بعد هجائه لصحراء البيوت البلاستيكية التي غزت أحشاء الأرض والطبيعة على طول الشاطئ الممتد بين طرطوس وبانياس، كأن في ذلك "ما ينذر بأن البشر أنفسهم يكادون أن يتفتتوا إلى قطع من البلاستيك الاجتماعي متناثر في الفراغ".
أما أنا فبودي أن أقول:
بعد ذلك التاريخ الذي كان فيه أدونيس مبعداً، ذات شباط قارس لم يكن بإمكاننا إلا أن نشهق حين رؤية معدة ملتصقة على جدار، وقلب مرمي تحت بقايا جسر مهدم، وذراع فتاة ما متشبثة بذراع أبيها ولانعرف أين صارت أشلاء جسدها وأشلاء جسد أبيها.. كانت النواعير تدور بهستيريا، ونهر العاصي يجري أزرق أحمر مجنوناً، والناس تتراكض مذعورة..
أين كنت أيها الشاعر حين رمتْ أمٌّ طفلها في النهر تحت القناطر بدل بقجته التي أعاقت حركتها وأخرتها عن جموع الراكضين باتجاه مصير غامض؟!
أين كنتَ حين جُمِع الآلاف ولا أحد يعرف أين صاروا. والآن ربما قبل أبناؤهم بموتهم، ولكن أين ثبوتياتهم كي يجد الأبناء ما ينتمون إليه غير أصل غائم مجهول وحاضر فقير ويائس..؟!
أفهم أحياناً أننا نبكي سقوط الشجرة أمام النافذة أكثر من موت جارتنا العجوز.. وأنت تتحدث عن قصابين وكورنيش جبلة، وتنقهر لقسمه الجنوبي المحجَّب. الحجاب، كما تقول، يجعلك تتخيل الجمال المختبئ خلفه، وأنت تريده مرئياً ملموساً!!
أسأل نفسي أحياناً ما الفرق بين الواقعي وبين مانتخيل؟
لا أدري.. ولكن بودي لو تسمع هذه القصة القصيرة جداً.
بعد أحداث حماة 1982، توقف أحد الرحالة الأجانب أمام الضفة المهدمة من نهر العاصي، وراح يبكي بحرقة.. ضحك شخص كان قبل ذلك يبكي بيته الذي هُدم هناك، وأبناءه الذين فقدوا، وزوجته التي قُطعت ذراعها لأنها تأخرت بنزع أساورها لأحد مقتحمي بيتها. ضحك على احمرار وجه الأجنبي وسأله: لم تبكي؟ فأجاب: كانت ضفة جميلة جداً... سأله الرجل: ما دخلك أنت وماذا يعنيك؟ فصرخ الأجنبي: ماذا يعنيك أنت؟
علي أحمد سعيد.. ألم تعنِكَ كل تلك السوريالية الرهيبة، كل ذلك وهذا الخراب؟! أم انك ترى ما رآه كثير من السياسيين الذين قالوا ومازالوا يقولون: كان لابد من هذا..
قل إن حنجرتك في ذلك الشباط غصت وأصابعك ارتعشت.. قل إنك لم تقبل ولكن لم يعرض عليك أحد قائمة لتثبت رفضك. قُلْ وقلْ .. سيقبل الكثيرون ما تقول، ماداموا قبلوا بواقع رهيب صارت وجبتهم اليومية فيه مقبِّلات واقع ..
قلت إنك تكره قسم الكورنيش الجنوبي المحجَّب، وإن ما رأيته على الشاطئ الممتد بين طرطوس وبانياس لا يضرب البصر وحده وإنما يضرب كذلك البصيرة، وأرى أنك أهلتَ مثلهم الحُجُب حتى على قلبك؟!
صرنا نكتفي بخط من قلمك الأزرق الناشف، ليعبر عن رأيك بأن عارف دليلة مظلوم ومريض، لكنك تقول لم يخبروك!!
ألم تتساءل ماذا حل بالرجل في زنزانته، ألم تتخيله كي تهجم اللغة كما تهجم عادة عند الشعراء؟
أإلى هذا الحد أنت منعزل وغير مكترث بمتابعة آلام الناس حتى لو كانوا بوزن وأهمية وجرأة عارف دليلة؟! كيف استطعت أن تبقى سنوات صامتاً على اعتقاله وضربه ومرضه؟!
عارف دليلة مثل الأنبياء في زنزانته، صابر وينتظر، وفي الخارج كتاب بأسماء لامعة ينتظرون من آخرين أن يدقوا عليهم الأبواب أو الهواتف ليتسولوا توقيعهم من أجله ومن أجل المئات غيره..
ثم من هم أصدقاء الشاعر فرج بيرقدار الذين، حين قلتَ لهم إنك لا تعرف شاعراً بهذا الاسم لتوقع على عريضة تطالب بإطلاق سراحه، أجابوك "استخدمنا هذه الصفة لكي نحقق أكبر قدر ممكن من مساندة الكتاب والشعراء في الغرب"؟! إذا لم يردوا على مغالطتك فسوف أصدِّق أنك كنت أميناً في نقل ما حدث، وسأعرف أنهم هم أيضاً لم يقرؤوا قصائده منذ السبعينيات، أي قبل إمكانية الخلط بين شعره ونضاله. ولكن هل صحيح أن كل شاعر لا يعرفه أدونيس هو بالضرورة ليس شاعراً!!
حسناً.. لقد انتهى سجن الشاعر الآن ولكن كلماته التي سمعت أو قرئت مترجمة، أبكت الكثيرين من أمثال ذلك الرحالة الذي أجهش وبكى آسفاً على ظلم الجمال وقتله..
ليتك أطلت في الحديث عن ميلاد أمك المئة وألححت عليها أكثر كي تحدثنا عن أسرارها، ليتك سألتها إن كنت قد حزت رضاها ثم أخبرتنا، لكنك اختزلت الحديث عنها ورحت تحكي عن بيوت بلاستيكية ونظافة ومالاأعرف ما يعنيك .... يعني إذا أصغوا إليك ونزعوا البيوت البلاستيكية وكنسوا الأراضي فهل سترضى؟ ومتى يعنيك ما في قلوب أهل هذه البلاد من الخوف واليأس والانتظار..؟
18 / 1 /2005
"الرأي / خاص"

أمنيات صغيرة على عتبات الـ 2005: أُبيّ حسن

أمنيات صغيرة على عتبات الـ 2005: أُبيّ حسن

منذ أن هددني مسؤول أمني كبير في دمشق بتاريخ 3/8 /2004بقطع أصابع يديّ إن عدت وكتبت ( ما لا يرضيه طبعاً) لم أتطرق إلى الشأن السوري كثيراً , فالشهادة لله , وبمعزل عن أني خفت , بفضله علمت يومذاك ما لم أكن أعرفه عن نفسي , فأنا من وجهة نظره وبالحرف ( حاقد , موتور , ليس لدي ذرة من الوطنية ) وأخيراً أعلمني بأني (كلب) وهذا أيضاً ما كنت أجهله عن نفسي مع معذرتي من القارئ الكريم؟ وفي الختام أعاد تذكيري بقطع أصابعي وهو يكزّ على أسنانه مشيراً بيديه "الكريمتين" و "الحنونتين" إلى كيفية عملية القص (بتر الأصابع) .
لن أذكر الآن تفاصيل الحوار الذي جرى بيني وبين ذلك "المسؤول" , كما أني لن أدخل في سجال بيزنطي مع أهل بيزنطة, لكن , وبصدق , على أثر ذلك اللقاء الأمني الذي كثيراً ما ذكّرني بصدام حسين( أخشى أن نصل إلى يوم نترحم فيه على المذكور),ً راح يطفو على سطح الذاكرة مشاهد بعض من رأيت من العراقيين المجدوعين من أنوفهم أو آذانهم في دمشق , كما مرّ في ذاكرتي ,بحكم توفر عنصر الإرهاب في الموقف , منظر يدين صارتا (بفضل جلاوزة صدام ) عديمتي الفائدة لصديق عراقي تعرفت إليه في إحدى صحف المعارضة العراقية ( سابقاً) في دمشق . هذه الصور مجتمعة دفعتني منذ ذلك اليوم إلى أن أسقط من قائمة اهتمامي ما يسمّى بالإصلاح في سوريا, بما في ذلك العمل على إسقاط قانون الطوارئ بالوسائل السلمية والمطالبة مع المطالبين بإصدار قانون عصري للأحزاب ( يكون خيره فيه ) والصراخ ملء الفم في وجه من يحتكرون معظم الاستثمارات والخيرات في بلادي من قبل بعض أبناء و"حواريي" الحرس القديم والجديد (إن شئتم) وهلم جرا, ولم أعد أحلم بتداول السلطة في وطني وما يتطلبه ذلك التداول من العمل على توفير جو معقول من الديموقراطية واتساع في هامش النقد والحرية... وأشياء أخرى كثيرة ملحة ومشروعة, وليس ذلك "الإهمال والتقصير" من قبلي بسبب من "انعدام وطنيتي " حسب تعبير المسؤول الأمني ,أو ولكي أكون أكثر دقة, المسؤول الأُمي, بل, ببساطة, لأني مازلت بحاجة إلى يدين معافتين ألمس بهما وجه أمي وشفتين أقبل بهما يد والدي وثغر حبيبتي , كما أني ما زلت بحاجة إلى كف تزينه أصابع طبيعية تليق بمصافحة صديق احترمه ! أما ما تبقى من أسباب الحياة والتعلق بها فليس مهماً إذ ثمة من يحيا بالنيابة عنا ويتمتع بخيرات الوطن أيضاً بالنيابة عنا !
لا أدري إن كان ما ذكرته آنفاً مقنعاً كي أصبح ميالاً للابتعاد عن كل ما يطعن في " وطنيتي" , وبرغم اعتكافي ـ معظم الأوقات ـ في غرفتي الكائنة في دمشق وابتعادي عن الحياة العامة, ما يزال "الشباب" في الأجهزة الأمنية يسألون عني في القرية الأسئلة المكرورة ذاتها ( من هم عماتي وخالاتي وأعمامي وما تبقى من أغصان شجرة العائلة صعوداً ونزولاً , وربما بسبب من حرصهم الزائد لا يفوتهم أن يسألوا عن طبيعة عمل كل فرد يطرحون اسمه) علماً أنهم يعرفون عني كل ما يريدونه من خلال بعض الزيارات إليهم والتي بـ " فضلها" تكوّنت علاقات شبه ودية مع بعضهم وأعترف بأني أرفع القبعة احتراماً لبعض من عرفت من ضباط الأمن وهم قلة بطبيعة الحال !
هل أدرك ,الآن , العاتبون من الأصدقاء لماذا لم أكتب منذ فترة لا بأس بها؟ وهل تراهم يرون هذا السبب كافياً كي أشعر كم باتت سوريا ثقيلة وإن المطلوب مني ومن غيري أن لا نعمل على مواجهة الحطام والوباء الذي أورثنا إياه العبثيون ؟ لكن مع ذلك ثمة أمنيات صغيرة أحلم بتحقيقها هذا العام , وما جرأتي على تمنيها إلا اعتقادي أن وضاعتها و السعي لنيلها لا يشكك في وطنيتي ولا يتعقب عليها " قص أصابعي" حسب ظني , وإليكم بعضها : أحلم أن أعود إلى غرفتي بعد مسير ساعة في يوم ماطر في شوارع دمشق من غير أن أضطر إلى تغيير ملابسي ( على الأقل بنطالي) التي غالباً ما يفضح اتساخها جانباً من فساد البنية التحتية التي نتباها بها ( تصوروا حتى الآن لا نعرف كيف نعبد الشوارع بطريقة تمنع تجمع المياه كلما جادت السماء !؟ ).
بودي أن أسمع خبراً ( طبعاً ليس من الإعلام السوري) بأن السلطات الأمنية نشطت فاعتقلت جاسوساً أو مخرباً أو عميلاً إسرائيليا في سوريا بدلاً من سماعي اعتقالها أحد المواطنين السوريين بسبب من إبدائه لرأي سياسي لا يروق للأصدقاء البعثيين أدام الله ظلهم .
بالتأكيد لم أعد مخبولاً فأحلم بإصلاح الإعلام السوري , الذي أمراضه من أمراض السلطة التي يمثلها, حتى ولو كان الإصلاح فيه لا يتعدى النجاح في تقديم نشرة أخبار تجعل الشخص منا لا يشعر بالندم لأنه أهدر وقته وشاهدها قدر ما أتمنى أن تصل الصحف اللبنانية إلى المحافظات السورية ( باستثناء دمشق ) في اليوم ذاته ولو لمرة واحدة في السنة بدلاً من أن تصل ثاني أو ثالث يوم كالعادة .
أتمنى أن تولي وزارة التعليم العالي اهتمامها بالكتاب الجامعي فقط ( لا الجامعة كلها فهذا مطلب صعب!!) فيستلم الطلاب كتبهم في بدايات العام الدراسي لا قبل الامتحان بشهر أو أقل من شهر؛ بالمناسبة تفرض الأمانة أن أذكر هنا أن أساتذة التعليم الجامعي المفتوح بمن فيهم رئيس المركز يستبسلون في عطائهم علماً أنهم لم يتقاضوا أجراً منذ بداية العام الدراسي حتى اللحظة بما فيها أجرة تأليفهم الكتب, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تهتم الحكومة لدينا بالكتاب الجامعي (أكرر لا الجامعة كلها) وتحسين وضعه كاهتمامها المحموم بالجوامع؟
وباعتبار أن إمكانية التغيير في القيادات "التاريخية" لاتحادات مثل اتحاد الكتاب أو اتحاد الصحفيين حلماً صعب المنال أكتفي بأن أعلن عن رغبتي بإنصاف الصحفيين المشاركين في سوريا وأن يخفف اتحاد الكتاب من طباعة الكتب الرديئة.
أرغب أن أشهد هذا العام الانتهاء من بناء الجسر"الأسطوري" المقام على نهر حصين البحر والذي يختصر المسافات بين مناطق عدة بنسبة 20/100بالمناسبة أصبح لهم في بنائه أكثر من خمس سنوات علماً أن طوله لا يتجاوز 15 متر، و حتى الآن لا نعلم إن كان سيدخل في منافسة مع مجمع في ساحة المرجة الذي أصبح له قرابة الثلاثين عاما و الذي بدوره لا أحد يعرف إن كان سيكتمل بناؤه أم لا ؟ فضلاً عن أننا لا نعرف ما هو بالضبط هذا المنجز العظيم !!
أحلم أن تخف نسبة الفساد والهدر في مؤسسة مياه طرطوس وقد كنت شاهداً في ما مضى على جزء من فساد بنيتها التحتية ( مجدداً التي نحسد أنفسنا عليها) , بالمناسبة فضائح هذه المؤسسة لا تزال مستمرة (يمكننا القول أن فسادها الإداري ,على الأقل, يختزل حكاية فساد السلطة) .
بودي أن تنصف شركة الإنشاء والتعمير"الحكومية" عمالها ولو لمرة واحدة في العام فتعطيهم معاشاتهم مطلع كل شهر بدلاً من أن تعطيهم إياها كل ثلاثة أو أربعة أشهر مرة واحدة , وللتذكير فقط أن هذه الشركة من أكثر الشركات الإنتاجية ربحاً وقد انعكس ذلك الربح جنة ونعيماً على بعض القائمين عليها ابتداء بالقصور وليس انتهاء بالأملاك والأموال , طبعاً بعد أن عززوا مواقعهم من خلال علاقات (...) مع بعض صناع القرار في وطني ( هؤلاء الأشخاص وأمثالهم هم من ساهم في خسارة القطاع العام وهم من يتباكى عليه اليوم و هم كذلك من يغني في المناسبات البعثية " أنا سوري يانيالي " وفعلاً معهم الحق في أن يغنوا هذه الأغنية فلماذا ضيقة العين يا حكم البابا؟).
في ما أنا أكتب هذه المادة اتصل بي المواطن" صفوان محمد حسن" وهو شاب سوري معاق إعاقة تمنعه من العمل المضني أفادني أن أمر توظيفه كمستخدم أتى من قبل ما يسمونه في سوريا مكتب التشغيل التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, ومع أن توظيفه وتأمين حياته واجب على الدولة بموجب المادة 46 من القانون التي تنص:( تكفل الدولة كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم ... ) , ناهيك عن الجانب الإنساني , برغم ذلك لم تقبل أية جهة رسمية في محافظة طرطوس أن توظفه حتى كمستخدم يصنع القهوة والشاي ( هذا ما يقدر عليه) تحت ذرائع غالباً ما تسعفهم قرائحهم في إيجادها مع العلم أن ثمة قانوناً آخر في سوريا يلزم مؤسسات الدولة بترك شواغر لديها بنسبة تتراوح بين 2/100 و 4/100 لتوظيف العجزة والمعاقين , لكن هذه الشواغر عادة ما تذهب(...) !
أخيراً إليكم هذه الحكاية وهي ذات دلالة :
سبق أن تولى شؤون محافظة طرطوس ضابط بعثي " استبسل " إبان الحرب في لبنان أواسط سبعينيات القرن الماضي إذ كان يهرب حتى الحشيشة ( يتداول الناس فضائحه حتى الآن ) فأثرى ثراءً فاحشاً فأرادوا أن يعاقبوه فعينوه محافظاً على طرطوس , ولأن العسكري الذي أصبح سياسياً لم يجد طوال وجوده على رأس عمله ( بقي محافظاً في طرطوس حوالي العشرين عاماً) ما يخدم به المحافظة وأبناءها , هداه " وعيه" الفطري إلى التعبير عن ذاته فشبّه المجاهد صالح العلي برجل "العصابات" معتبراً ثورته التي قام بها ضد فرنسا 1918" عصابة تشليح وقطاع طرق" هذا وهو مسؤول , سنتذاك دبت الحمية في نفوس بعض الغيورين على جهاد صالح العلي وتراثه الوطني النقي ومنهم ضابط سابق في الجيش السوري , فخفف عقله وهجا المحافظ لذمه وقدحه أول المجاهدين في سوريا , فكان أن دخل الضابط السجن لهجائه "المحافظ" الذي رُقي وأصبح في ما بعد مسؤولاً عن إحدى المحافظات السورية الكبيرة والهامة لكن بما أن رائحة فساده طبقت الآفاق وكان الحديث سنتذاك يدور حول "محاربة" الفساد استغنوا عن خدماته شاكرين له"حسن" صنيعه. وكي أختم أمنياتي لهذا العام أضيف أمنية أخيرة ألا وهي : أتمنى أن أسمع أن ثمة مسؤولاً شعر بواجب الاعتذار من شيخ الجهاد في سوريا لا لشيء فقط كي لا نعتب على الشيخ صالح العلي وبالتالي الزعيم الوطني إبراهيم هنانو والأمير سلطان باشا الأطرش و الدنادشة في تلكلخ وغيرهم ممن حارب فرنسا وأراق دمه في سبيل سوريا واستقلالها.
بالمناسبة سأنام الليلة , وكل ليلة , قرير العين هانيها و لن أخشى في محبتي لوطني لا صدام حسين ولا الزرقاوي و لابن لادن ولا أبناء عمومتهم وخالاتهم وعماتهم في سوريا , فسوريا ليست هؤلاء فحسب , بل ثمة أناس طيبون وصالحون ويعملون بشرف وصمت و يعيشون في الظل وفي قلبي كذلك ويستحقون كل خير .
ملاحظة : رغم أن الوطنية لا تحتكر لسنا نحن من يحتاج إلى شهادة حسن سلوك في سلامة وطنيته بل أولئك الذين أوصلونا إلى هذه الدرجة من العدم والخواء من يحتاجون إلى أن يثبتوا لنا وطنيتهم ودمتم .
انتهى
"الرأي / خاص"

