كل عام وانتم بخير

٢٠٠٦-١٢-٣١

كل عام وانتم بخير

صفحات سورية تتمنى لكم أعيادا سعيدة بمناسبة

عيد الأضحى المبارك و رأس السنة الميلادية

Image

اللهُمَّ أعزَّ الحرية بأحد الدالَيْن: الدين أو الدولة

اللهُمَّ أعزَّ الحرية بأحد الدالَيْن: الدين أو الدولة

ياسين الحاج صالح

خاص – صفحات سورية –

في المجال العربي نظم حكم ضعيفة الشرعية لا تستطيع اتخاذ قرارات صعبة لا مناص منها، في النطاقين السيادي الاستراتيجي والثقافي الديني بصورة خاصة. مفهومٌ أنه كلما كانت القرارات أصعب توجّب أن تكون السلطات أرسخ شرعية حتى تتجاسر على وضعها موضع التنفيذ. لماذا؟ لأن من شأن قرارات صعبة أن تمس بشعبية الحكم أو تثير ضده اعتراضات قوية لا يستطيع تحملها إلا إن كان وطيد الشرعية. وتعني الشرعية في هذا المقام قواعد شكلية عامة تنتظم الحياة السياسية من جهة، ومبادئ أو أهدافاً تعبر عن مضمون الحياة السياسية ورهاناتها وغاياتها، وتُمتَح من الثقافة الوطنية من جهة أخرى. فللشرعية بعدان: قانوني وشعبي، مؤسسي وقومي (بالمعنى العربي للكلمة، المعنى الذي يطل على الثقافة والهوية العربية). و»شعبية» الحاكمين تستند إلى تغليب البعد المضموني أو الوطني في الشرعية على بعدها الشكلي والقانوني. لذلك يزدري الحاكم الشعبوي الإجراءات والقواعد، ويحاول الاتصال بالجمهور من وراء ظهر مؤسسات الحكم وعلى حسابها. فالشعبوية هي «وصال» القائد والجماهير في غفلة عن الدولة وضدها (الوصال اتصال بلا مؤسسات، عشق صوفي...). لكن ثمن الشعبية هذه هو إعلاء شأن الرمزية الثقافية القومية وعدم المساس بها مع حرية مطلقة في المساس بالأفراد الملموسين والمؤسسات العمومية. وفي ظل ضعف شرعيتها المؤسسية والقانونية، تفضل السلطات أن لا تبادر إلى انتهاج سياسات أو صنع قرارات قد تكون إشكالية، بل تجنح إلى تقوية هذا الركن القوموي الشعبوي لشرعيتها. وفي سياق تطور النظم الشعبوية العربية انفصلت القومية عن الحداثة، وارتدت رمزية جامدة متصلة بالهوية. ووجدت النظم القوموية الشعبوية نفسها مسوقة إلى بناء شرعيتها على تغذية مواقف العداء للأجنبي (الغرب بخاصة، وكحداثة أكثر حتى مما كامبريالية) والالتصاق بالغريزة الدينية.

ولعلنا لا نجد نظما عربية تغلب الركن الشكلي للشرعية على ركنها المضموني (هل تفعل سلطة أبو مازن الفلسطينية ذلك؟). لكننا بالتأكيد لا نجد نظما تقف ثابتة على القدمين، القومية والقانونية.

الجوهري في شرعية السلطة أنها تغنيها عن الاستناد إلى الرصيد الرمزي الذي تنبني عليه الهوية الوطنية، القومية والدين في البلاد العربية، وتسهل للسياسة كمجال نوعي لعمل السلطة أن تستقل عن الهوية. وبالعكس. يدفع ضعف الشرعية إلى تسييس ذخر الهوية الرمزي (ما يفقد الهوية فاعليتها التوحيدية)، وفي الوقت نفسه إلى الالتزام بالتأويل الأشد محافظة وجمودا للهوية. وهو ما ينبغي أن نستخلص منه منذ الآن أن تحرير الدين والقومية من الاستخدام السياسي النفعي، وضمان استقلال السياسة، يقتضيان أنظمة حكم شرعية. وبالاستناد إلى التمييز بين وجهي الشرعية، الشكل القانوني المؤسس والمضمون القومي الشعبي، لن نتفاجأ حين نتبين أن المشتغلين بالسياسة، أهل الحكم بخاصة، ينكرون أكثر من غيرهم اختصاص مجالهم بمعايير وضوابط ذاتية. فهم يفضلون «الشعبية» و»الوصال» على سياسة مستقلة بنفسها وغير مضمونة النتائج.

***

ولا يسع السياسة أن تستقل عن الدين والقومية (بالمعنى العربي...) إن لم تتأسس كقيمة أو يتأسس لها «عالم روحي» خاص بها. إن سياسة أداتية ترتد إلى القوة المحض تنزع بالضرورة إلى الارتباط بعقيدة مقدسة، دينية، مرفوعة فوق المدارك والإرادات البشرية. فوصل الدين بالدولة هو مثل مزج الماء بالزيت، يبقي الدولة أداتية، ويرد الدين إلى محض إيديولوجية مشرعة لحكم القوة. وهذا المركب الأداتي العقيدي هو الثمرة الطبيعية لافتقار السياسة إلى قيمة ذاتية أو «دين ذاتي». وبالمثل، لا يمكن للسياسة المرتبطة بعقيدة خارجة عنها إلا أن تكون أداتية، بلا روح ذاتية، انعكاسا محضا للقوة وعلاقات القوة. هذا بديهي: بلا روح خاصة بها، روح سياسية، كيف للسياسة أن تقوم وتستقل وتقول ها أنذا؟ ستفضل بداهة أن تتحدث عن أصلها وفصلها، عن أبيها الدين وأمها «الأمة» ورسالتها الخالدة. إن الدولة العربية الراهنة تركيب ميكانيكي من جهاز ردعي مهول ومن دين خارجي يضفي عليه شرعية قومية أو «هوياتية». وافتقار الدولة إلى روح ذاتية مدنية وعقلانية لا يجد تعويضه إلا في انتحالها روحا دينية. لكن المضمون الواقعي لذلك هو، في كل الحالات دون استثناء واحد، تحويل الدين منظمة سلطة إضافية.

والحال إن السياسة العربية الفاقدة للروح، والتي تفضل أن تبقى «حرة» بلا روح تضمن ذاتيتها، تمنع ولادة أرواح جديدة، وتلوذ بالروح الوحيدة التي لا تستطيع خنقها: الدين. هذا الصنف من حرية السلطة المطلقة قامع لكل حرية. وإذا يُصفِّح نفسه بالدين فإنه يزداد «حرية» وإطلاقا، ولا يقل. وهو ما يرتد على الروح الدينية ذاتها جفافا ويباسا و... فقها. وخلافا لما قد يعتقد الإسلاميون فإن هناك طرفا واحدا يستفيد دوما من الوصل بين الدين والدولة: القائمين على الدولة.

على أن الفصل بين الدين والدولة لا يضمن من تلقائه ذاتيته السياسية، وإن كان شرطا لها. بل إن السياسة الأداتية التي يتمخض عنها الفصل قد تتلهف إلى جعل العلمانية ذاتها روحا خارجية لها، روحا منفصلة عن حرية التفكير والاعتقاد والمساواة السياسية والقانونية بين أفراد من أصول دينية متعددة، علمانية أداتية فحسب. ومثل الوصل بين الدين والدولة، لا يضمن الفصل بينهما بحد ذاته تقييد السياسة الأداتية. فالدولة القهرية (برهان غليون) لا تجد بأسا في اعتناق العلمانية عقيدة، إن ضمنت السلامة. فهي لا تعتنق الدين بقلب سليم، بل فقط تحصينا لسلطتها، أي تعاملا أداتيا. وهي كذلك تنصر الدين كرمز وشعار كي تتمكن من سحق أي اعتراض عليها من الجمهور، مؤمنا كان أم غير مؤمن.

يبقى أن استقلال الدولة عن الدين ضروري كي تنضبط الدولة بمبادئ بشرية. ويتعين إنجاز هذه العملية، العلمنة، في الذهن أولا كي يكون ممكنا إنجازها في الواقع. أعني أنه ينبغي أن تكون أساسا منطقيا للتفكير من أجل أن تكون نظاما فعليا للحياة السياسية. إذ لا علمانية بلا علمانيين حقيقيين.