زراعة الياسمين في سورية: مشمولة أيضا برعاية قانون الطوارئ والأحكام العرفية

٢٠٠٥-٠١-٢٢
زراعة الياسمين في سورية: مشمولة أيضا برعاية قانون الطوارئ والأحكام العرفية

فريد حداد
نشرت صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 20-1-2005 في موقعها على شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) خبراً من دمشق لمراسلها السيد ابراهيم حميدي تحت عنوان ( حملة أهلية لاسترجاع الياسمين الى دمشق .. من " وحش الأسمنت") يقول فيها :
1
(كي يقوم رئيس «مجموعة ماس الاقتصادية» فراس طلاس بـ«التحرك للتعبير عن حبنا الحقيقي للشام» عبر.
بعد موافقة محافظ دمشق محمد بشار مفتي وشعبة الامن السياسي اعلن رئيس «مجموعة ماس الاقتصادية» فراس طلاس في مؤتمر صحافي عن تخصيص عشرين ألف دولار اميركي لمشروعه الياسميني حاضّاً الحاضرين من شخصيات شامية وممثلين لجمعيات مدنية - اهلية، كي يكونوا «جنوداً للشام» يزرعون الياسمين الذي تقول الاسطورة ان لونه وشكله يمثلان رفضه ان ينحني... مثل الشام» الرافضة للضغوط، )
ناهيك عما جاء في الخبر عن مساعي روؤس المافيات الأقتصادية المنبثقة عن الأستبداد والفساد السياسي , لتلميع صورهم المقيتة في نظر الشعب السوري , وتقززه من سماع اسمائها . الا ان المضحك المبكي في الخبر المذكور هو الإشارة الى حصول أهل حملة زراعة الياسمين على موافقة شعبة الأمن السياسي , وكأن ضرورة وشرعية وجود تلك الموافقة أصبحت من المسلمات في حياة شعبنا .
فاذا سلّمنا بضرورة الحصول على موافقة محافظ المدينة للحيلولة دون قيام المواطنين بـ:" زراعة الياسمين في منتصف الشوارع واعاقة حركة المرور" , فما هو مبرر الحصول على موافقة الأمن السياسي ؟ .
1 – هل هناك انواع من الياسمين تسيء الى "الوحدة الوطنية وتناهض أهداف الثورة" مما يقتضي تحليلها في مختبرات الأمن السياسي قبل غرسها في الأرض؟.
2 – هل هناك انواع من الياسمين تحمل في أغصانها أجهزة تنصت للعدو الصهيوني كتلك الأجهزة التي تُكتشف على خطوط الهواتف العسكرية بين الفينة والأخرى. لذا توجب التدقيق بها من قِبل الأمن السياسي قبل غرسها في تربة الوطن؟.
3 – هل تعلمت أجهزتنا الأمنية من تجارب أوروبا الشرقية درساً مفاده, أن الورود والزهور أصبحت رموزاً للمعارضة, وأداة من ادواتها في اسقاط الاستبداد , لذا وجبت الحيطة والحذر لئلا تكون النهاية على يد الياسمين الدمشقي؟.
4 – هل زراعة الياسمين هو أحد المجالات الضيقة التي مازالت الأحكام العرفية وقانون الطوارئ مطّبقة فيه, كما اتحفنا واعلمنا جهابذة التنظير السلطوي, عندما انكروا استمرار سريان مفعول قانون الطوارئ الا بحدود ضيقة والتي تمس امن الوطن. لذا استوجب تدخل الأمن السياسي في حملة زراعة الياسمين؟.
ولكن لنأخذ نصف الكأس المليء كي لا نُتهم بالتعصب والاستفزازية, ونعتبر ان الأجهزة الأمنية في سورية قد تحولت من زرع الرعب والفساد في طول البلاد وعرضها , الى زراعة الياسمين , فلماذا اذاً لم يُفرج عن عارف دليلة وحبيب عيسى وعبد العزيز الخير وغيرهم المئات من الأكراد والاسلاميين والطلاب والنشطاء, طالما ان محكمة امن الدولة العليا بدمشق لم تدنهم بمناهضة مشاريع زراعة الياسمين.
والسؤال الأخير والمحير هو : طالما أن المافيات المتعددة الاختصاصات في سورية, قد سمحت لنفسها ان تتدخل في ظل قانون الطوارئ في حملة زراعة الياسمين في التربة الدمشقية, فلماذا تستكثر على نفسها, تدخل مجلس الأمن في ظل قانون الطوارئ العالمي الذي ترعاه أمريكا , لخلعها من التربة اللبنانية؟.
2
كما ورد في مقدمة الخبر ما يلي: (لم يكن غياب الياسمين عن شوارع دمشق وما تبقى من غوطتها الخضراء، وركنه مرسوم في لوحات الفسيفساء المعلقة في المعالم الاثرية، السبب الوحيد وراء اطلاق حملة لغرس نحو مئة زرعة ياسمين في العاصمة السورية، بل ان حملة تولاها سفير اليابان السابق لتنظيف نهر بردى، المعلم الثاني لدمشق، كان «المستفز» لحملة اخرى هدفها زرع عشرة آلاف شتلة.)
يقول لنا هذا الخبر بأن أحد الاسباب التي استفزت المافيات الأقتصادية للقيام بحملة زراعة الياسمين , هو بقايا خجل من الحملة التي قام بها السفير الياباني السابق لتنظيف نهر بردى العابر لدمشق "عرين قائد العرب!"
حدثني صديق كندي سبق له ان زار دمشق مرات عديدة فقال : ( ان التخريب الذي تمارسه حكومتكم في دمشق لا تستهدف منه الدمشقيين فقط , بل تستهدف البيئة الدمشقية ايضاً , فنسبة تلوث الهواء الذي يبلغ اضعاف النسبة المسموح بها صحياً , وتحويل نهر بردى الى مجرى للمياه الآسنة , وانعدام المساحات الخضراء داخل المدينة , والتدمير المستمر لغوطة دمشق , كل هذا لم ينجم عن فوضى او سوء ادارة, بل انه نهج مدروس ومبرمج لتدمير عاصمة الأمويين كبشر وبيئة).
تمنيت ان يكون كلامه خطأً من ناحية مقاصد "حكومة الثورة". ولكن هل يكون السفير الياباني السابق قد توصل لنفس الأستنتاجات وبادر بشخصه لحماية البيئة الدمشقية من حكامها "الثوريين" محرري الجولان ؟ .
"الرأي / خاص"

صالة الجسر في حلب تغلق بأوامر رئيس الوزراء دون ذكر الاسباب

٢٠٠٥-٠١-١٩
صالة الجسر في حلب تغلق بأوامر رئيس الوزراء دون ذكر الاسباب
تصريح صحفي :
تم إغلاق صالة الجسر بأمر عرفي (دون ذكر الأسباب أو التهمة) من رئيس الوزراء بتوصية من وزير الثقافة الحالي وموجه إلى محافظ حلب الذي نفذ الأمر بتاريخ 12 تشرين الأول 2004 بعد انفضاض الملتقى الدولي الثامن للتصوير الضوئي الذي نظمته أسوة بتنظيمها لكل الملتقيات السابقة على مدار السنين.
من المؤسف أن يتم الإغلاق بحضور وتواجد مجموعة كبيرة (أكثر من ثلاثين) من الفنانين العالميين حيث تم إخراجهم من الصالة وتشميعها بالشمع الأحمر مما ترك أثراً وسمعة سيئين في نفوس هؤلاء وللأسف فقد وجدوا في عملية الإغلاق موضوعا استثنائيا للتصوير فقاموا بتخليده بكاميراتهم مما يشيع ذلك سمعة سيئة إلى المعنيين في سورية.
طبعاً بسبب الإغلاق تم حجز مجموعة كبيرة من اللوحات الفوتوغرافية لفنانين دوليين شاركوا في الملتقى الدولي الثامن للتصوير الضوئي الذي قامت الصالة بتنظيمه في مدينة حلب من 25 أيلول وحتى الخامس من تشرين الأول.
ويقوم بعض الديبلوماسين الأوروبيين بزيارة الصالة المغلقة دوريا لمعرفة فيما إذا كان الإغلاق مستمرا.
وكانت الصالة قد اعتادت تنظيم هذا الملتقى سنوياً منذ عام 1997 لغاية 2004 حيث يشترك فيه العديد من دول العالم ومن جميع القارات ويعتبر من أهم الملتقيات الدولية ويحرص كثير من المصورين الضوئيين العالميين الاشتراك في نشاطاته.. ويزوره الآلاف كل سنة من داخل سورية ومن خارجها.
بالإضافة إلى الملتقى الدولي للتصوير الضوئي فقد نظمت الصالة ستة ملتقيات دولية سنوية "فنانات من العالم " 1999 – 2004 حيث يشترك في نشاطه كل سنة 48 دولة عربية وأجنبية.
تنظم الصالة في أيام الملتقيين الكثير من الأنشطة الفنية من مسرحية وموسيقية وندوات ولقاءات يقوم الفنانون خلالها بتبادل وجهات النظر حول تجاربهم في مختلف الحقول الفنية.

اليوم في 18-1-2005 تم فك التشميع عن الصالة ليصار إلى سحب بعض اللوحات لفنانين فرنسيين ومن ثم إعادة تشميعها في إصرار غريب من قبل السلطات على مصادرة أي نشاط مدني أو ثقافي في مدينة حلب، مما ولد شعور لدى المثقفين في هذه المدينة بأن السلطة تتعامل بحساسية مفرطة مع أي نشاط عام ولو كان فني أو ثقافي، واعتبر الكثيرون أن السلطات تقيس الأمور بأكثر من مكيال.
وللأسف ليس هناك من سبب يراد من إغلاق هذه الصالة إلا توجيه ضربة أليمة إلى الثقافة السورية والمساعي الخيرة لنشرها في العالم ولتعريف الفنانين السوريين بالفنون العالمية.
و إغلاق الصالة في مرحلة تدعي فيها السلطات السورية أنها منفتحة على العالم يعد سابقة خطيرة باعتبار أن قانون الطوارئ والأحكام العرفية قد امتدت اذرعه لتصل إلى قمع الحالة الثقافية والفنية .
إننا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية ندعوا جميع المثقفين والفنانين والغيورين على سمعة سورية الدولية التضامن من أجل فك أسر هذه الصالة لتعود إلى عملها الذي اعتادت عليه مدينة حلب
د. عمار قربي
رئيس مكتب الأعلام في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية
في 19-1-2005
"الرأي / خاص"

بيان بتأسيس لجنة التنسيق الوطني للدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان

بيان بتأسيس لجنة التنسيق الوطني للدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان

منذ أربعين عاماً ونيف ونحن نعيش في ظل حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية التي شلت فاعلية المجتمع وحرمته من المشاركة في الحياة العامة، ومن ممارسة دوره الرقابي على أداء السلطة مما أدى إلى احتكار وهيمنة هذه (السلطة) على جميع مستويات التنظيم الاجتماعي، والى إلغاء القيود والضوابط الدستورية والقانونية بصورة كاملة، كما أحكمت سيطرتها على المجتمع ومؤسساته.
لقد أدى تغييب المجتمع المدني بكافة مؤسساته الاجتماعية والسياسية إلى تحرر السلطة من كل ما يحد من ميولها، والى خرق القوانين واللوائح التنظيمية بالشكل الذي يناسبها، مما أسفر عن التأميم الفعلي للسياسة، ومصادرتها وإخراج الشعب من دائرة الفعل السياسي ورهنه إلى منطق السلطة الحاكمة ومصلحتها، كما استخدمت السلطة إعلان حالة الطوارئ سلاحاً فعالاً للتخلص من خصومها وإخضاع القضاء لهيمنتها، ونؤكد في هذا السياق أن سيادة القانون لا تتحقق بمجرد فرض النظام واستتباب الأمن، ما لم تضمن هذه السيادة تقييد الحكام و إلزامهم باحترام القانون، وإخضاع السلطة لرقابة قضائية، شريطة أن يكون القضاء نزيها مستقلاً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء، وهذا لن يتحقق إلا في ظل دولة الحق والقانون، دولة الكل الاجتماعي، دولة المواطنين الأحرار المتساويين في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الدين والجنس والاثنية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حالة الطوارئ وغياب الحريات والأحزاب أطلقت يد السلطة التنفيذية وهيمنتها على سائر مؤسسات الدولة وإصدارها التشريعات على مقاسها.
إن الأمر برمته، وبشكل خاص ضرورة مواجهة التهديدات الخارجية، وسحب الذرائع من يد هذا الخارج وهذه المسائل لن تتحقق إلا بمتابعة تطوير عملية الانتقال الديمقراطي، ومن أجل ذلك تداعى ممثلو قوى وفعاليات سياسية ومدنية وثقافية تتبنى خيار الإصلاح الوطني الديمقراطي إلى لقاء تشاوري تم الاتفاق فيه على أن تتكثف الجهود في عام 2005 للعمل على إنجاز المشتركات التالية التي تشكل مدخلاً أساسياً وجوهرياً لأي إصلاح:
إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي بمن فيهم المعتقلون على خلفية أحداث 12 آذار والحسكة لأسباب سياسية، وطي ملف الاعتقال السياسي وما يتفرع عن ذلك و عودة آمنة للمنفيين إلى الوطن.
إعادة الحقوق المدنية للمجردين منها بموجب أحكام المحاكم الاستثنائية والعسكرية وما نتج عنها، وتسوية مشكلات المفقودين، والتعويض على المتضررين.
إلغاء كافة أشكال التعذيب الجسدي والنفسي أعمالاً لأحكام الدستور والقوانين المحلية والمعاهدات الدولية.
تفعيل المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها سورية والتزمت بتنفيذها .
إعادة الجنسية للمواطنين السوريين الأكراد الذين جردوا منها في إحصاء عام 1962 أو المكتومين منهم وجميع المحرومين الآخرين.
العمل على إيجاد حل ديمقراطي للمسالة الكردية ومسائل الأقليات القومية الأخرى في سورية.
إصدار قانون عصري جديد للأحزاب والجمعيات.
إصدار قانون جديد يضمن حق الاتصال وحرية الصحافة والإعلام والمطبوعات.
وكل عام وشعبنا في سورية بألف خير.

دمشق في السابع من ذو الحجة 1425هـ
الموافق 17/1/2005م
الموقعون:
التجمع الوطني الديمقراطي في سورية.
لجان أحياء المجتمع المدني.
منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي.
جمعية حقوق الانسان في سورية.
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع سوريا.
حزب العمل الشيوعي في سوريا.
التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا.
الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا.
حزب يكيتي الكردي في سوريا.
11-حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا.
12-لجنة الدفاع عن حقوق المجردين من الجنسية.