***

هل في ما سبق ما يجيب عن سؤال: من أين تأتي الشرعية؟ نرى أن نعم. لكن يفيد أن نقول أولا أن الشرعية لا تأتي من المجال العسكري. ذلك أن تحقيق نصر حاسم على الأعداء، وهم من هم، أمر غير متصور في الأفق المنظور (نستطيع أن ننغص أمن العدو في فلسطين بثمن تدمير مجتمعنا، وأن نحرق الأرض تحته في العراق بثمن أن يكون المجتمع العراقي هو الحطب). ولو كان النصر العسكري متاحا لانتفت الحاجة أصلا إلى اتخاذ قرارات صعبة، بعضها على الأقل. لا تأتي الشرعية كذلك من «صبغة دينية»، كما قد نستخلص من قراءة ابن خلدون. هذا أيضا ليس متاحا، بل إن إعادة تنظيم الحياة الدينية هو أحد القرارات الكبرى الصعبة التي يحتاج العرب المعاصرون إليها. إلى ذلك لا يمنح نصر عسكري أو هداية دينية إلا روحا خارجية لسياسة تبقى مادية وأداتية في جوهرها.

من أين إذاً؟ من حرية التفكير، من حصانة الفرد البشري أمام سلطتي الدين والدولة. من بناء فكرة الشرعية ومبدئها في الروح أولا.

هذه بمجملها قضايا تخرج عن النطاق السياسي إلى النطاق التأسيسي. ومن الواضح أن مشكلة الشرعية لا تؤرق نظم الحكم القائمة، كما أن حلها ليس رهناً بها. ولا هو حتى مشكلة سياسية تحل بآليات السياسة وحدها.

العفو العام في سوريا

العفو العام في سوريا يشمل جرائم الجنح السياسية ويستفيد منه جاموس والمالح وعبدالعظيم

كشف الدكتور عمار قربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان أن مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد يشمل جرائم الجنح فقط الموجهة ضد عدد من الناشطين السياسيين ومعتقلي الرأي.

وقال في تصريح ل”الخليج” ان المستفيد من المرسوم هو الناشط السياسي فاتح جاموس الأمين العام لحزب العمل الشيوعي، لكون كافة التهم الموجهة إليه هي قضايا تتعلق بقضايا الجنح فقط والتي يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة أقصاها سبع سنوات.

كما استفاد من المرسوم المحامي هيثم المالح والمحامي حسن عبدالعظيم وعدد من الناشطين مثل ميشيل كيلو وأنور البني ومحمود عيسى عن التهم الموجهة إليهم كجرائم جنح فقط.

وأضاف أن مرسوم العفو لم يشمل المعتقلين السياسيين أو معتقلي الرأي، مطالباً إغلاق ملف الاعتقال السياسي وإطلاق سراح كافة المعتقلين.

وكان الرئيس السوري قد أصدر مرسوم العفو العام بمناسبة عيد الأضحى المبارك عن العديد من المخالفات المتعلقة بقانون خدمة العلم كجرائم الفرار الداخلي والخارجي وهي “التخلف، وتبديل محل إقامة المكلف دون إعلام السلطة المختصة، تبليغ شعبة التجنيد بالسفر دون أن يغادر البلاد، إعطاء معلومات خاطئة لشعبة التجنيد بقصد التضليل وأخيراً من يساق إلى خدمة العلم ولا يحمل هويته الشخصية”.

وبالنسبة إلى الجرائم التي شملها العفو فقد ذكر المحامي نزيه المعلوف لموقع “سيريا نيوز” الالكتروني أن الجرائم الاقتصادية تشمل أعمال مقاومة النظام الاشتراكي وتهريب الأموال خارج البلاد وأعمال الاحتكار والامتناع عن البيع ورفع الأسعار وذكر أن مرسوم العفو لم يشمل الجنايات وهو يطبق بما يخص الحق العام لكل الجرائم التي شملها العفو بينما لا تأثير للمرسوم في دعوى الحق الشخصي.

وأضاف أن المرسوم استثنى الجرائم التي تتعلق بالرشوة وإساءة استعمال السلطة من العفو، بالإضافة إلى الجرائم التي تتعلق بالحفاظ على حرية المواطن وحرمة مسكنه.

وأكد أن ما يميز مرسوم العفو الحالي عن مراسيم العفو السابقة هو استثناءه الجرائم التي تنص عليها المواد 307 وحتى 310 من قانون العقوبات العام وهي الجرائم التي تتعلق بإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، والانتماء لجمعيات أنشئت بغرض إثارة النعرات والحض على النزاع بين الطوائف وعناصر الأمة. بالإضافة إلى جرائم إذاعة وقائع ملفقة ومزاعم كاذبة من شأنها زعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها ذات العلاقة بالثقة المالية، والحض على سحب الأموال المودعة في المصارف والصناديق العامة أو بيع سندات الدولة أو الإمساك عن شرائها بقصد زعزعة الثقة بمتانة نقد الدولة.