الـحــريــة الـثــكــلـى

٢٠٠٥-٠١-١٨
الـحــريــة الـثــكــلـى
محمد علي الأتاسي -
ملحق " النهار " العدد 671 - الأحد 16 كانون الثاني 2005

في السادس من هذا الشهر، رحل شيخ المثقفين السوريين أنطون مقدسي عن نحو من تسعين عاماً، وجرت مراسم الدفن في دمشق في أجواء مهيبة ومتواضعة، احتفظ خلالها أنطون مقدسي لنفسه ومحبيه وأصدقائه بمفاجأة أخيرة. إذ نقل عنه الأب الياس زحلاوي في كلمته الموجزة التي ألقاها بعد انتهائه من أداء الطقوس الدينية، أن مقدسي أوصى أن تخلو جنازته من كل تمثيل رسمي للسلطتين الدينية والسياسية، وأنه في حال مشاركة أيّ من ممثلي هاتين السلطتين، فهم يشاركون في صفاتهم الشخصية لا السلطوية.
قد يقول قائل أمام رحيل مثقف في العقد التسعيني من العمر: أن الموت قضاء وقدر وكلنا سواسية أمامه. لكن ما يجعل من موت شيخ المثقفين السوريين أنطون مقدسي فجيعة وفقداً كبيرين، هو أن الرجل كان في ذروة عطائه ورجاحة عقله وعمق تفكيره وخفة ظله. فلا المرض ولا تقدم السن ولا استحالة مغادرة المنزل بسبب صعوبة الحركة، حدّت من تألق الرجل وتوقد ذهنه وسعة صدره. كان أنطون مقدسي من طينة أولئك الرجال الذين كلما تقدمت بهم السن، توقدت روحهم شبابا ومعرفتهم اتساعاً.
في منزله المتواضع في حي الشعلان بمدينة دمشق، كنا نزوره شباناً في العقد الثالث من العمر، وهو الرجل التسعيني الذي يفيض تواضعا ودماثة وعطاء. كان قادراً بملاحظة ذكية أو كلمة عابرة أن يخففنا من عبء النصف قرن الذي يفصلنا عنه. لم ندخل عليه مرة إلا كان يقرأ أو يكتب على طاولة صغيرة. الكتب، بهمة زوجته وشريكة حياته، كانت دائما في متناول يده، تحيط به من كل جانب، بعيدة عن رفوفها، بسبب الصعوبة في الوقوف والتنقل التي كان يعانيها في السنوات الأخيرة.
نبادره بالسؤال: أستاذ أنطون ما هي مشاريعك وعلى أي موضوع تشتغل الآن؟ تتوقد عيناه وينظر إلينا، الواحد تلو الآخر، ويبدأ بسرد مشاريعه التي لا تنتهي: من مقالة بالفرنسية يعدّها عن المثقف ودوره، إلى دراسة عن حزب البعث، إلى مقدمة ديوان لصديقة طلبت منه كتابتها، إلى قراءات متراكمة في الفلسفة والرواية والشعر. ومع ذلك كان دائما هو الأول، ليس فقط في الانتهاء من قراءة آخر ما نُشر من روايات ودواوين، ولكن في التعليق عليها وإيجاد العبارة المختصرة والمعبّرة بدقة وذكاء عن قيمة هذا العمل أو ذاك. أما التاريخ فهو، في حضرة أنطون مقدسي، صفحة مفتوحة مليئة بالحكم والعبر والأحداث المغيبة.
ولد أنطون مقدسي في قرية يبرود السورية عام 1914 لعائلة من الروم الكاثوليك، ودرس في بداية حياته في مدرستها الأسقفية قبل أن يتابع تعلمه في مدراس زحلة ففي جامعة القديس يوسف في بيروت ومنها إلى فرنسا حيث تخصص في الفلسفة الإغريقية. باشر مهنة التدريس في ثانويات حمص ودمشق ثم في قسم الفلسفة في الجامعة السورية حيث درّس الفلسفة الإغريقية لعشرات السنين وتخرج على يديه خيرة المثقفين السوريين. ترك مقدسي الجامعة السورية، عندما شعر أن "مهنة التدريس أصبحت تهريجاً"، على ما قال لنا في أول حوار أجريناه معه لـ"الملحق" (9\ 9\2000)، وتفرغ لعمله في وزارة الثقافة مسؤولاً عن مديرية الترجمة والتأليف التي أصبحت شيئاً فشيئاً ومع التدهور العام في البلد مديرية لـ "الترجمة بدون تأليف"، بحسب الأستاذ أنطون الذي قال في الحوار نفسه: "التأليف غير ممكن في بلادنا، لأن الجامعة السورية لا تخرّج قارئاً للكتاب، فكيف لها أن تخرّج باحثاً أو مؤلفاً".
بقي أنطون مقدسي بعد تقاعده على رأس هذه الهيئة متعاقداً من خارج الوزارة، ومساهماً في مشروع ترجمة، هو واحد من أهم المشاريع التي غذّت الثقافة العربية خلال العقود الماضية. إلى أن وضعت وزيرة الثقافة السابقة مها قنوت حداً لخدماته بشكل مجحف في العام 2000.
إلى جانب نشاطه الفكري والتعليمي، كان أنطون مقدسي، واحداً من أوائل المثقفين الذين شاركوا في الحراك السياسي الذي طبع بطابعه الأربعينات والخمسينات من القرن المنصرم. فإلى جانب صداقته وقربه من زكي الأرسوزي، نشط في التحركات المطالبة بإنصاف الفلاحين السوريين وأنضم إلى الحزب الاشتراكي العربي الذي أسسه أكرم الحوراني وساهم في النقاشات التي أدت إلى دمجه بحزب البعث في العام 1953 وظهور ما بات يعرف باسم حزب البعث العربي الإشتراكي. وحال وصول حزب البعث إلى السلطة محمولاً على دبابات العسكر إنسحب منه أنطون مقدسي وغادر نهائيا النشاط السياسي المباشر وتفرغ لعمله الفكري. وفي العلاقة بين حزب البعث الحالي وحزب البعث الذي عرفه خلال الفترة الديموقراطية السورية في الخمسينات استعاد مقدسي في الحوار المذكور أعلاه قول أرسطو: "إن المشترك الوحيد بين مجموعة نجوم الدب الأكبر وحيوان الدب هو الاسم فقط".
كتب أنطون مقدسي في رحلته الفكرية المديدة عشرات المقالات المطولة في الفن والأدب والسياسة والفلسفة والروحانيات ورثاء الأصدقاء، لكنه لم يؤلف كتابا واحداً. أما الكتاب الصادر في العام 1992عن "دار الريس" تحت عنوان "حرب الخليج، إختراق الجسد العربي" فهو أساسا مقالة كتبها لمجلة "الناقد" ونشرتها الدار لاحقاً في كتاب من دون علم المؤلف. ورغم أن الكثير من مقالات أنطون مقدسي يتجاوز عدد صفحاتها المئة، أي أن كل واحدة منها تصلح منفردة لأن تكون كتاباً، فإن مقدسي ظل مصراً على بقائها طي المجلات المتخصصة، ورفض نشر أي منها في كتاب مستقل، كونها جميعاً، بحسب رأيه، في حاجة إلى مراجعة وتدقيق. فتواضعه الجم لم يكن يكافئه سوى توقه إلى الاقتراب من الكمال ومعرفته الفلسفية باستحالة هذا الوصول.
دور المثقف
كأن يحلو له أن يردد كلما أتى الحديث على علاقة المثقفين بالسلطة وتوهم بعض المثقفين بإمكان سيطرتهم على الحاكم، حكاية أفلاطون مع تلميذه حاكم سرقسطة الذي بعدما دعا أستاذه إلى زيارة مملكته إنتهى به الأمر إلى بيع أستاذه في سوق النخاسة.
يجسد أنطون مقدسي في كتاباته الفكرية ومواقفه السياسية مثالاً نادراً للمثقف المستقل والنقدي الذي يخدم السياسة في معناها النبيل متحملاً العواقب، بدلا من أن يستخدمها سعياً وراء المناصب الزائفة والمكاسب الآنية. وإذا كان مقدسي فضّل ترك حزب البعث حال وصوله إلى السلطة، فإنه في المقابل كان يلوم الكثير من المثقفين الذين خدموا النظام وتعاونوا معه. ففي حوار ثان أجريناه معه ونشره "الملحق" بتاريخ 17\2\2001 أفصح عن الآتي: "مسؤولية بعض المثقفين كبيرة في ما حدث بعد العام 1963، فقد أعطوا مشروعية لحكم العسكر، وعلى المثقفين اليوم أن لا يسلموا أنفسهم مرة ثانية للعسكر. على المثقف أن يقول رأيه بصراحة ووضوح وقوة وليفعل العسكري بعد ذلك ما يريد". وإذا كان مقدسي قد أشار في الحديث نفسه إلى ضرورة "أن يوحد المثقفون صفوفهم في مواجهة القوة الضاربة داخل السلطة السياسية، أي المخابرات والجيش والقيادة القطرية"، بحسب تعبيره، فإنه مع ذلك لم يكن يحمل أية أوهام حول حدود دور المثقف. ففي الحوار الثالث الذي أجريناه معه في أعقاب انقضاض السلطة على "ربيع دمشق"، ونشره "الملحق" بتاريخ 12\1\2002، ولدى سؤالنا له هل لا يزال للمثقفين من دور يضطلعون به، أجاب بالآتي: "طبعاً، ولكن يجب على المثقفون أن لا يشكلوا تنظيماً سياسياً في وصفهم مثقفين. فالمثقفون في طبيعتهم يتميزون بتعدد الآراء وتنوعها. وضمن حدود معرفتي أنا، لم يسبق في التاريخ أن شكل المثقفين حزباً سياسياً. لكن عليهم أن يظلوا يكتبون وينتقدون ويتكلمون، وان لا يتوقفوا، ولا يخافوا. لقد اعتقلوا عشرة، ولنفرض أنهم صاروا عشرين، سيصبح عبءاً على السلطة. للحرية ثمن لا بد من دفعه".
كيف مارس أنطون مقدسي دوره خلال تحرك "ربيع دمشق"، وما الثمن الذي دفعه؟
ربيع دمشق
كان صوت أنطون مقدسي من أوائل الأصوات التي ارتفعت داخل سوريا بعد وصول الدكتور بشار الأسد إلى السلطة مطالبةً بالإصلاح السياسي. فما هي إلا أيام قليلة على خطاب القسم الذي أشار فيه الرئيس السوري للمرة الأولى إلى الرأي الآخر وضرورة إحترامه، حتى أسمع أنطون مقدسي السلطة والمجتمع في سوريا ما هو الرأي الآخر، فسطّر رسالة مهذبة إلى الرئيس أثنى فيها على "كلمات وردت في بيانك، حقاً واعدة"، ومن ثم طالب بضرورة الإنتقال بالشعب "من وضع الرعية إلى وضع المواطنة"، وفي الرسالة نفسها صارح الرئيس الأسد بالآتي: "لقد كفانا يا سيدي من الكلام الفضفاض: مكاسب الشعب، إنجازات الشعب، إرادة الشعب. الشعب غائب يا سيدي منذ زمن طويل". وختم رسالته بأن تمنى التوفيق للرئيس الجديد في "السير على درب محفوف بالمزالق من كل الأنواع".
بعث أنطون مقدسي في البداية برسالته إلى جريدة "تشرين" السورية متصوراً أن الإعلام الرسمي سيفسح المجال، في أعقاب خطاب القسم، للرأي الآخر. لكن هيهات! واضطر بعد طول انتظار، أن ينشر رسالته المفتوحة في جريدة "الحياة" اللندنية بتاريخ 13\8\2000. وبعد يومين، ذهب إلى عمله في وزارة الثقافة فوجد في انتظاره قرارا وقّعته وزيرة الثقافة مها قنوت بتعيين شخص آخر على رأس مديرية التأليف والترجمة لشغور المنصب! فما كان منه إلا أن أخرج عقده وذيّله بكتاب استقالته وعاد إلى بيته هو والثقافة السورية مرفوعي الرأس.
أحدثت الرسالة صدى واسعا لدى المثقفين وكانت لبنة أساسية من لبنات الحراك الديموقراطي الذي بات يعرف في ما بعد باسم "ربيع دمشق"، وما هي إلا أسابيع حتى كان اسم أنطون مقدسي يتصدر بيان المثقفين السوريين الـ 99 الذي صدر بتاريخ 27\9\2000 وكان الأول في المطالبة بإطلاق الحريات العامة وبرفع حال الطوارئ وبإطلاق سراح السجناء السياسيين. كذلك وقّع الأستاذ الوثيقة الأساسية للجان إحياء المجتمع المدني أو ما بات يعرف بـ "بيان الألف"(9\1\2001). وعندما قامت السلطة بهجومها المضاد وبدأت حملة الاعتقالات في بداية شهر أيلول من العام 2001 ظل صوت أنطون مقدسي مرتفعاً في وجه العسف والاضطهاد، كما أنه وقّع كل البيانات المنددة بحملة الاعتقالات. وكان من الأصوات القليلة التي دافعت علنيا عن تصريحات رياض الترك التي أدخل على أثرها إلى السجن، وفي هذا السياق قال لنا: "مواقف رياض الترك مواقف رجل دولة، وكلامه لم يكن استفزازياً، أخذ عليه استخدام أوصاف الديكتاتورية ولكن هل سبق للنظام أن قدّم كنظام ديموقراطي؟ في بلادنا ليس هناك انتخاب ولكن استفتاء، والديموقراطية الشعبية مصطلح من اختراع ستالين" (الملحق 12\1\2002).
أما آخر ما وقّعه أنطون مقدسي فكان بيان المثقفين السوريين واللبنانيين الذي احتجوا فيه على تعديل الدستور اللبناني والتمديد للرئيس لحود، وأكدوا فيه أن معركة الديموقراطية واحدة في البلدين.
لم يتوقف أنطون مقدسي عن الكتابة وبث الأمل وتنشئة الأجيال مدى حياته كلها، وخصوصاً في الأعوام الأربعة الأخيرة. ففي كل مرة كانت جذوة الأصوات المعارضة تخفت بسبب القمع أو اليأس أو القنوط، كان صوت الرجل التسعيني يعود مجدداً ليذكّر الجميع بأن لا مخرج لسوريا إلا بالإصلاح السياسي، وبأن القمع سيرتد في النهاية على أصحابه. وفي هذا السياق كانت رسالته الرائعة إلى حفيده والتي ختمها مخاطبا أنطون الصغير بالآتي: "ما قلته لك ليس نصاً من نصوص القراءة قد يكون صعباً او سهلاً، بل هو دستور حياة نفهمه عندما نعيشه. وستعيشه أنت وجيلك في السنوات القليلة المقبلة اذا قررتم أن تدفعوا ثمن الحرية. فالمستبد جبان، يزج الناس في السجون. قد يقتلهم، لكن دفاعاً عن نفسه. ويبدو لي حسب تجربتي أن عهد الاستبداد صار من الماضي البعيد. وهو اليوم في موقع الدفاع عن النفس. لقد دخلنا القرن الحادي والعشرين الذي جعل القرن العشرين من الماضي ليدفعنا باستمرار نحو المستقبل. وكلي ثقة بأن مستقبلكم سيكون مشرقاً كالحرية، لا حد يحدها".
نعم أستاذ أنطون، لا حدّ يحد من الحرية، لكنها اليوم ثكلى بغيابك .

العيش في مسقط الرأس كسائح: عارف حمزة

٢٠٠٥-٠١-١٧
العيش في مسقط الرأس كسائح: عارف حمزة

لطالما سألني الأصدقاء: "ماذا تفعل هناك في الحسكة؟". سواء من الذين أصبحوا في مدن كبيرة داخل سورية، مثل حلب ودمشق، أو من الذين هاجروا الى خارج البلاد.
"كيف تستطيع أن تكتب فيها؟ هل بقي فيها شيء؟". وعلى الرغم من عدم بقاء شيء فيها، بالطريقة التي يكيلون فيها الأشياء، إلا أنني لا أعرف بماذا أجيبهم. فأنا لست من مدمني هذه المدينة، أو محبيها على الأقل، فلا أستطيع أن أقول بأنني لا أغادرها لأنني أحبها أو متعلق بها، فالمحبة ليست هي ما يجعلني أن أبقى فيها. وليست الكراهية أيضاً. هناك شيء خفي، ربما العزلة وكبر والدتي في السن، يجعلاني لا أغادر هذه المدينة. وربما لمحبتي لمدن أخرى، أجمل وأكبر منها، ولي فيها مآزق وماض لم يمت، مثل حمص وحلب، جعلني أسكن فيها وأمد نظري الى المدن التي أحب.
"عشت في مدينة لا تستحق" كتبت ذلك في كتابي الشعري الأول، حياة مكشوفة للقنص.
"مدينة صنعناهامثل حلم لا يستكينثم خرجنا الى الأطرافورأيناكم أسرفنافي مدينةلا تستحق..".
الحسكة، التي تقع في أقصى الشمال الشرقي من سورية، بين العراق وتركيا، لا يعترف بها أبناء مدنها. ابن مدينة القامشلي، التي تتبع إداريا للحسكة، يجيب عندما يسأله أحد ما، في الجامعة، من حبيبته الغريبة، أو في قطعة الجيش أو في السويد..، أنا من القامشلي، وهكذا أبناء عامودا وديريك والقحطانية ورأس العين والدرباسية... وتفرط سبحة المدن من يد الحسكة لتبقى وحيدة لا يتبعها أحد.
كنت أقول، للذين لا يعرفونها، بأن الحسكة كانت تملك تنوعاً هائلاً ورائعاً في القوميات والأديان والطوائف، ومنافسة بينها في صنع الحياة والمحبة الجديدة على نار هادئة، إلا أنني أخاف الآن، بعد مواسم الهجرة الكثيرة والمتلاحقة، والإهمال الذي سكن فيها مثل مرض عضال، أن يتحول ذلك التنوع الى معمل للأزمات، في أن تفقد ذلك التنوع وإلى الأبد.
نهر الخابور... يا سلام.. مَن يستطيع أن يفرط بهكذا نهر؟ بالقرى الآشورية التي كانت تطلق فتياتها الى مائه ويُطلق علينا بياضهن وجمالهن النار؟ بالصيادين الجالسين على ضفافه، مع أجهزة الراديو الصغيرة وعلب "الحمراء الطويلة" للتدخين ساعات طويلة، والنظر في هذا الوحش الجريح؟ ببقايا القطن والصوف، والتعب القروي العالق بالثياب، وهي تُغسل على ضفة بعيدة فتفوح، طوال النهر، رائحة برية يحملها نهر سعيد؟..
الخابور الذي بنى حوله الحضارات، طوال مسيره للقاء الفرات، ما عاد يجري الآن، بالكاد ينظر في أصابعه. لا يجري ولا يندفع، بل أصبح مثل مريض، على سرير النهر، يُعالج بالسيرومات، بضخ مياه الآبار إليه، كي يفتح عينيه قليلاً ويطرد البعوض والنفايات بعيدا، ثم يغمى عليه من جديد.
أسأل نفسي أحياناً: ماذا يعني أن نبني ثلاثة سدود كبيرة على نهر لا يستطيع أن يبصق كل المياه المطلوبة الى بحيرات ثلاث؟ ألا يعني ذلك جفاف النهر وجفاف البحيرات الثلاث؟ ألا يعني إهداراً، بالإضافة للمال العام والماء العام، لماضينا وحكاياتنا ولمدينة بكاملها؟
إذا جف النهر، أو لم يجف، سنلحق بالآشوريين الى شيكاغو أو أستراليا، يجيب أحد الشبان الجامعيين من الحسكة، أو سنلحق بالأكراد الى ألمانيا أو السويد أو كندا أو إيطاليا، أو بالسريان الى أمريكا أو السويد.... الخ.
"ماذا يوجد في الحسكة؟". والحسكة لا يوجد فيها شيء. أو بكلام أدق ما عاد يوجد فيها شيء. فلا توجد فيها أي دار للسينما، بعد إقفال وحريق وخسارة كل من سينما دمشق وفؤاد والقاهرة.
المقاهي تعني وجود العاطلين عن العمل والمقامرين والزعران وثلاثة رجال أمن ومخبرين متطوعين.
نادي الجزيرة لكرة القدم أصبح منذ سنوات في الدرجة الثانية، وفي هذا العام يلعب مبارياته من دون جمهور، بعد الأحداث المؤسفة التي حصلت في آذار الماضي بعد مباراة فريقي الجهاد والفتوة !!؟؟
لا يوجد فيها أي مقهى رصيف. ولا صالة معارض ولا مسرح ولا مكتبات تبيع الكتب الصادرة في دمشق فما بالك بالتي تصدر في بيروت...
قبل أكثر من سنة ظهر في شارع القامشلي "سناك بار" الأصدقاء، وقبله بستة أشهر أعيد افتتاح مطعم "الشلال" الذي يبيع البيرة والشاورما، ثم ظهر مطعم ومشرب "فينوس" في نفس الشارع المتقاطع مع شارع "المحطة" المكنى بشارع العشاق والذين تغنى به الكثيرون من مطربي ومهاجري الجزيرة.
كل الحدائق، التي بمعنى الكلمة، تحولت الى استثمارات توجب عليك الأكل والشرب. لا توجد حديقة عامة تستطيع أن تذهب إليها للمشي أو شم النسيم. ولا مدينة ملاهٍ ولا فنادق يمكن الإشارة إليها... الحسكة تحولت الى مبان حكومية وحزبية، ومنظماتها، ومطاعم للأكل.
الحسكة، بما فيها مدنها، عانت من إهمال شديد طوال عقود طويلة، على الرغم من أن أكثر من نصف الاقتصاد الوطني، من نفط وغاز وحبوب وقطن..، يعتمد على هذه البقعة الجغرافية الحزينة من البلاد..
أشعر بالوهن عندما أقرأ شاعراً يكتب كثيراً ومطولاً عن مدينته، وقريته وبلده وقارته، إذ من أين يجلب جسارة الكتابة عن هذه الأشياء المهملة؟ ثم هل الشعر يذهب الى محطة محبة المدن وامتداحها؟
في الصيف لا يوجد شيء في الحسكة سوى الشمس الحادة والإشاعات. الشمس الحارقة على صلعة مدينة صحراوية، لدرجة أن لا أحد يقول للآخر: صباح الخير، قبل الحادية عشرة قبل الزوال. وليس هناك من شجاع، ابن عالم وناس، يمشي في الشارع بين الواحدة والرابعة ظهراً حيث تكون درجة الحرارة في الظل أكثر من ستين درجة مئوية. ومع وجود العدد الهائل من المكيفات المائية، الصحراوية، والغازية تحولت الشوارع الى نهر من الحرارة العالية المشفوطة من جوف الناس والبيوت. لذلك يجلس الناس في بيوت تشبه الأفران، ويتناولون النميمة، باصقين من أفواههم، بين تقلب وآخر، بقايا الحياة المرة.
في الشتاء لا شيء في الحسكة سوى البرد. البرد القارس. البرودة التي تصل الى عشرة تحت الصفر، من دون غيوم في السماء أو رأفة.
في الشتاء نفتقد الإشاعات التي كانت حياتنا تُطهى عليها في الصيف. والحياة سقيمة ومملة، كما يقول هيروسترات، من دون إشاعات.
لم يبق، بعد جفاف نهر الخابور، تقريباً، في هذه المدينة سوى الحزن والتفكير في الهجرة. أصبح العيش، بعد سفر الكثير من الأصدقاء والأقارب والجيران والأتراب وهجرتهم، في مسقط الرأس مثل عيش الغريب أو السائح المغبون. فمن المحزن، وربما من الأفضل، ألا تعرف سوى عشرة أشخاص من أصل مليون ومائتين وخمسين ألف شخص في هذه المدينة الأكثر إهمالاً في العالم.
أشعر بالحرج عندما يسألني أحد ما عن هذه المدينة البائسة، ولا أعرف بماذا أجيب شعراء من مدن أخرى يرغبون بزيارتها وإلقاء قصائدهم على مسامع أبنائها، أفكر عندها: ماذا سيفعلون في الحسكة؟ أين سيذهبون؟ وبماذا سأجيبهم إذا سألوني عن شيء ما فيها؟.. أنا الذي عشت فيها كغريب.
وعلى الرغم من الجمال الموجود في الحسكة، ومحبة فتياتها للبياض والموضى الجديدة، إلا أنها تبقى مدينة أقرب للحزن والنسيان.
شعرت بالحرج عندما طلب مني الكاتب صبحي حديدي، المولود في القامشلي والذي في باريس منذ سنين طويلة، في إحدى بطاقاته أن أسلِّم "على مطعم البيروتي والخابور وعلى كراج خط الحسكة ـ قامشلي...". أرسلت له بطاقة بريدية عن الحسكة وفيها إطلالة مطعم البيروتي على جسد الخابور (بطاقة من السبعينات)، فأعاد الكتابة لي بشكر كبير، وكلمات عن الحنين والكهولة والصبا..، على "المفاجأة الكبيرة". وأنا لم أستطع أن أقول له: سلّم عليها من هناك، من باريس، فهي تعيش معك هناك، في باريس، وليس هنا.
"المستقبل"