الخليج

النظام السوري وشهادات ثلاث

النظام السوري وشهادات ثلاث

بدرالدين حسن قربي*

خاص – صفحات سورية –

في اليوم الأخير من عام 2006 تتجمع شهادات إثبات كثيرة على ماآل إليه حال الوطن والمواطن السوري في معاشه ولقمة عيشه جوعاً وفقراً وحرماناً فضلاً عن الحاجات الأخرى، ولكننا نكتفي بثلاث شهاداتٍ منها، نستدعيها علاماتٍ لِنُشْهِدَ العقلاء من الناس على الحال التي أوصلنا إليها الرفاق المناضلون من حزب البعث العتيد، فعساهم يحمدون الله أن بلادهم ماعرفت ثورات البعث وحكمه ولاحاكميه، ويرق قلبهم لحالنا فيسألون الله لنا فرجاً قريباً على البلاد والعباد.

أولى هذه الشهادات وهي أبلغها، رسالةٌ أرسلها منذ أيامٍ عضو مكتب الأمانة في حركة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي المعارٍضة في الداخل السـوري السيد/ غسان نجار/ إلى الرئيس السوري/بشار الأســد مع نهاية العام 2006. أنقل منها وباختصار:

إنّه أول خطابٍ مني إليك – أيّها الرئيس – وأنا ابن هذا الشعب المغلوب المقهور منذ عشرات السنين، أنا ابن السبعين من عمره، وقد رفض أن يهاجر من وطنه، وفضّل أن يموت واقفاً فوق ترابه فلم يعد ما يختم به حياته سوى الدعوة الى الاصلاح التي هي أمانة في عنق كل فردٍ ومواطن.

السيد الرئيس: لقد استلمتَ تركةً ثقيلةً من والدك. بلدٌ يعجّ بالفساد، يمتلأ بالمظالم، يترنح بالتخلف يتضور بالجوع والفقر والحرمان. لكن سرعان ما التفّتْ حولك بطانةٌ – لم توفق بالاستعانة بها لا يألونك خبالا – أو كنتَ لا أدري – مضطراً إلى ذلك، وبدلاً من أن يسيروا معك الى مراقي الفلاح والنجاح، هبطوا بك الى مرابع التهلكة والضياع، فحرفوك عن الطريق القويم الذي فكّرتَ، وجنحوا بالسفينة الى مهب الرياح والعواصف، فهي على وشك الغرق أو كادت. البطانة التي حولك ملأتِ الجيوبَ، وسرقتْ قوتَ الشعوب، فازدادت الهوة والفوارق بين طبقات المجتمع وتحولت الفئات الفقيرة الى العدم، وكاد الفقر أن يكون كفراً، فنشأت العصابات المسلحة التي تسرق وتسطو ولا تبالي، وازداد ثراء الطبقات المترفة فحشاً، كل ذلك على حساب غالبية فئات الشعب المعدمة وطبقاته المسحوقه، واختلت موازين العدالة وغاب الأمناء الناصحون.

ويتابع السيد/ نجار وصف هذه البطانة فيقول: هذا الوسط الموغل بالفساد، من قبل فئة جشعة كلّما ملأت جيوبها وأرصدتها بمليارات الدولارات كلما ازدادت نهماً وطمعاً وجشعاً فهي لا تشبع ولا ترعوي.

ثاني هذه الشهادات كانت في أم المقابلات التلفزيونية مع قناة العربية الفضائية مع انتهاء عام 2005، والتي اتهم فيها السيد/ عبدالحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري الدائرة الضيقة في الحكم، بتراكم الثروة في أيديها في الوقت الذي لا يجد فيه ملايين السوريين ما يأكلون، ويبحثون عن الطعام في القمامة، ونصف الشعب تحت خط الفقر، والآخر في خطٍ موازٍ له، والقلة القليلة تعيش في بحبوحة من العيش.

أما ثالث هذه الشهادات وأثبتها بلا جدال، فكانت للرئيس بشار الأسد نفسه في تصريحاته إلى ال (بي بي سي البريطانية) في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2006 التي قال فيها:

المشكلة الأصعب التي يعاني منها الناس هي الوضع الاقتصادي، نحن بلد فقير وليس غنياً، وأينما أذهب كمسؤول فإني ألتقي الناس وأول شيء يتحدثون عنه هو الأجور والبطالة والمدارس والخدمات الطبية، إنهم لا يمتلكون الأساسيات بعض الأحيان في بعض المناطق.