ثلاثة في واحد ليس إعلاناً لمنتج بل توصيفاً لوزير

ثلاثة في واحد ليس إعلاناً لمنتج بل توصيفاً لوزير: حكم البابا

قد لاينطبق الوصف الذي أطلق على وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بأنه يفقد أمريكا صديقاً كلما أطلق تصريحاً ، على وزير الخارجية السوري فاروق الشرع بالكامل ، لكن مجموعة من التصريحات التي أطلقها رئيس الدبلوماسية السورية منذ التحضير لغزو العراق وحتى اليوم تدخل بشكل أو بآخر ضمن هذا الوصف ، فهو لم يترك جهةً تعتب عليه لأنه لم يتناولها بأحد تصريحاته ، أكثر من ذلك لم يكتف الأستاذ الشرع بمهام وزير الخارجية بل اختصر بشخصه وزارة كاملة مصغرة ، فجمع بين تصريحات يفترض أن يكون مطليقها ثلاثة وزراء معاً ومن أصحاب الحقائب السيادية ، فتارة يقوم بمهام وزير الدفاع ، وتارة بمهام وزير الاعلام ، وتارة ثالثة بمهام وزير الداخلية ، إضافة إلى صفته كوزير للخارجية ، وقد أصبح تصريحه الشهير بعد قصف الطيران الاسرائيلي لأحد المواقع العسكرية السورية في لبنان بأن (سورية تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين) شهيراً إلى الدرجة التي تجعلني أتجرأ على القول بأنه ذهب مثلاً ، واكتشف السوريون عبر هذا التصريح طرافةً (لم ينتبهوا لها قبله) في الشخصية السورية وتحديداً بعد قصف الطيران الاسرائيلي لمنطقة عين الصاحب القريبة من دمشق ، حين بدؤوا يتداولون فيما بينهم بأن الرد لن يتجاوز إعادة إطلاق الاستاذ الشرع لتصريحه الشهير ، وهكذا كان ..
وقد بدأت شعبية الأستاذ الشرع العربية بالارتفاع مع وصفه للغزو الأمريكي للعراق بـ"السطو المسلح" ، الذي نال عليه تصفيقاً شديداً كون غالبية الشعب العربي كانت ضد هذا الغزو ، ولم يكن ينقصه في ذلك المشهد الحماسي الذي جرى خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في لحظة مفصلية من تاريخ العالم الحديث ، إلاّ حذاء خروتشوف الشهير ليضرب به الطاولة ، أو عدداً كبيراً من النياشين العسكرية التي كان يضعها جنرالات الاتحاد السوفييتي على صدورهم ، وأن يكون هو ممثل دولة تملك ترسانة نووية وجيشاً عرمرماً وأسلحة عابرة للمحيطات ، لكن بما أن ذلك كلّه لم يكن بمتناول يد الأستاذ الشرع فقد جرّ تصريحه (إضافةً إلى التصفيق العربي سالف الذكر) على سورية تهديدات أمريكية بدأت ويبدو أنها لن تنتهي ، كانت في منجى منها لو وصّف رئيس الدبلوماسية السورية غزو العراق بالاحتلال ، وهي مفردة تتسق مع مهمته كدبلوماسي وتؤدي نفس الغرض ، دون أن تكون لها نفس النتائج التي جنتها سورية جرّاء إفراطه في الحماسة ، ورغم ذلك لم يشعر أحد بالأسى على خسارة أمريكا لأن السوريين لايعدونها من الأصدقاء أصلاً . لكن الأستاذ الشرع عاد وفي نفس الموضوع ليطلق تصريحاً من نفس النوع الذي يفقد الأصدقاء أو على الأقل الذي لايهتم بالعلاقات العامة التي هي أحد أسس العمل الدبلوماسي حين اعتبر أن المستفيد من الاحتلال الأمريكي للعراق هم الأمريكيون والاسرائيليون والأكراد ، متجاهلاً تاريخاً من التحالف السوري الكردي (عبر شقهم العراقي) وصل إلى حد المساندة والدعم وتقديم الملاذ الآمن والأرض التي يتم التحرك من خلالها ، مما أثار مجموعة من الردود التي صدرت عن شخصيات كردية تم احتواؤها بسرعة وبأسهل الطرق الاعتذارية وأقلّها إقناعاً عبر انكار التصريح سبب المشكلة وتكذيبه .
ومع صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن بشأن العلاقة السورية اللبنانية وجد الأستاذ الشرع ميداناً آخر للنزال غير المتكافئ كسابقه إنما بطريقة مختلفة عن قضية أمريكا والعراق ، ففي الوقت الذي كان التوجه الرسمي للسياسة السورية يطلب أخذ القرار على محمل الجد ، كان وزير الخارجية السوري يصر على تتفيه القرار ، مرةً بـاعتباره لقضية الوجود السوري في لبنان (قضية تافهة لاينبغي أن تشغل مجلس الأمن ..) ، وثانيةً باعتباره القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي (تدخل بما لايعنيه) وإشارته إلى دول (وافقت عليه وضللت لتسلمها تقارير ليست صحيحة وليست دقيقة لكنها ستصحح مواقفها كما نأمل) وكأنه يتحدث عن شيوخ منسر يتقاسمون غنائم غزواتهم أو مجموعة حشاشين في جلسة كيف ، لا عن ممثلي دول تملك بعضها حق النقض وبعضها الآخر يملك ألاّ يوافق أو على الأقل ألاّ يصوت ، لكن تصريحات الأستاذ الشرع تتجاوز كل منطق وتفوق أي خيال في المرة الثالثة التي يتناول فيها القرار والبيان الصادر عن رئاسة مجلس الأمن حول تطبيقه حين يعتبر أنه (لايوجد فيهما مايمس سورية أو لبنان) ، وهنا يتجاوز التعامل مع أعضاء مجلس الأمن على اعتبار أنهم مجموعة من الحمقى ، ليسم كل بني البشر (من الذين قرؤوا القرار والبيان ، أو قرؤوا حولهما ، أو سمعوا نشرة أخبار ورد فيها ذكرهما) بالبلاهة !
ولم يكتف الأستاذ الشرع بالشأن الخارجي ، بل أدلى بدلوه في الشأن الداخلي ، حين تناول بنفس أسلوبه الممازح موضوع المعارضة السورية ، واصفاً إياهم بأنهم (غير قادرين على إدارة مدرسة إبتدائية) غير عابئ بالظرف المناسب أو الحالة الافتراضية التي يمكن أن يكون فيها مثل هذا الكلام مقبولاً ، وذلك في وقت يتم فيه الحديث عن حوار وطني يجمع مختلف الأطياف السورية في مواجهة التهديدات الخارجية !
يمكن لي ولغيري تسطير موسوعة في دبلوماسية الأستاذ فاروق الشرع التي تخترع تعريفاً جديداً للسياسة يناقض أبسط تعريفاتها بكونها فن الممكن ، وتبتكر نوعاً جديداً من العمل الدبلوماسي المبني على أساس تدمير الطرق وهدم الجسور مع الآخرين ، وقطع كل شعرات معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وزياد بن أبيه والمغيرة بن شعبه مجتمعين !
حادثة من التاريخ تلح علي كلما سمعت تصريحاً للأستاذ الشرع عن خليفة أموي جاء إليه قاضي مدينة (قم) المشهور بعدله للسلام عليه ، فقال له الخليفة : ياقاضي قم ، قد عزلناك فقم ، ويبدو أن سجعته راقته ، فنظر بزهو إلى من في مجلسه وقال : والله لو أن سجعةً حضرتني وذهبت بملك بني أمية لما ترددت في قولها !!
دمشق 16/12/2004
"الرأي / خاص"

ممدوح عدوان

٢٠٠٥-٠١-١٤

ممدوح عدوان
فخري صالح
الحياة
2005/01/12
مثل ممدوح عدوان, الراحل عنا في الأيام الأخيرة من الشهر الماضي, بالنسبة الي نموذج الكاتب الذي يكدح في الكتابة بصفتها حرفته
ومهنته التي لا يملك شيئاً غيرها, فقد كان على مدار سنوات طويلة منشغلاً بالإنجاز في حقول عدة: بدءاً من الشعر, مروراً بالرواية والكتابة المسرحية, والترجمة, وكتابة المقالة, وانتهاء بالكتابة الدرامية التي كان يزاولها من منطلق البحث والقراءة المستفيضة للإرثين الشعري والسردي العربيين, على نحو ما جاء في مسلسليه عن الزير سالم والمتنبي. ما أقصده هو أن ممدوح عدوان كان مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه الكاتب العربي, متفرغاً للكتابة مشدوداً إليها بكل حواسه, راحلاً إليها دون غيرها مما يحف بها من مغريات ومناصب ومنافع دمرت, وما زالت تدمر, كثيراً من المواهب التي لو لم تنشغل بمتع الدنيا الفانية لأنجزت الكثير.
كان ممدوح, للقريبين منه, وحتى للمطلين عن بعد من خلال اللقاءات السريعة وعبر الأصدقاء, نقيضاً لهذه الفئة من الكتاب العرب الذين انشغلوا بأشياء كثيرة غير الكتابة, وبددوا مواهبهم على أبواب المنافع العامة وفي الدفاع عن السلطة وهي غارقة في الخطأ. ولذلك كان مكروهاً من جانب هؤلاء, معدوداً خارج السرب الذي يدفن رأسه في الرمال. وكان في الوقت نفسه منصرفاً بإخلاص يحسد عليه إلى الكتابة, يصحو في الصباح, كما صرح أكثر من مرة في اللقاءات الخاصة والمقابلات الصحافية والتلفزيونية, ليكتب, ويسهر ليكتب, من دون أن يسمح لنفسه بأن يبدد بعض وقته في المهاترات التي تغلب على الراهن الثقافي العربي. ولذلك أنجز عدداً كبيراً من المجموعات الشعرية, وكتب روايتين, وعدداً من النصوص المسرحية, ومسلسلات تلفزيونية, وترجمات عدة على رأسها إعادة ترجمة الإلياذة عن الإنكليزية, بحيث بلغت الكتب التي نشرها نحو الثمانين كتاباً في رحلة عمره التي بلغت ثلاثة وستين عاماً ثم توقفت. ولا أظن أن ثمة كاتباً عربياً آخر استطاع في فسحة العمر هذه أن ينجز ما أنجزه ممدوح عدوان.
لقد كان ممدوح في شبابه شاعراً متحمساً لتغيير الواقع الشعري العربي, وكان من الأسماء التي فاجأت القراء في منتصف ستينات القرن الماضي. كان صوتاً طالعاً من الجرح العربي النازف, وكانت فلسطين في قلب شعره, حتى ظنه كثيرون شاعراً فلسطينياً. كان شاعراً غاضباً تنضح قصائده بذلك النوع من الألم النبيل الذي يرى الهزيمة تشرش في الواقع وتصبح جزءاً من آليات الحياة العربية. وإذ نعود إلى قصائده الأولى نعثر على العبارة الشعرية الحادة, والغنائية الملتهبة, والاقتراب من سمات شعر المقاومة الفلسطينية الطالع في الستينات من القرن الماضي. هكذا كان صاحب "الظل الأخضر", و"الدماء تدق النوافذ", و"للخوف كل الزمان". لكن شعره في ما بعد بدأ يتجه إلى العناية بالتفاصيل, إلى بعض المباشرة وشرح الفكرة التي تقوم عليها القصيدة. ولعل ذلك هو ما أبعده قليلاً من قلب حركة التحديث في الشعر العربي المعاصر, لأن التيار الأساسي في هذه الحركة ما زال يفضل الصوت الخفيض على النبرة العالية, والإشارة على الوضوح وتسمية الأشياء بأسمائها في القصيدة.
لكن هذه الانحناءة العاصفة في شعر ممدوح عدوان لا تضير عمله, لأنه كان رجلاً متعدد المواهب, معنياً بالوصول إلى القارئ عبر سبل عدة: من خلال الكتابة الروائية, والمسرحية, والدرامية, والمقالة الصحافية, والترجمة التي أنجز فيها الكثير الذي يعجز عنه أشخاص كثيرون, فكيف بشخص واحد منشغل بفنون وأنواع أدبية كثيرة!
عندما سيقرأ ممدوح عدوان في المستقبل بعين فاحصة محايدة, ويطل الباحثون على إنجازه كله, سيظهر أن الشعر كان مبثوثاً في كل ما كتبه: في المسرح والرواية والدراما, وحتى في ترجماته الجميلة التي تشدك إلى عوالم من ترجمهم: من كازنتزاكيس في "تقرير إلى غريكو", إلى هيرمان هيسه في "سدهارتا" و"دميان", وفرديناند أويونو في "الشيخ والوسام", إلى عدد آخر من الترجمات المميزة التي أنجزها عدوان عن الإنكليزية. لكن شيئاً آخر ينبغي ألاّ نغفل عنه في شخصية ممدوح عدوان وعمله, أقصد كونه مثقفاً عضوياً ملتحماً بالواقع من حوله, بأهل قريته قيرون ومنطقته مصياف. ولعل مشهد أهل قريته ومنطقته في تشييع جثمانه يدل على تلك العضوية والاتصال الحميم بمسقط رأسه. رجال ونساء البلدة خرجوا من بيوتهم ليودعوا الجثمان في يوم قارس البرد. أطفال المدارس اصطفوا هم أيضاً رافعين أيديهم بالتحية لابن بلدتهم الذي أدخل في قاموس الشعرية العربية أسماء: مرتفعات دير ماما, وقيرون, ومصياف, حتى إنني سمعت امرأة تقول أثناء تشييع جثمان ممدوح إنه انتشل تلك المنطقة من النسيان وسلط ضوءاً قوياً عليها في شعره. لقد كان بالفعل كاتباً عضوياً, بشهادة أصدقائه وأهل بلدته. كان كاتباً محباً للحياة, لكن ذلك لم يمنعه من الانقطاع, بكل جسده وروحه, للكتابة والإنجاز الثقافي.

حول جبلة وقصّابين والشاطئ وحقوق الإنسان في سورية

٢٠٠٥-٠١-١٣
حول جبلة وقصّابين والشاطئ وحقوق الإنسان في سورية
أدونيس الحياة 2005/01/13
تحية - رسالة الى أنطون مقدسي، وميشيل كيلو، وفايز ساره
- 1-
اعتدتُ، منذ أن تيسَّر لي الأمر، أي منذ فترة قريبة، أن أقومَ كلّ سنة في الصيف بزيارة الى قصابين، القرية التي ولدتُ فيها. أقول: «منذ فترة قريبة»، لأنّ هذه الزيارة لم تكن ممكنة بسبب من الأوضاع الشخصية والعامة. فقد بقيت مُبعداً عن سورية عشرين سنة كاملة لم تطأها قدماي (1956 - 1976)، ثم أضيفت الى هذه السنوات، سنوات الحرب الأهلية في لبنان، حيث اضطررت للسفر الى باريس والإقامة فيها.
زرت قصّابين، هذه السنة، مبكراً، في الشتاء، لكي أشاركَ الأخوة والعائلة جميعاً في إقامة احتفال لمناسبة مرور مئة سنة على ولادة أمي، واستقبال عامها الأول بعد المئة. وقد فوجئتُ برفضها الفكرة كلياً. ولم أشأ أن أسألها عن سبب هذا الرفض، احتراماً لرغباتها وأسرارها.
ربما رأت في هذا الاحتفال، بفعل حكمتها القروية نوعاً من الوداع الصاخب، لا تريده. كأنها تُحبّ أن تذهب الى الموت، أو يأتي اليها، في صمتٍ كاملٍ يكون استمراراً لصمتها هي، ولصمت أيامها.
- 2 -
يبلغ طول الطريق الساحلية بين بيروت وقصّابين حوالى مئتي كيلومتر. نقطة الحدود اللبنانية - السورية، العريضة، هي منتصف الطريق تقريباً. الحدود، جغرافية أو إنسانية، مادية أو معنوية، سجونٌ أخرى. وليس بيننا، نحن العرب، للمناسبة، غير الحدود.
- 3 -
على امتداد الشاطئ السوري، لا يكاد الزائر أن يرى إلا صحراء من البيوت البلاستيكية، خصوصاً بين طرطوس وبانياس. «ذروةٌ» في البشاعة. يحلّ البلاستيك محلَّ البحر، والجبال، والحقول. محلّ الشمس والفضاء. هكذا لا يضربُ البصر وحده، وإنما يضرب كذلك البصيرة. إنها صحراءُ تخنق البيئة (التي نتغنّى بها!) وتسمّم الطبيعة (التي نعشقها!)، وهي إضافةً الى ذلك، تدبيرٌ خاصٌّ ليس إلاّ نوعاً من الفن في قتل الإنسان نفسه قتلاً بطيئاً.
كدتُ أن أسمع شهقات الحقول، وكدت أن أرى الشجر يبكي، في صحراء هذه «الجيوش» البلاستيكية الزاحفة.
أليس هذا «غزْواً» لأحشاء الطبيعة والأرض، ولـ«تدميرها» من داخل؟ ولقد خُيّل إليَّ، فيما أنظر الى هذا «الغزو» الفاتك الذي يُسَرْطنُ قلب هذه الأرض - الأمّ، ان أصحاب هذه «الجيوش» - هذه البيوت البلاستيكية، لو استطاعوا أن يلتهموا الأرض بما عليها ومن عليها، لما ترددوا.
إن الاستهزاء بالأرض، (كمثل الاستهزاء بالإنسان): إبادةٌ لما فيها من البراءة، والجمال، والقوة، وتحويلها الى مجرّد آلة للانتاج السريع، انتاج ثمارٍ وخضارٍ لا طعم لها ولا فائدة، غير الاتجار والربح.
إنه فَنُّ تلويث الهواء الذي نتنشقه، والماء الذي نشربه، والجمال الذي نراه، والثمار والخضار التي نعيش عليها. إنه، باختصارٍ، فنّ قتل الطبيعة، بعد الفن الذي برعنا به، شأن شعوب كثيرة، فنّ قتل الانسان.
كل شيء على هذا الشاطئ العريق الفريد ركامٌ من البلاستيك. كأنّ فيه ما ينذر بأن البشر أنفسهم يكادون أن يتفتتوا الى قطعٍ من «البلاستيك الاجتماعي»، تتناثر في الفراغ.
- 3 -
جبلة - بلدة يمكن وصف حيّها القديم بأنه بين أجمل الأحياء القديمة في المدن المتوسطية ويمكن وصف مَسْرحها الذي يعود، في شكله الأخير، الى العصر الروماني، بأنه بين أجمل المسارح الرومانية في حوض المتوسط. لكنه، على مدى السنوات التي تفصلنا عن تاريخ بنائه، تهدّم وهُدّم، وخُرّب، ولا يزال خُرْبةً!
أما الحيّ القديم فساحةٌ لاستقبال النفايات من كل نوع!
أولو الأمر، وأعوانهم المثقفون، لا يكرزون إلا بتكفير البشر الذين يحيدون عن التراث. غير أنهم لا يفعلون، هم أنفسهم، إلا الاستهتار بهذا التراث أي هدمه، على النحو الأكثر تنظيماً - لا التراث السومري، البابلي، الفينيقي وحده، وإنما كذلك التراث البيزنطي، والتراث العربي.
وكيف يحدث أن النظافة هي من تعاليم الدين الذي يؤمن به سكان جبلة، ولا يُعنى بها أيٌّ منهم؟ وهل يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً حقاً إذا لم يكن «نظيفاً» حقاً؟
- 4 -
كورنيش جبلة جميلٌ، خصوصاً أنه لا يزال قريباً الى الطبيعة، إضافةً الى غناه التاريخي بمآثر الأسلاف وبقاياهم المحفورة في الصخر.
ينقسم الى قسمين: شمالي وجنوبي. الحجاب هو العلامة الفارقة بينهما. نقطة «الحدود». للجنوب الحجاب. للشمال السّفور. أحياناً يحدث «تسلّلٌ» - اختراقٌ، وتمازجٌ، لكن من جهة الجنوب.
لا شكّ أن وراء الحجاب جمالاً. غير أنّنا مضطرون الى الاكتفاء بتخيّله. ونتمنى أن يسفر لتزداد الحياة جمالاً.
هكذا يستأثِرُ السّفورُ بحضور الجمال الطالع من الشمال. ويستأثِرُ الكورنيش، ويستأثر رعاةُ النجوم، وصيادو الشمس والقمر. خصوصاً أن المرأة الوافدة من قرى الشمال تحمل في جسدها الينابيع والجبال وكثيراً من خصائص الأودية والغابات. وتحمل تفتحات البراعم، وتحمل بهاء الفضاء، وشهوة الأرض.
- 5 -
«جمعية العاديات» (الآثار) في جبلة: أمّ أيهم، طه، جهاد، بدر، فايز، أحمد... وأصدقاؤهم، «عُمّالٌ» - يدورون كمثل الكواكب في فلك هذه المدينة. يحاولون تحريكها في اتجاه الفرح والحب والصداقة، أملاً في أن تنخرط كلها في العمل المبدع. بدأوا، تحقيقاً لهذا كله، عملاً متواضعاً، لكنه ذو دلالة عالية: إقامة مهرجانٍ سنويّ في الأسبوع الأخير من تموز (يوليو). مهرجانهم التأسيسي الأول، في السنة الماضية، نجح بشكلٍ باهرٍ. ومن المؤكد أنه سيكون هذه السّنة أكثر نجاحاً.
- 6 -
في أي لقاء مع السوريين، عُمالاً وفلاحين، كتّاباً ومفكرين، أطباء ومهندسين، معلمين وأساتذة جامعيين، إعلاميين وصحافيين، نساء ورجالاً، تبدو ملامح كثيرة تدل على التفوق والتفرّد، وتشير الى توقهم المتلهف للخلاص من الظلم، ولسيادة القانون والعدالة وحقوق الإنسان وحرياته. ولا يُخفي أحدٌ منهم استنكاره الكبير، الغاضب لهيمنة الفساد. فهو من الحضور الساحق، على كل مستوى، حتى ليبدو أنه القاعدة، وأنه ماء الحياة اليومية وهواؤها.
وفي هذا الإطار، وعلى هذا المستوى الإنساني - الاجتماعي - الأخلاقي، قَلّما ترى شخصاً غير مُعارضٍ لواقع الحياة اليومية. وهذا دليل صحة وحيوية. فالمعارضات في المجتمعات المتقدمة هي المحرّك الأساس لمزيد من التقدم. وغياب المعارضة في المجتمعات المتخلفة كمثل مجتمعاتنا العربية، دليل موتٍ مزدوج: موت السياسة على مستوى النظام، وموت الحركية الخلاّقة على مستوى الحياة الاجتماعية. فالمجتمع الذي لا معارضة فيه، سياسية وفكرية، على الأخصّ، مجتمعٌ لا حياة فيه. مجتمعٌ - مقبرة.
وهذا مما يفرض على المعارضة مسؤولية سياسية وأخلاقية عالية، تميّزها عن النظام الذي تعارضه، بحيث لا يصحّ، في أي حال، أن تقوم المعارضة بممارسات تقوم بها السلطة التي تعارضها. ذلك أن أبسط المبادئ التي تقوم عليها المعارضة في أي مجتمع هي التفكير والسلوك بطرقٍ أكثر فاعليةً ونزاهةً وعدالةً في إدارة شؤون المجتمع، وفي احترام الإنسان وحقوقه - من أجل تحقيق حياة أكثر جمالاً، وأوسع حرية. من دون ذلك، لا تكون المعارضة إلا امتداداً لأهل النظام - أعني طرفاً آخر في صراع المصالح والأغراض والمنافع.
ما الفرق، مثلاً، بين أن يضعك النظام في السجن لأنك مُعارضٌ له، وأن تتهمك المعارضة بأنك عميل لهذا النظام أو خائنٌ أو طائفيٌّ على الرغم من جميع ما أنزله بك هذا النظام نفسه؟ إن مثل هذا الاتهام أشدّ هَوْلاً، وأكثر استهتاراً بالانسان وحقوقه من السجن نفسه. ذلك أن السجن قيدٌ ماديّ محدود، في حين أن هذا الاتهام نوعٌ من «الحصار»، بل إنه نوعٌ من القتل. أفلا تكون المعارضة في مثل هذه الحالة فاتكةً بالانسان وحقوقه كمثل النظام، وربما أشد فتكاً؟
القانون هو، وحده، الذي يحقّ له أن يتهم: هذا مبدأ يجب أن يكون في مرتبة القداسة، عند كل شعب حيّ، حقاً، يحترم نفسه، حقاً. وهو، مع ذلك، مبدأ تدوسه الأقدام يومياً في الحياة العربية - أقدام الأنظمة والمعارضات على السواء. فالشخص، بمصالحه وأهوائه واتجاهاته (أو الحزب) هو الذي يتخذ، عند العرب، صفة القانون، ويُطلق التهم على الآخرين، كما يشاء، ساعة يشاء، باللغة التي يشاء. ويجد الى ذلك، ويا للعار، من يؤيده، ومن يشجعه، ومن ينشره. إنها ظاهرة في الحياة العربية تعكس مدى الانحطاط السياسي، والفكري، وتعكس المدى الذي وصلت اليه هذه الحياة في احتقار الإنسان وحقوقه.
ولماذا لا نُفيد، في سورية خصوصاً، من تجربتها السياسية، منذ خمسينات القرن الماضي، حتى اليوم. فلم يكن «النصر» الكبير الذي يحققه حزب من الأحزاب يقوم على انتشار مبادئه، وتحقق برامجه، وتعميم الوعي في الأوساط الشعبية، بقدر ما كان يقوم على «تخوين» الأحزاب الأخرى، والمطالبة بعزلها ونبذها،أو إبادتها. وهكذا كان لا بُدّ من أن يترتب على ذلك أن أي حزب من هذه الأحزاب التي «يخوّن» بعضها بعضاً، أو «يُشَيطِنُه»، أو «يُعَملِنَهُ»، سيكون حين يصل الى السلطة، بالضرورة، حزباً أوحد، لا يُفسح أي مجال للمعارضة - إلا بوصفها «ديكوراً» في بيت السلطة.
إن الحق في المعارضة يجب أن يكون مسألة بنائية تأسيسية تقوم في أساس الممارسة السياسية، وفي أساس الرؤية السياسية - الفكرية، عند جميع الذين يؤمنون بالديموقراطية والتعددية والتنوع، وبالانسان وحقوقه وحرياته. وما يمارسه، اليوم، بعض «المدافعين عن حقوق الإنسان» في سورية خصوصاً، والبلدان العربية، بعامة، من «تخوين» أو شَيْطنة» لكل مختلف عنهم في الرأي أو النهج أو غير تابع، إنما هو متابعة وترسيخ لذلك الخطأ التأسيسي، وتوكيدٌ وتسويغٌ لممارسات الإقصاء والإلغاء والتهميش التي تقوم بها الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية كلها. وأسأل هنا: ما الفرق، إذاً، بين الحاكم والمعارض؟ وعلى هذا المستوى، تحتاج الحياة السياسية العربية برمتها، يميناً ووسطاً ويساراً، وبخاصة في سورية والعراق، الى نقد ذاتي جذري وشامل، لكي تسترد هذه الحياة نفسها من جهة، ولكي تستردّ، من جهة ثانية، حيويتها، وفاعليتها، ووجهها الانساني. أقول: بخاصة في سورية والعراق، لأن اليسار فيهما، بمختلف تنويعاته، كان النواة الأولى في إلغاء الديموقراطية والتعددية والتنوع، وتبعاً لذلك، في ازدراء الانسان وحقوقه، وفي ازدراء الحريات. كان بتعبير آخر النواة الأولى في التأسيس لنوعٍ من «الوحدانية»، ضد الحرية، وضد العقل والفكر، وضد الانسان: «وحدانية» لا شيء فيها غير الطغيان.
أحبّ هنا أن أعطي مثالاً حديث العهد. وأعتذر لأنه يتعلق بي. غير انني آثرت أن أقدّم مثلاً يخصني، أعرفه جيداً، على أن أقدّم مثلاً آخر عن شخص آخر، لا أعرفه جيداً. ولست أقدمه هنا لكي أدافع عن نفسي، بل لكي أؤكد ما ذهبت اليه في كلامي على المعارضة، توكيداً على ضرورتها، واحتراماً لها. فقد وزّع الفرع السوري لمنظمة حقوق الانسان (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان - فرع «المنظمة» في سورية) - أقول وزّع بياناً في الانترنت يقوم على مبدأ «تَسويد» صفحة شخص معين اسمه أدونيس. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، أباح كتّاب هذا البيان لأنفسهم أن يستخدموا جميع الوسائل: التزوير، والافتراء، والكذب الصُّراح. كلّ ذلك باسم الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية، وباسم المعارضة في سورية كذلك.
والحّق أن الدفاع عن حقوق الانسان مهمة نبيلة، بامتياز. وهي، من أجل ذلك، مسؤولية ضخمة، تبدأ بالنزاهة والدقة ومعرفة الحقيقة. وإلا تحوّلت الى دفاع عن فريق، وافتراء على فريق آخر، بحيث يبدو هذا الدفاع «قتلاً» لآخر، و«إحياء» لآخر. يقدّم «الخير» بيد، و«الشرّ» باليد الثانية. دفاعٌ أعمى، وغير إنساني، وخارج العالم الذي تنهض عليه مبادئ حقوق الإنسان.
وأسارع الى القول إن الخطوة التي قام بها أصحاب هذا البيان بالكتابة الى الأكاديمية السويدية لحجب الجائزة عن أدونيس لا تعنيني إطلاقاً. إنها شأن خاص بين المرسل والمتلقي. وأعرف أن أشخاصاً عرباً كثيرين تبرعوا بمثل هذه الكتابة الى هذه الأكاديمية، وهي كتابة مليئة هي كذلك بالتزوير والافتراء، وتدعو الى الرثاء.
بماذا يتمثل هذا التزوير وهذا الافتراء عند أصحاب هذا البيان؟ إنهما يتمثلان في ما ينسبونه لي، على نحوٍ باطلٍ كلياً. فهم ينسبون إليّ ما يلي:
1 - عدم التوقيع على «عريضة دولية تطالب بإطلاق سراح البروفسور عارف دليلة».
2 - «مديح آية الله الخميني ونظام الملالي» (هكذا حرفياً).
3 - «الموقف المخزي من الفتوى التي أصدرها الخميني بقتل سلمان رشدي (هكذا، أيضاً، حرفياً).
4 - «رفض المساهمة في الحملة الدولية التي أطلقها أواسط التسعينات عدد من المثقفين والفنانين العرب، ومن أنحاء العالم الأخرى، لإطلاق سراح الشاعر السوري فرج بيرقدار» (هكذا أيضاً، حرفياً).
5 - «العلاقة السياسية والطائفية المشبوهة مع أركان النظام السوري، وبشكل خاص بعض ضباط مخابراته» (هكذا أيضاً، حرفياً).
6 - «رفض اتخاذ أي موقف من اعتقال رموز حركة «ربيع دمشق من المثقفين المطالبين بالديموقراطية واحترام حقوق الإنسان» (هكذا، أيضاً، حرفياً).
تكراراً، ليس في هذه الأمور الستة إلا التزوير والافتراء اضافة الى الجهل. وما يشار اليه في هذه الأمور يُكرر على نحو ممجوج منذ أكثر من ربع قرن، حتى انني أكاد أن أشفق على المكررين متسائلاً: أين المخيلة عندهم، ولماذا لا يخترعون قضايا أخرى؟
وأكرر انني أقدم هذا المثل، دفاعاً عن الحق في المعارضة وعن ضرورتها، لا دفاعاً عن نفسي، واحتراماً للحقيقة وللقارئ، وللمعارضة في سورية.
أولاً - لم يكلمني أحدٌ إطلاقاً عن هذه العريضة الخاصة بالاستاذ عارف دليلة. ولم يتصل بي أحدٌ، إطلاقاً. ولو عُرضت عليّ، لكنتُ أوّل من يوقعها. ثم إن شخصاً يوقع على بيان الـ99 لا يمكن أن يتردد في توقيع عريضة كهذه.
ثانياً - هذه القصيدة - الخرافة لم يقرأها أصحاب هذا البيان، ولم يقرأها جميع الذين تكلموا عليها قراءة صحيحة، وإنما قرأوا «مواقفهم»، من صاحبها - الشخص، ومن الثورة الايرانية. أما هي، بوصفها نصاً فقد غابت عنهم.
والدليل واضح: يقولون انها في «مدح الخميني والملالي»، وهي لا تقول كلمة واحدة عن الخميني - الشخص، ولا عن الملالي. وهي تدور، جوهرياً، على العلاقة بين «الغرب» و«الشرق». هذه المقطوعة (ولا أسميها قصيدة) إنما هي لحظة من الحماسة مرتبطة حصراً بظاهرة الثورة الايرانية، الفريدة بين ثورات الشعوب. كما أرى: غير عنفية، وغير طبقية. غير أنني، مع ذلك، انتقدت مباشرة قيام هذه الثورة على الدين، وحذَّرت على نحو خاصّ ممن سميتُه بـ«الفقيه العسكري». وهو ما نراه، اليوم، بتنويعات مختلفة.
وأدعو أصحاب هذا البيان، إذا كانت الحقيقة تهمهم الى قراءة ما كتبته في هذا الصدد، منذ قيام الثورة الإيرانية، وهو منشور في الجزء الرابع من «الثابت والمتحــول»، وفي معــظم كتــبي اللاحـــقة.
ثالثاً - لا يجهل أحدٌ، إلا أصحاب هذا البيان، انني أعرف سلمان رشدي شخصياً، وانني كنت بين أوائل الذين دافعوا عنه. وكنت أول من ترجم دفاعه البديع العميق عن نفسه وعلاقته بالإسلام لنشره في مجلة «مواقف». وكان الوضع آنذاك في لبنان يحول، جذرياً، دون إمكان نشره. فقد رفض عمّال المطبعة أنفسهم أن ينضّدوه! وقال لي صاحب المطبعة: إذا «جاؤوا» ونسفوا لي المطبعة، وقتلوا عمّالها، فماذا يمكنك أن تقدّم لي؟
رابعاً - طلب مرة مني في باريس أن أوقع على عريضة تطالب بالإفراج عن «الشاعر فرج بيرقدار». قلت لمن طلب توقيعي:
- لا أعرف شاعراً اسمه فرج بيرقدار.
- استخدمنا هذه الصفة لكي نحقق أكبر قَدْرٍ ممكن من المساندة والدعم، من الكتّاب والشعراء في الغرب.
- لكننا لا نحتاج الى هذه الصفة. وعلينا أن ندافع عنه بوصفه معتقلاً، أياً كان. يجب علينا هنا أن نتجنب كلياً فوضى المعايير، التي اعتدنا عليها في بلداننا العربية. وهي فوضى شاعت مع الحركات السياسية، و«الثورات»، فمنح كثير من المناضلين صفات وألقاباً شعرية وفنية، بقوة النضال لا بقوة الشعر أو الفن.
لهذا السبب لم أوقّع على هذه العريضة. وليس لأنني لا أدافع عن المعتقلين السياسيين في سورية.
تذكرني قصة فرج بيرقدار الذي أحترم نضاله كثيراً، بقصة أخرى تعود الى سبعينات القرن المنصرم. كنت في موسكو بدعوة خاصة، وفي أثناء حديث مع بعض الكتاب والشعراء هناك، سُئلت عن شاعر دمشقي يعيش في موسكو يوصف بين عارفيه من الحزبيين بأنه ماياكوفسكي العرب، (هكذا، أيضاً وأيضاً، حرفياً). صُدمت حتى الذهول. وبسبب من هذه الصدمة، لا أزال أذكر اسمه حتى الآن: أيمن أبو شعر.
قلت للحضور إنني لا أعرف شاعراً دمشقياً بهذا الاسم. لم أقرأ له بالعربية أية قصيدة. هل يكتب بالروسية؟
- لا. يكتب بالعربية.
- الفُصحى أو الدارجة؟
- الفُصحى.
- آسف، لا أعرفه.
تذكرني هذه القصة كذلك بالإشارة الى أسماء كثيرة خلعت عليها «آلة النضال» اليميني واليساري، صفة الشاعر - آلة الثورة الجزائرية، وآلة الثورة الناصرية، وآلة الثورة الفلسطينية، وآلة الثورة العراقية - الصدّاميّة، خصوصاً في مهرجاناته المربدية، وفي حربه «العربية» ضد «الفرس».
تذكّرني كذلك باتحادات الكتّاب العرب التي تضم أعداداً من الشعراء قد تتجاوز أعداد الشعراء في العالم كله.
- 7 -
أترفّع عن الخوض في ذلك الباقي من هذه الأمور المزوّرة المفتراة. وأقول لأصحابها: سامحتكم المعارضة، وسامحتكم حقوق الإنسان.
- 8 -
أعود الى جبلة.
مدينة جبلة واحدة، إدارة وسياسة. لكن ما أكثر المدن التي تتقاطع داخلها وتتنابذ. مدينة الزمن الأفقي الذي ليس إلا تراكماً. مدينة الزمن العمودي الذي يخترق الأنقاض والتراكمات ويتخطاها. مدينة المعتقدات المتناقضة المتصارعة في صمت كأنه صمت السيف أو صمت القبر. مدينة الحجاب. مدينة السفور. مدينة الصورة التي لا تكفّ عن التأوّه بحثاً عن معنى. مدينة الذاكرة التي لا تتذكّر إلاّ مَحْوَ الآخر. مدينة الحاضر الذي ليس إلاّ خِرَقاً ممزقةً مِن عباءة الماضي.
- 9 -
يعيش محروماً من الحب والشعر والفكر.
- ماذا يفعل؟
- ينذر حياته للحقد والكراهية و«الانتقام».
- ممن ينتقم؟
- من كلّ شخصٍ تمتلئ حياته بالحب والشعر والفكر.
- 01 -
الحاسّة بيت الروح.
عندما تتَوَلَّهُ الحاسَّةُ تتحوّل الروح الى جسد.
أدونيس ووالدته في قريته قصابين.

في تلازم التغيير الديموقراطي في سوريا و لبنان

٢٠٠٥-٠١-١٢
في تلازم التغيير الديموقراطي في سوريا و لبنان
محمد علي الأتاسي
منذ القرار الخاطئ بالتمديد للرئيس اللبناني إميل لحود، راحت ترتفع أصوات العديد من حلفاء سوريا التقليديين في لبنان، بدءاً من وليد جنبلاط وصولاً إلى سليم الحص، مطالبةً القيادة السورية بوقف تدخل أجهزة الأمن والمخابرات في الشؤون الداخلية اللبنانية وفي إدارة ملف العلاقات السورية - اللبنانية. ويكاد هذا المطلب أن يكون في مقدم أولويات العديد من الأطراف اللبنانيين، مضافاً إليه مطالب أخرى تراوح بين تصحيح الخلل في العلاقات السورية - اللبنانية مروراً بتطبيق إتفاق الطائف وإعادة انتشار القوات السورية إلى سهل البقاع، وصولا إلى المطالبة بانسحاب القوات السورية الكامل من الأراضي اللبنانية كما ينص على ذلك القرار الدولي رقم 1559.
لقد بات مطلب حصر عمل أجهزة الأمن في إطار اختصاصها يتصدر خطاب العديد من السياسيين اللبنانيين الذين لم يعرف عنهم في السابق معاداة النظام الحاكم في سوريا. وهذا في ذاته إذا دل على شيء فعلى المدى المتفاقم الذي بلغه التدخل الأمني في إدارة ملف العلاقات السورية - اللبنانية الذي كان من المفترض أن يظل نظرياً في مجال اختصاص المجلس الأعلى المشترك والمؤسسات الحكومية المعنية في كلا الدولتين. لكن، لا اتفاق الطائف ولا معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق ولا وصول أصدقاء سوريا الى سدة الحكم في لبنان ولا مرور عقد ونصف عقد من السلم الأهلي، سمحت بتغيير طريقة التعامل الأمني السوري مع الملف اللبناني. وإذا كانت هذه الطريقة قد سمحت في السابق للسلطة السورية بأن تتجاوز تحديات دقيقة اعترضتها خلال العقود الثلاثة التي مضت على وجودها في لبنان، فإن تبدل الظروف الدولية والإقليمية وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني وترسخ السلم الأهلي في لبنان وتوق الكثير من اللبنانيين إلى رفع الوصاية السورية عنهم وتبديل الطبقة الحاكمة في بلدهم، هذا كله، وغيره كثير، كان من المفترض أن يدفع بالسلطة السورية إلى إعادة النظر في طريقة تعاملها مع الشأن اللبناني لجهة فك قبضتها الأمنية والعسكرية عن هذا البلد، وتمكينه من حكم نفسه بنفسه في ظل مناخ من التعاون والتنسيق والأخوة بين البلدين. لكنها بدلا من أن تفعل ذلك، زادت من اعتمادها على المنطق الأمني في إدارة الشأن اللبناني وصولا إلى قرار التمديد للرئيس لحود، والذي تم فيه الضرب بعرض الحائط حتى بآراء العديد من حلفاء سوريا المقربين وفي مقدمهم السيد رفيق الحريري. وكانت النتيجة صدور القرار 1559 وزيادة عزلة سوريا الدولية وجعلها عرضه للمزيد من الضغوط والإضعاف.
المنطق الأمني
قد يسأل المرء عن السبب الذي دفع بالسلطة السورية خلال السنوات الأخيرة إلى الإحجام عن تعديل طريقة إدارتها لملف العلاقات السورية - اللبنانية، وخصوصا عندما كان متاحاً لها فعل ذلك في ظل شروط أفضل بكثير من الشروط الحالية، مثلما كانت عليه الحال في الفترة التي أعقبت انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب ونجاح حليفها الأوثق، "حزب الله"، في الحفاظ على السلم الأهلي ومنعه عمليات الثأر وتصفية الحسابات التي اعتدنا عليها خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
كان من المفترض أن يدرك رجل القرار السوري التبدلات التي طرأت على الخريطة الجيو - سياسية للمنطقة وإعادة رسم خياراته الإستراتيجية وفقا لهذه التبدلات. كان عليه الاقتناع بأنه بات من المستحيل الاستمرار في إدارة الشأن اللبناني وفقا للمنطق الأمني المحض. كان عليه الرضوخ لضرورة تجديد دماء الطبقة السياسية اللبنانية وفقا لرغبات الشعب اللبناني، بدلا من أن يحاول تأبيد حكم الطبقة السياسية التابعة له في لبنان. لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل تم تفويت الفرصة تلو الأخرى وصولا إلى الإحتلال الأميركي للعراق وما أعقبه من انكشاف سوري كامل على الضغوط الدولية وانقلاب في موقف الحليف الفرنسي السابق.
المراوحة والجمود في ملف الإدارة السورية للشأن اللبناني، لا نجد مكافئاً لهما إلا في الكيفية التي تتعامل بها السلطة السورية مع الشأن الداخلي السوري. إذ نجد أنفسنا أمام المراوحة والجمود نفسيهما في مواجهة المطالب الديموقراطية الداعية إلى فك القبضة الأمنية عن المجتمع السوري، والمضي قدماً في مسار الانفتاح والإصلاح السياسي وطي صفحة الماضي.
فالمنطق الأمني الذي يرفض الاحتكام إلى صندوق الانتخاب في البلدين، ويتحسس من مظاهر الاستقلالية والاختلاف، ويفضل أبواق الإستزلام والتبعية والتدجين على الأصوات الحرة والصادقة والمسؤولة في البلدين، لا يقف عقبة فقط في وجه تصحيح العلاقات السورية - اللبنانية، ولكنه يقف أيضا عقبة كأداء في وجه كل إصلاحات سياسية حقيقية في الداخل السوري. ومن هنا فإن أي استجابة سورية للمطالبة اللبنانية بإخراج العلاقات السورية - اللبنانية من المنظور الأمني، يعني عملياً إعادة النظر في مكانة هذا المنظور في بنية السلطة السورية، وبالتالي في الدور الذي يؤديه في الداخل السوري أيضا. ومن هنا تنبع صعوبة قرار كهذا.
تلازم المسارين
قد يفترض بعض الفرقاء اللبنانيين، أنه سيكون من الممكن للبنان ديموقراطي مشتهى - فور الانسحاب السوري - أن يعيش بسلام وأمان إلى جانب سوريا مكبلة بقيود الديكتاتورية. فإذا وضعنا جانبا أصحاب هذه الطرح المهللين للعم سام والحالمين بفك كل أشكال الترابط والتشابك بين البلدين - إذ لا فائدة ترتجى من الحوار معهم، فهم كانوا وسيبقون موضوعياً معادين لكل ما هو سوري -، فإن هناك في المقابل أطرافا لبنانيين آخرين من الذين يقولون بعروبة لبنان، لكنهم مع ذلك لا يجدون غضاضة من تعايش لبنان إلى جانب سوريا، كتعايش الصين وهونغ كونغ، على ما ذهب إليه النائب وليد جنبلاط في برنامج "كلام الناس" الذي استضافه بتاريخ 23\9\2004 على القناة الفضائية اللبنانية LBC. فعندما سأله مقدم البرنامج رأيه في "ربيع دمشق" والحراك الديموقراطي السوري أجاب جنبلاط بالآتي: "ما شغلتي الأوضاع الداخلية السورية مثل ما منطلب منهم إحترام نظامنا علينا أن نحترم أوضاعهم الداخلية". وأشار جنبلاط في المقابلة نفسها إلى أن لكل نظام حيثياته ومتطلباته وأنه يمكنهما أن "يتعايشا كما تعايشت الصين وهونغ كونغ" وأضاف أن "من غير اللائق لسوريا ولا للبنانيين أن تكون العلاقة بين البلدين محصورة في المنظار الأمني. نستطيع أن نبني علاقات من دولة الى دولة ومن حكومة الى حكومة، من خلال المجلس الأعلى (اللبناني - السوري)، ومن خلال احترام المؤسسات".
يمكن أن نفهم وفق أي منطق يتحرك الخطاب الجنبلاطي ضمن حقول الألغام المحيطة به من كل صوب. لكن يا ترى من أجل الوصول إلى علاقات من دولة الى دولة ومن حكومة إلى حكومة ومن خلال احترام المؤسسات، ألا يجب أن نخرج من معادلة الصين وهونغ كونغ، نحو فضاء أرحب وأكثر حرية؟ ومن ثم كيف يمكن الدولة السورية أن تقبل بقيام علاقات من دولة إلى دولة ومن خلال إحترام المؤسسات، إذا بقي المنظور الأمني مسيطراً على بنية الدولة السورية تجاه شعبها كما تجاه لبنان؟ ومن قال إن في قبول السياسيين اللبنانيين إبداء الرأي في حراك "ربيع دمشق" تدخلاً في الأوضاع الداخلية السورية؟ أليس في ذلك استرجاع لمعنى العروبة المتنورة الذي آمن به الراحل الكبير كمال جنبلاط، عندما تحدث عن السجن السوري الكبير ودعا علنا إلى أن تسلك سوريا سبيل الديموقراطية السياسية؟
يمكن أصحاب أحلام اليقظة أن يتخيلوا لبنان ديموقراطياً حراً وسيداً، بمعزل عن آفاق عملية الإصلاح السياسي في سوريا. لكننا، للآسف، لا نرى سبيلا للوصول إلى هذا اللبنان المرتجى القابل للاستمرار والازدهار من دون أن يتداخل هذا مع مسار التحول الديموقراطي لدى الجار السوري. لا بل أن قيام مثل هذا اللبنان معناه حتما أن شيئاً ما تغير في الجانب السوري، إلا إذا كان البعض لا يزال يؤمن بإمكان قيام لبنان كهذا على شكل قلعة ديموقراطية معزولة ومحصنة داخل السجن السوري الكبير؟! وهذا في رأينا من سابع المستحيلات، بسبب قدرة الجار السوري على خنق هذه المحاولة من داخل أسوار القلعة ومن خارجها.
إذاً، لا مفر من تلازم مسارَي التغيير الديموقراطي في البلدين، وكل خطوة تخطوها سوريا في اتجاه الإصلاح السياسي، هي في الضرورة خطوة في اتجاه حرية لبنان واستقلاله. أما من يريد أن يضع استقلال لبنان واستعادته سيادته، بالقطيعة مع هموم الشعب السوري وشجونه، بل وفي إطار الشحن والتعبئة العنصريين وتغذية مشاعر العداء والكراهية التي لا يتقن البعض في لبنان سوى ممارستها كفعل سياسي، فإن فعله هذا يسي إلى قضية إستقلال لبنان بقدر إساءته إلى الهم الديموقراطي المشترك بين الشعبين.
المخرج الديموقراطي
إذا قبلنا بالرأي القائل بأن منطقتنا اليوم مستهدفة في استقرارها وفي أمن شعوبها، قبل أن تكون مستهدفة في أنظمتها الحاكمة، فإن الطريق الأنجع والأمضى في مواجهة هذه التحديات، هو في إعطاء هذه الشعوب حقوقها الأساسية ليس فقط لتدافع عن أوطانها في مواجهة التهديدات الخارجية، ولكن لتستطيع أن تعيش حياة كريمة ولائقة داخل أوطانها الحرة المستقلة. لقد انتهت عملياً صلاحية الحل السلطوي القمعي في صيانة الأوطان رغم أن هذا الحل لا يزال يملك القدرة على المماطلة والمناورة، عدا أن هذه المناورة لن تكون في النهاية إلا في صالح المزيد من الضغوط الأميركية وفي صالح المزيد من إضعاف البنيتين السورية واللبنانية في مواجهة هذه الضغوط.
ترى، ماذا ينتظر حكامنا للخروج من المنظور الأمني المهيمن في سوريا كما في لبنان؟ ألم يسمعوا ويقرأوا تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش لمراسلة صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية في واشنطن والتي قال فيها: "إن سوريا بلد ضعيف جدا لذلك يستحيل الاعتماد عليها. يتحتم على الأسد الآن الانتظار. السلام أولاً بين إسرائيل وفلسطين، ومن ثم سنرى ما سنفعله مع سوريا". ترى هل من المعقول أن ننتظر المزيد من الضعف والمزيد من التآكل والمزيد من التنازلات والمزيد من العقوبات الدولية حتى يقرر جورج بوش ما الذي يفعله في شأننا، أم أن الأوان قد آن، لتمكين شعوبنا من أخذ مصيرها بيدها، ولإيجاد مخرج مشرّف للوجود السوري في لبنان؟
سيؤدي المخرج الديموقراطي إلى بناء العلاقات السورية - اللبنانية على أسس أكثر تكافوءاً وندية، وسيؤدي في النهاية إلى تبديل في بنية السلطات الحاكمة في كلا البلدين، لكن هذا التبديل لن يأتي بين ليلة وضحاها، ولن يمحو كل ما سبقه، ولن يغرق البلاد في حمامات الدم، كما يفعل التغيير الآتي على ظهور الدبابات الأميركية. وعلينا أن نتأمل ملياً في النموذج التركي الجاري بناؤه أمام أعيننا، ليس فقط لجهة التبديل والتجديد في دماء النخبة الحاكمة بعيداً عن العنف والثأر، ولكن أيضا لجهة قدرة الحكومة المنتخبة ديموقراطياً على المناورة الأوسع في مواجهة الضغوطالأميركية.
إن طريق الإصلاح الديموقراطي طويل وشاق، لكن مدخله بات واضحا، ومن العبث إطالة الإنتظار على مشارفه، لأن معنى ذلك المزيد من التدهور والضعف والإحتقان. وعلى القوى الديموقراطية في كلا البلدين، سوريا ولبنان، أن تعي تلازم مساري الإصلاح وأن تضع حداً لكل المظاهر الشوفينية الضيقية في صفوفها والتي تسيء أبشع إساءة لصورة كل طرف لدى الطرف الآخر، وتبث بذور التفرقة والكراهية في ما بينهما.
العالم يتغير بسرعة من حولنا، وإذا كنا لا نزال نمانع في أن نتغير بإرادتنا، فمعنى ذلك أن كل شيء يمكن أن يتغير فجأة ولكن بمعزل عن هذه الإرادة. والسؤال هو: ألم يحن الوقت لأن تتنازل السلطة أمام مطالب شعبها بدلا من أن تضطر للتنازل أمام هيمنة الأجنبي؟ ألم تدق ساعة الحقيقة من أجل إنهاء نظام الوصاية السوري على لبنان؟
خسارة بعض المكاسب السلطوية، في سوريا كما في لبنان، لا تعني شيئاً أمام خسارة أوطان بأكملها.
670 ملحق " النهار " العدد
الأحد 9 كانون الثاني 2005

أبو عنتر الشعلان

٢٠٠٥-٠١-١٠

أبو عنتر الشعلان

صبحي حديدي
القدس العربي
2005/01/10
الشعلان واحد من أجمل أحياء العاصمة السورية دمشق، وأشدّها وداعة وحيوية في آن، وأكثرها عراقة وانفراد شخصية، وذلك رغم مساحته المتواضعة. وهو يقع علي الكتف الأيسر لشارع الصالحية الشهير، ويلامس المبني التاريخي للبرلمان السوري، كما يحاذي ساحة النجمة وحديقة السبكي، ولا بدّ أنّ شارع الحمرا الدمشقي ــ النظير الشائه للشارع البيروتي الأشهر ورمز صرعة الاستهلاك التجاري الطفيلي التي اجتاحت سورية أواخر السبعينيات ــ قد بتره الآن نصفين. وباختصار، حيّ الشعلان ينطوي علي تلك المفاتن الدمشقية الفريدة التي جعلت الشاعر السوري الكبير الراحل نزار قباني يهتف:يا دمشق التي تفشّي شذاها تحت جلدي كأنه الزيزفونكلما جئتها أردّ ديوني للجميلات... حاصرتني الديونوالشعلان كان نموذجاً مدهشاً للتعددية السورية في مستوي الأديان والأعراق والجنسيات، وكان المرء يجد الصائغ الأرمني جاراً للتاجر اليهودي أو اللحّام الشامي أو البقّال الإيراني. وفي مطلع السبعينيات، أثناء سنوات الدراسة الجامعية، كنّا نرتاد الشعلان بصفة يومية لسببين: أنّ عدداً كبيراً من زملائنا طلاب الجامعة العرب كانوا يسكنونه لقربه من الجامعة، وأنّ واحداً من أنظف وأرخص مطاعم الطلاب كان يقع هناك (وجبة من ثلاثة أطباق + حبّة فاكهة، مقابل 60 قرشاً سورياً... فقط لا غير!)...غير أنّ للشعلان صفة خاصة، قد لا يعرفها الكثيرون اليوم، وهي أنه كان البقعة الدمشقية التي شهدت بواكير استقرار عشائر الـ رولة في الشام إجمالاً، وفي العاصمة السورية تحديداً. وكان الشيخ نوري بن هزاع بن نايف بن عبد الله بن منيف الشعلان (1848 ـ 1942) قد تقلّد رئاسة عشائر الرولة سنة 1894، وعاصر أكثر من عهد (من العثمانيين إلي الاستقلال، مروراً بالهاشميين والانتداب الفرنسي). وثمة بين المؤرّخين مَن يطعن بعض الشيء في وطنيته، مستنداً علي برقية قيل إنه أرسلها إلي المفوّض السامي الفرنسي وتضمنت استنكاره للثورة السورية الكبري سنة 1925.الثابت تاريخياً، مع ذلك، أنه دخل دمشق صحبة الملك فيصل الأول علي رأس عدد كبير من خيّالة الرولة، ثمّ شارك في الحياة النيابية السورية ممثلاً لعشيرته، ولعب أكثر من دور حساس في حكم السلطان عبد الحميد، والسلطان رشاد، والاتحاديين، وسامي باشا الفاروقي، وجمال باشا السفاح، والملك فيصل، والجنرال الفرنسي غورو. وكان قد اختار دمشق مستقراً له، فرمّم بيتاً قديماً في منطقة الصالحية جعله مضافة آل الشعلان (لعلّها ما تزال قائمة حتي اليوم). وبالطبع، كان لا بدّ أن يجاوره أفراد حاشيته وبعض أبناء عشيرته، فاتسعت الديرة هذه تدريجياً حتي انقلبت إلي حيّ كامل عُرف منذئذ وحتي اليوم باسم الشعلان.... وتخيّلوا مَن يريد اليوم إشعال الحرب في شوارع دمشق، وبينها بالطبع شوارع حيّ الشعلان؟ إبن عشيرة الخزاعل الشعلاني وزير الدفاع العراقي المؤقت حازم الشعلان، أو أبو عنتر كما يحلو لبعض الإخوة العراقيين وصفه بحقّ! سمع العالم كلّه تصريحه الهمجي الذي يقول فيه بالحرف: العين بالعين والسنّ بالسنّ. نملك الوسائل لنقل المعركة من شوارع بغداد إلي شوارع طهران ودمشق ! أهذا وزير دفاع بلد ينوي تغيير شخصية الدولة المارقة السابقة وإعلاء شأن القانون الدولي والديمقراطية؟ أم هو بلطجي خرج من باب نظام صدّام حسين ليدخل من نافذة بول بريمر؟ وما الذي تغيّر، حقاً، في لسانه حين كان واحداً من زبانية العهد السابق، لكي تتغيّر اليوم سجيّة واحدة في نفسه بعد أن انخرط في العهد الجديد؟ومن جانب آخر، مَن يتوقع أبو عنتر هذا أن تكون هوية الذين ستجندلهم المعركة التي يهدد بنقلها إلي شوارع دمشق؟ أيكون بين الضحايا نظيره وزير الدفاع السوري مثلاً؟ أم ضبّاط الأمن السوريون الذي يتهمهم بالوقوف خلف العمليات المسلحة المناهضة للحكومة العراقية المؤقتة؟ أم لعله يريد تأديب البعثيين الصدّاميين الذين يمرحون ويسرحون في مرابع سورية؟ يعلم الشعلان أنه لن يصيب قلامة ظفر من هؤلاء، لأسباب عديدة أبسطها أنهم ــ مثله تماماً! ــ في حرز أمني حصين، وأوضحها أنهم ليسوا البتة جزءاً من حياة الشارع اليومية. وقبل سبع سنوات، أيّام الاستبداد الأكبر، خرج إلي شوارع دمشق دون سواها طلاب وتلامذة سوريون انتزعوا العَلَم الأمريكي من سارية السفارة الأمريكية، وأسقطوه أرضاً، ومزقوه، وأحرقوه. هل يعرف أبو عنتر حازم الشعلان لماذا؟ لكي يهتف الفتي السوري من سويداء قلبه: أوقفوا الحرب ضدّ أطفال العراق ! ولكي تهتف الفتاة السورية: بالروح، بالدم، نفديك يا عراق! ... وأياً كان دور السلطة السورية في ترتيبها آنذاك، فإنّ أية سلطة لم تكن قادرة علي تصنيع الصدق الذي بدا علي الوجوه، وكان بليغاً وجليّاً وكاشفاً في حدّ ذاته. كذلك لم يتجاسر أخلص خلصاء صدّام حسين علي اتهام تلك التظاهرات بالولاء للدكتاتور العراقي. وإذا نفّذ أبو عنتر الشعلان وعيده فإنه لن يجهز إلا علي أمثال هؤلاء وسواهم من المواطنين الأبرياء، أصدقاء العراق الشعب والبلد والحضارة، وبينهم دون ريب عدد من أبناء عمومته الشعلانيين... نسبة إلي الحيّ العريق في أقلّ تقدير!

ركود في سورية وسط تراجع الاصلاحات

٢٠٠٥-٠١-٠٩

ركود في سورية وسط تراجع الاصلاحات

يعتقد بعض السوريين ان الرئيس بشار الاسد نكث بوعوده
وعد الرئيس بشار الاسد بالكثير عندما تسلم السلطة عام 2000، ولكن البعض يقول انه لم يف بهذه الوعود.
ومازالت الحكومة السورية تعتقل المعارضين، ولايزال الاقتصاد الذي تسيطر الحكومة على معظمة راكدا.
وكان الرئيس بشار الاسد يتمتع بشعبية واسعة عندما خلف والده الرئيس الراحل حافظ الاسد، فقد وعد بفتح النظام السياسي والاقتصادي، وافرج عن المئات من المعتقلين السياسيين.
ولكن سرعة التغيير ارعبت اركان النظام الثلاثة: الجيش وحزب البعث والاقلية العلوية، وبدأت السلطات تقمع من جديد المناظرات العامة. والان من يتجرأ على الكلام يواجه احتمال الحبس.
وقال طالب في جامعة دمشق: "حوالي 20 من رجال الامن احاطوا بنا عندما خرجنا من مطعم الجامعة. وبعد ذلك، وضعونا في سيارة كبيرة وقيدوا ايدينا.
ولم يرغب هذا الطالب بالكشف عن هويته للبي بي سي. وقال انه كان يحتج لان زملاءه في الجامعة طردوا لانهم تجرأوا على انتقاد الحكومة لتخليها عن سياستها في ضمان فرض عمل للخريجين.
وقال انه اخذ بعد ذلك الى قسم الامن السياسي.
وقال: "لم يتكلم الي احد لمدة اربعة ايام. كنت في الحبس الانفرادي."
وقال: "في كل مرة كنت اخرج من الزنزانة كنت معصوب العينين. واثناء الاستجواب كانوا يصيحون ويسبون. كانوا يريدون ان يعرفوا ان كنت عضوا في جماعة شيوعية."
ومن بين المحتجين الاخرين سمير نشا، وهو رجل اعمال ونشيط في المجتمع المدني.
وهو يواجه الان ثلاثة احكام بالسجن بعد ان رتب محاضرة في مكتبه عن ضرورة الغاء حالة الطوارىء الذي بدأت قبل اربعين عاما. ووفق هذا النظام يحاكم المدنيون امام محاكم عسكرية.
وقال نشا انه كان يعتقد ان النظام بقيادة بشار سيكون اقل قمعا، ولكنه اصيب بخيبة امل.
وقال: "اعتقدت انه سيفي بوعوده عندما قال ان الديمقراطية تعني ان تكون حرا في ان تخالف."
وقال: "ولكن بعض اشهر قليلة من تسلمه للسلطة، اعيد معظم نشطاء المجتمع المدني الى السجن."
ويبدو واضحا ان الاصلاحات الاقتصادية في سورية بطيئة. ونصف عدد سكان سورية البالغ عدد 18 مليونا تحت سن الـ 19، وهم يشعرون بالتململ: فمعدل البطالة مرتفع، والاقتصاد غير قادر على ايجاد فرص عمل طويلة المدى.
قال مدير احدى شركات الهواتف: "كنا تحقق تقدما الى ان طلعت الحكومة بفكرة مشاركة شركة كورية."
وقال: "اذا كانت أي شركة حكومية او وزارة تريد ان تشتري أي نظام فان عليها ان تذهب الى هذه الشركة الكورية. لماذا لا يسمح لنا باي شكل من اشكال المنافسة؟"
واضاف الرجل انه مستاء من الوضع الراهن، ويشعر بان التغيير ضروري جدا في سورية.
وتعاني سورية ايضا لانها خسرت السوق العراقية عبر الحدود وامكانية الحصول على نفط رخيص الثمن.كما ان الولايات المتحدة هددت بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ضد سورية متهمة اياها بمناصرة الارهاب وبعدم القيام بما يكفي من العمل للحيلولة دون وصول المسلحين الى العراق لمهاجمة قوات التحالف.
قال حسن عايبي الذي فقد ابنه في الحرب العراقية: "كان الناس يشعرون بكثير من الغضب. فالمشايخ في الجوامع كانوا يحثون الناس على الجهاد، لانه اذا قصف العراق اليوم بان دور سورية قادم."
وتسلم ابن السيد حسن جواز سفر للذهاب الى العراق خلال ساعتين، وهو ما استغربه الاب لان الحصول على الجواز يستغرق اسبوعا في العادة.
ولكن وزيرة المغتربين بثينة شعبان قالت لبي بي سي ان الادعاء بان سورية تساعد المسلحين "لا يقوم على اساس على الاطلاق."
وقالت: "حتى لو ان هناك مسلحين يجتازون الحدود الى العراق فانهم يفعلون ذلك دون موافقة الحكومة السورية."
ولكنها اشارت الى ان كثيرا من السوريين عبروا الحدود الى العراق دون اذن من الحكومة السورية.
وقالت: "اعتقد انك يجب ان تكون عربيا او مسلما من ا جل ان تفهم مشاعر الناس عندما بدأت الولايات المتحدة بدخول العراق."
واضافت: "هناك شبان يذهبون الى العراق لانهم متحمسون. وهم غير مدربين، ولا يحملون اسلحة.
وبعضهم يقتل بمجرد الوصول الى الحدود."
ونفت شعبان الاتهامات التي تقول ان الحكومة السورية اعتقلت متظاهرين مسالمين.
وقالت: "هناك اسباب اخرى للاعتقالات. اننا لا نساوم على وحدتنا الوطنية. ففي سورية اقليات كثيرة، وديانات كثيرة. ولذلك نحن لا نسمح بان يعمل أي طرف على احداث شرخ في الوحدة الوطنية التي نشعر بالفخر بها. انها ضرورية جدا لبقائنا كدولة."
وعن احداث فرص عمل جديدة قالت الوزيرة ان "الموضوع بالغ الصعوبة" لان الحكومة في الماضي اعطت الانطباع بان دورها يتمثل في ايجاد فرص عمل للناس.
وقالت: "اننا لا نستطيع ان نلحق بالزيادة السكانية. وعلينا ان تركز على المهم."
BBCArabic.com
http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/arabic/news/newsid_4155000/4155701.stm

الموافقة الأمنية تقطع أرزاق الناس وأعناقهم.. اسرائيل السبب طبعاً


الموافقة الأمنية تقطع أرزاق الناس وأعناقهم.. اسرائيل السبب طبعاً : فراس سعد

بأي حق يتم تقسيم الناس على أساس موال غير موال معارض وغير معارض للوطن للسلطة للدولة بأي حق دستوري أو طبيعي أو إلهي أو.
وكيف يمكن قطع أرزاق الناس بهذه السهولة والمزاجية التي أسمها موافقة أمنية, بل موافقات أمنية خمس أو ست أو عشرون موافقة أو لا موافقة من جهات تنصب نفسها قيمة على البشر والوطن وتعطي لهذا دون ذاك ولذاك دون ذياك, على هوى الهوى والطقس ونشرة الأحوال الجوية, من يعطي الموافقة أو غير الموافقة وعلى أي أساس وأي مبدأ, من خرج بهذه البدعة الأسوأ من محاكم التفتيش الارهابية في القرون الوسطى حيث كان يحاكم من كان ليس مسيحياً كفاية - برأي أعضاء تلك المحاكم- بالموت حرقاً أو شنقاً وحال السوري مع الفروع الأمنية التي تمنح موافقات أمنية كحال من كان ليس مسيحياً كفاية مع محاكم التفتيش في عهود الظلام تلك ترى هل وصل بنا الحال في سورية إلى تلك العهود من الظلام في وضح النهار والعصر العولمي دون أن ندرك ونحن »نايمين على ودانا« بحسب التعبير المصري الشائع.
هل أضع الحق على أميركا التي أذعنت أخيرا لحيلة الأنظمة العربية في مؤتمر المستقبل المنتهية أعماله في المملكة المغربية, وقبلت بمبدأ »الأصلاح من الداخل« فيما يمكن اعتباره إعادة تكيف أميركية مع الأنظمة العربية التقليدية والديكتاتورية ونصف الديكتاتورية بضغط اسرائيلي, اسرائيلي لأن الطرف الاقليمي الوحيد المتضرر من الأصلاحات الحكومية العربية هو اسرائيل لأن ذلك سيفتح عليها أبواباً جديدة لم تكن معتادة عليها. فمن غير المعتاد اسرائيليا خروج حركة مجتمع مدني سورية واحزاب وحركات غير حكومية تطالب وتندد وربما تعمل في اتجاه لا تستطيع اسرائيل هضمه أو ملاحقته أو ضبطه في المستقبل لذلك ندعو حركات وأحزاب سورية لعدم إثارة المخاوف الاسرائيلية, بسبب أن اسرائيل وحدها من يملك القرار في المنطقة ولا سيما الدول المحيطة بها طبعا عبر القوة الأميركية, فما لا ترضى عنه اسرائيل في سورية لن يكتب له الحياة, ومن لا يصدق فليقرأ ما فعلته اسرائيل بالحزب القومي السوري عبر عملائها وعبر بريطانيا وأميركا لدرجة تحريمه نهائيا من سورية الشام التعبير القومي المحبب.
لكن ما علاقة اسرائيل بالموافقة الأمنية?!
لها علاقة يا أخي بل هي السبب قلي كيف?
كيف?
طيب أليست حالة الطوارئ في سورية أعلنت بسبب و حجة الحرب مع اسرائيل ? نعم صحيح!
أليست كل ممارسات الحزب في سورية و الأجهزة الأمنية قائمة على أساس قانون الطوارئ أو قانون اللاقانون? صحيح نعم.
إذاً فبدعة الموافقات الأمنية و سواها من بدع اللاقانون سببها اسرائيل و هي بحاجة لموافقة منها لالغائها, فهل يكون شارون أفندي أحن من قطاع الرزق الذين يفقعونا التقرير وراء الآخر, و هل يكون الحاخام الفلاني في الهيستدروت أحن وأرحم من قطاع الطرق ومانحي صكوك البراءة وبائعي أمتار الفردوس عندنا?
هذا ما سوف نعرفه غداً بعد أن يجف حبر مقررات مؤتمر المستقبل بعد أن يجف جيداً ويتحدد وضع العراق بعد الانتخابات.
بركاتك يا عزمي بشارة
آمين
كاتب وشاعر سوري

"السياسة"

أيام سوداء وسمت مطلع القرن الجديد في دمشق

٢٠٠٥-٠١-٠٧

أيام سوداء وسمت مطلع القرن الجديد في دمشق
أرادوا ربيع دمشق فاختارت السلطة للبلاد الخريف
عارف دليلة - حبيب عيسى - رياض سيف - مأمون الحمصي- فواز تللو - وليد البني
مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية يطالب الحكومة السورية بالإفراج الفوري عن رموز ربيع دمشق و يطالب الهيئات والمؤسسات العربية والدولية لحقوق الإنسان بمساندتنا من أجل العمل والضغط على الحكومة السورية للإفراج عن مناضلي ربيع دمشق الستة باعتبارهم من رموز الإصلاح السياسي والمدني وحقوق الإنسان في سورية.
لقد قام مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية واللجنة العربية لحقوق الإنسان بتبني قضيتهم إذ طالبوا من المقررة الخاصة بنشطاء حقوق الإنسان وفريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان تبني هذه الحالات ونجحنا في ذلك. كذلك تبذل منظمة العفو الدولية جهودا حثيثة من أجل الإفراج عنهم باعتبار اعتقالهم تعسفيا. وقد أصدر اتحاد البرلمانيين الدوليين في جنيف تقريرا خاصا بالنائبين حمصي وسيف واعتقالات رموز ربيع دمشق علما أننا أصدرنا دراسة وافية في الموضوع عبر تقريرخاص بالمحامي رياض الترك (أفرج عنه) كما تبذل جمعية حقوق الإنسان في سورية ولجان إحياء المجتمع المدني جهودا حثيثة للإفراج عنهم.
طالب البرلمان الأوربي، بعد تدخل اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية بالإفراج عنهم. وطالبت عشرات المنظمات العربية والدولية بالإفراج عنهم.
في بداية هذا العام، يطلق مركز دمشق حملة عربية ودولية للإفراج عنهم فشاركوا معنا في نجاحها

معطيات زمنية
13/8/:2000 المثقف السوري أنطون المقدسي يوجه رسالة مفتوحة إلى الرئيس السوري بشار الأسد من على صفحات جريدة "الحياة"، يهنئه فيها بمنصبه الجديد ويطالبه بنقل البلاد من الرعية إلى المواطنة.

n منتصف أيلول :2000 النائب رياض سيف يطلق منتدى الحوار الديمقراطي في منزله بدمشق.

27/9/:2000 صدور "بيان الـ99" مثقفا سوريا يطالب برفع حال الطوارئ وإطلاق الحريات العامة والإفراج عن المعتقلين السياسيين. والمثقفون اللبنانيون يصدرون بيانا للتضامن مع موقّعي "بيان الـ99".
خريف 2000: صدور العدد الأول من مجلة مقاربات لتكون منبرا مستقلا لكل الأصوات الحرة في سورية.

1/1/:2001 بيان المحامين السوريين يطالب بمراجعة دستورية شاملة وبإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية وإطلاق الحريات العامة.

10/1/:2001 الوثيقة الأساسية للجان المجتمع المدني تتسرب إلى الصحف، ويطلق عليها اسم "بيان الألف".

16/1/:2001 "منتدى جمال الأتاسي" يعلن عن نفسه كمنتدى مستقل عن الأحزاب ويعيّن المحامي حبيب عيسى ناطقا باسمه. وظاهرة المنتديات تبدأ بالانتشار في كل المدن السورية.
3/7/:2001 أربعون ناشطا سوريا يجتمعون في دمشق ويعلنون تأسيس جمعية حقوق الإنسان في سوريا وينتخبون المحامي هيثم المالح رئيسا لها.

5/8/:2001 رياض الترك يلقي محاضرته في "منتدى جمال الأتاسي" في حضور حشد كثيف من الناس، ويدعو فيها إلى نقل سوريا من حال الاستبداد إلى الديمقراطية من طريق التوافق السلمي.

14/8/:2001 رياض سيف يصدر دراسة مفصلة (100 صفحة) عن صفقة الخلوي تحت عنوان "صفقة عقود الخلوي".

7/8/:2001 مأمون الحمصي يعلن إضرابه عن الطعام في مكتبه ويصدر بيانا من عشر نقاط يطالب فيه برفع حال الطوارئ وإطلاق الحريات العامة.

9/8/:2001 إلقاء القبض على مأمون الحمصي ثم نزع الحصانة البرلمانية عنه بإذن من رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة.

1/9/:2001 اعتقال رياض الترك داخل عيادة احد الأطباء في طرطوس. موجة احتجاج عارمة وبيانات لمثقفين سوريين ولبنانيين وجمعيات حقوق الإنسان تدعو إلى الإفراج عنه.

6/9/:2001 اعتقال النائب رياض سيف وبعد اعتقاله رفع الحصانة عنه في مخالفة قانونية واضحة.

8/9/:2001 اعتقال الاقتصادي عارف دليلة والطبيب وليد البني والدكتور كمال اللبواني وحبيب صالح وحسن سعدون.

12/9/:2001 اعتقال حبيب عيسى، محامي رياض الترك والناطق باسم "منتدى جمال الأتاسي"، واعتقال فواز تللو.

20/3/:2002 محكمة الجنايات في دمشق تصدر حكمها بالسجن خمس سنوات على النائب مأمون الحمصي.

3/4/:2002 محكمة الجنايات في دمشق تصدر حكمها بالسجن خمس سنوات على النائب رياض سيف الذي يصرح بأنه ضحية الهاتف الخلوي.

28/4/:2002 بداية محاكمة رياض الترك أمام محكمة امن الدولة في دمشق.

27/5/:2002 الجلسة الثالثة لمحاكمة رياض الترك، وللمرة الأولى يتم الاعتصام في الشارع أمام المحكمة، وترفع لافتات لإطلاق سراح "مانديلا" سوريا، وقوى الأمن تفرّق المعتصمين.

24/6/:2002 محكمة أمن الدولة تصدر حكمها على حبيب صالح بالسجن ثلاث سنوات.

26/6/:2002 محكمة أمن الدولة تصدر حكمها على رياض الترك بالسجن لمدة سنتين ونصف سنة.

31/7/:2002 محكمة أمن الدولة تصدر حكمها على عارف دليلة بالسجن عشر سنين وعلى وليد البني بالسجن خمس سنوات.

19/8/:2002محكمة أمن الدولة تصدر حكمها على المحامي حبيب عيسى بالسجن خمس سنوات.
28/8/:2002محكمة أمن الدولة تصدر حكمها على المهندس فواز تللو بالسجن خمس سنوات.
الناشطون من أجل حقوق الإنسان والمجتمع المدني المعتقلون في سجن عدرا اليوم
عارف دليلة
من مواليد مدينة اللاذقية عام 1943 , يقطن في ضاحية دمر , وهو أحد أهم الباحثين الاقتصاديين في سورية, درَس الاقتصاد في جامعتي حلب ودمشق, وأصبح عميداً لكلية الاقتصاد في جامعة حلب إلى عام 1198, تم إبعادة بقرار أمني تحت حجج واهية من قبل رئيس الوزراء في حينها. وإثر لقاء تم بطلب من رئيس الجمهورية بشار الأسد معه أعيد إلى عمله في الجامعة في 20/9/2000 .
عضو مجلس إدارة الجمعية السورية للعلوم الاقتصادية التي تناولت قضايا الفساد الاقتصادي في سوريا والحديث عن حرية الرأي والتعبير الداعمين للإصلاح الاقتصادي في سوريا رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب السوري وأصدر بياناً من عشر نقاط أنتقد فيه الفساد السياسي والاقتصادي وهو أحد مؤسسي لجان أحياء المجتمع المدني وإحدى الشخصيات الاعتبارية الأساسية في البلاد. وبسبب تأثيره وفعاليته في لجان إحياء المجتمع المدني, تمت بحقه عدة ملاحقات ومضايقات أثناء نشاطه في ظاهرة المنتديات والعمل الأهلي.
للدكتور عارف دليلة عدة مؤلفات في مجالات الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع , وله الكثير من المقالات والبحوث الاقتصادية والتي تم نشرها في عدد من المجلات المختصة والجرائد والكتب ونخص دورة في نشرة جدل الصادرة عن دار كنعان في دمشق. ويتم جمع دراساته في مجلد يصدر قريبا.
اعتقل د : عارف دليلة بتاريخ 9/9/2001 وبعد محاكمته من قبل محكمة أمن الدولة نال د: عارف دليلة الحكم الأثقل رغم أن التهم التي وجهت له مشابهة للتهم الموجهة للعشرة الأفاضل إلا أنه تلقى الحكم الأكبر وهو 10 سنوات وجرد من الحقوق المدنية والسياسية , هذا الأمر الذي لا تفسير إلا مزاجية محكمة أمن الدولة الخاضعة للتوجيهات المباشرة لأجهزة الأمن.
يعاني من ترد في وضعه الصحي ويشكل استمرار اعتقاله خطرا على حياته

حبيب عيسى
مواليد 1956 مدينة مصياف . اعتقل في 12-9-2001 ، معتقل في سجن عدرا (محام وكاتب ) عضو مؤسس في لجان إحياء المجتمع المدني وجمعية حقوق الإنسان في سورية والناطق الرسمي باسم منتدى جمال الأتاسي
قبل اعتقاله كان محامي من سبقه للاعتقال في الحملة.
حكم عليه بالسجن خمس سنوات مع تجريده من الحقوق المدنية والسياسية
عضو المؤتمر القومي العربي وله عدة مقالات ودراسات
صدر له عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان كتاب: النداء الأخير من أجل الحرية في طبعتين.

رياض سيف
من مواليد دمشق عام 1944 , عضو في مجلس الشعب السوري,
رجل أعمال ورئيس جمعية حركة السلم الاجتماعي. أحد الكوادر الأساسيين في ظاهره المنتديات وكان يستقبل في بيته منتدى الحوار الوطني الذي يرئسه
حكم على السيد رياض سيف بخمس سنوات بعد تجريمه بجناية الاعتداء , الذي يستهدف تغيير الدستور بطرق غير شرعية وتشكيله جمعية سرية غير مرخص لها (حركة السلم الاجتماعي) وعقد اجتماعات غير مرخص بها, وهو معتقل في سجن عدرا قرب دمشق.
صدر له عدة تقارير ودراسات وكراسات عن نشاطه البرلماني والمدني آخرها كتاب توثيقي لكل محاضرات منتدى الحوار الوطني والنقاشات التي جرت حرره وقدم له الدكتور رضوان زيادة (من أجل مجتمع مدني في سورية ...حوارات "منتدى الحوار الوطني"... صادر عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان)
رفضت المحكمة كل اعتراضات محاميه على الحكم بحجج شكلية

مأمون الحمصي
من مواليد مدينة دمشق عام 1955 عضو مجلس الشعب السوري ورجل أعمال وهو الرئيس الفخري لنادي الوحدة الرياضي . اقترح إنشاء لجنة لحقوق الإنسان في مجلس الشعب وبدأ إضراب عن الطعام في 9 آب 2001 وأعلن برنامج للإصلاح السياسي من عشرة نقاط على أثره تم اعتقاله.
جرمت محكمة جنايات المتهم بجرم محاولة تغيير الدستور ومنع السلطات الرسمية من ممارسة مهامها, وبجنح ذم وقذف السلطات التشريعية والقضائية وقضت بحجره وتجريده من حقوقه المدنية, وصدر عليه الحكم بالسجن خمس سنوات
رفضت المحكمة كل اعتراضات محاميه على الحكم بحجج شكلية وهو في وضع صحي سيء.
معتقل حاليا في سجن عدرا

فواز تللو
من مواليد دمشق (1961)، مهندس وناشط شارك في تأسيس جمعية حقوق الإنسان في سورية ومنتدى الحوار الوطني
ألقي القبض عليه بتاريخ 12/9/2001 وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا بتاريخ 28/8/2002 بحقه حكماً بالسجن خمس سنوات
معتقل حاليا في سجن عدرا

وليد البني
من مواليد دمشق عام 1963، درس الطب في هنغاريا وعمل طبيبا في سورية. عضو في لجان إحياء المجتمع المدني وعضو منتدى الحوار الوطني.
ألقي القبض عليه 8/9/2001 وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا بتاريخ 31/7/2002 بحقه حكماً بالسجن خمس سنوات.
معتقل حاليا في سجن عدرا

حضور الذكرى

"ثمة أشخاص وتعبيرات جماعية تختصر حقبة، بل تصبح، بإرادتها أو بالرغم عنها، الرمز والمعنى والمبنى لكلمات بسيطة أو معقدة، ولكن بالتأكيد معبرة عن أمل هنا وحلم هناك. لم أجتمع برياض سيف يوما، كذلك لم أتعرف على أي من أعضاء لجنة منتدى الحوار الوطني، فرقنا المنفى وجمعتنا جملة قيم ومبادئ ناضل كل واحد منا من أجلها في محيطه وبالوسائل المتاحة له. كنت أحد قدماء المنفيين المصرين على أن التغيير لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل ومن المجتمع، وأن دور المنفى يكمن في توفير كل الجسور المعرفية والتواصلية بين الداخل والخارج. وكان في منهج رياض سيف الذي يجمع بين العقلانية والمبادرة ترجمة عملية لإمكانية بناء بذور التغيير الداخلية السلمية لانتقال ديمقراطي غير جراحي لا يترك سوى العافية والصحة لكل من الدولة والمجتمع. فرغم استهلاك الشعار الوطني وصناعة "لا صوت يعلو على صوت المعركة" والإنتاج الواسع في هذا الوضع لمنظومة معممة للاستبداد والفساد, كان واجبنا أن لا ننسى أن أي حرب أهلية أو عداوات طائفية أو أحقاد شوفينية ستشكل بالضرورة إضعافا لجسد الشعب الذي لن يقبل بالتضحية بالاستقلال الأول (عن المستعمر) بسبب تضحية السلطة التسلطية بالاستقلال الثاني (الدولة الديمقراطية الحديثة).
ضمن هذا الربط الجدلي بين الوطن والمواطن، بين الحرية والتحرر، كان طموح إعادة المناعة الذاتية من صلب المجتمع ، طموح إعادة بناء التوازن بين دولة مؤممة ومجتمع مغيّب باعتبار حضور الثاني استعادة لحرية الأولى وبالتالي إمكانية وجود قضاء مستقل ونائب ناقد وحكومة مسئولة.
لم نسمع يوما من رواد هذه التجربة حديثا في كمالها، أو غرورا من إنجازاتها. كانت هذه المرحلة بكل معاني الكلمة عملية تعرّف على أساليب التغيير ووسائل التأثير وطرق التعامل مع الذات والآخر. من هنا قوة حدسها وخطرها على أعداء التغيير، فهي قوة جاذبة وهم قوة نابذة، هي أمل الغد، وهم مقتل المستقبل، هي أفضل معبر عن طموح الشبيبة في حين جسدوا ترهل البيروقراطية المتآكلة بالفساد والعقم الفكري والإفلاس السياسي.
من هنا لم يعد العدد يعبر عن أي قيمة فعلية في موازين القوى الناشئة وصار ضرب هذه المجموعة معركة بقاء لكل رموز الفساد والاستبداد في البلاد.
إذا كانت حركة الحقوق المدنية إذا صح التعبير قد فجعت أول مرة بإعلان حالة الطوارئ في 1963 وفجعت في المرة الثانية في اعتقالات إضراب اليوم الواحد في 1980 يمكن القول دون مبالغة أن الفاجعة الثالثة كانت دون شك في الشهر الأسود الذي شهد اعتقال العشرة الأفاضل. بكل ما لهذا الحدث من معانٍ على الصعيدين المجتمعي والدولاني.
كان اغتيال ما عرف بربيع دمشق نقلة للوراء بكل المعاني وجرح عميق في معاني الأمل والعمل من أجل التغيير. وقد برزت نتائج هذا القرار التسلطي واضحة للعيان يوم احتلال بغداد وعزلة الخطاب الحكومي إقليميا وعالميا ووصول النهج التسلطي إلى الطريق المسدود على كل الأصعدة. لقد تحولت سورية إلى بطن رخو تملى عليها الشروط ويفرض عليها ما لا يطاق في استمرار لسياسة تغييب الناس، أو بالأحرى تغييب القوة الوحيدة القادرة على إعادة بناء توازن استراتيجي إقليمي. ولم تدرك العقلية التسلطية حتى اليوم، أنها بتصديها لمشروع الإصلاح، لا ترفض وحسب فكرة الديمقراطية بل تضع في الميزان وجود سورية المستقلة ومستقبلها. من هنا راهنية أطروحات ربيع دمشق وأهميتها في هذا الظرف الصعب والعصيب الذي نحن بأمس الحاجة فيه لقيادات ديمقراطية ورموز مدنية تعيد لسورية المكانة التي تستحق في منطقتنا والعالم".
(تعقيب هيثم مناع في كتاب من أجل مجتمع مدني في سورية ...حوارات "منتدى الحوار الوطني"... صادر عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان)
طالبوا السلطات السورية بالإفراج عن رموز ربيع دمشق فورا
السويد في 6 يناير 2005
مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
http://www.dctcrs.org
dctcrs@dctcrs.org
tel&fax : 004619251237