من دون شك أن مثل هذه الشهادات الموثقة تؤكد أن سـورية بعد ثلاثةٍ وأربعين عاماً من حكم (الثورجية والقومجية محاربي أمريكا والصهيونية) منها ست وثلاثون عاماً من حكم الأسد الأب والابن، أصبحت بلداً فقيراً وشعباً يعاني من المآسي على كل جبهات الحياة باعتراف السيد الرئيس، حيث تمكََّنوا وبطريقتهم تربية طبقةٍ من الفاسدين والمفسدين أمست وأصبحت وغدت بمثابة شفاطاتٍ مركزية عملاقة ممتدةٍ في كل مناحي حياة الناس ومداخيل أرزاقهم وعلى مستوى البلد كله، ومتصلةٍ إلى كل جيوبهم لشفط مافيها أويكون لهم فيها نصيباً مفروضاً.

فطعام الملاييين من جماهير الناس يأكله حوت لايشبع ولايملأ فاه إلا التراب، وغذاء الملاييين من أطفال سورية يزدرده (هامور) أخ له، وشراب الناس وحليب مئات الألوف من الرضّع يشربه قريب هذا الحوت (إن شاء الله سم هاري)، وصحة الناس وعافيتها ودواؤها يسرقها قرابة الهامور (ان شاء الله اللي بيسرقه بيكون في صحته وعافيته مصايب وبلاوي)، وعرق ملايين الكادحين من المسحوقين ينهبه هذا الصهر أو هذا النسيب ليجعلوا من قطرات هذا العرق الطهور أصفاراً حراماً تزيد في ملياراتهم وأرصدتهم وهم في سكرات فسادهم واستبدادهم يعمهون ويتكاثرون، فصار عندنا حيتان وهوامير وقطط سمان تبني الوطن وتنهب ثرواته وقوت عماله وفلاحيه وكادحيه بأحدث أساليب العصر وتقنياته من طرق النهب والهبش والتشبيح.

بكل التأكيد، نودع العام 2006 وندخل العام الجديد، وقد وصل الكادحون والغلابى من شعبنا إلى حالٍ تصعب على الكافر (كما يقال)، لاتسر الصديق ولا تغيظ العدو من الضنك وضيق العيش والبطالة وسوء الخدمات التعليمية والصحية مما أخرج الرئيس عن طوره وأنطقه بشهادةٍ موجزةٍ وبليغة.!!

يافقراء ســورية اتحدوا..!! بعد أكثر من أربعين عاماً أصبح خلالها طعام الملايين منكم نهباً يأكله (الهبّاشون) ومايأكلون في بطونهم إلا ناراً، وغذاء الملايين من فلذات أكبادكم يبتلعه ( الشبيحة بلاعو البتزا)، وهم ينادون كنار جنهم هل من مزيد، وحليب أطفالكم شربوه (إن شاء الله بيكون حميم يقطّع أمعاءهم)، تاجروا بصحتكم وعافيتكم ودوائكم، وتاجروا بعرق ملايين الكادحين والفلاحين منكم، وهم (يبيضون) علينا بشعاراتٍ طنانةٍ رنانةٍ من الصمود والتصدي والممانعة والمقاومة ليغسلوا بهذا أموالاً منهوبةً، ويطهروا ثرواتٍ مسروقة مبتدعين في هذا أحدث طرق غسيل الأموال وتبيضها في العصر الحديث.

يافقراء سورية وكادحيها ..!! ارفعوا الصوت بملء فيكم وحناجركم في وجه كبار مجرميها من الحرامية واللصوص والعتاولة آكلي لقمة عيشكم، ومصاصي دمائكم:

أربعون عاماً تكفينا، كفى وكفاية، انتهى، خلاص، و(بس)، حلوا عنّا، انصرفوا، اتركونا، انقلعوا، (افرقونا، العمى بقلبكم العمى، مابقى بتشبعوا) ارحلوا ولن ننسى لكم هذا المعروف رغم كل سرقاتكم وطغيانكم.

إذا كانت أربعون من السنين مع ثلاث سنوات (اكسترا) غير كافية لكم لتوصلونا إلى حالٍ نقتات فيها لقمةً شريفةً وشربةً كريمةً، ونتمتع وأولادنا بخدماتٍ صحية تليق(بالآدميين)، وتحصيلٍ علميٍ نافع، فكم تريدون من السنين..!!؟



المعارضة السورية تستعد لخوض الانتخابات في اذار

المعارضة السورية تستعد لخوض الانتخابات في اذار

نفى المعارض السوري المحامي حسن عبدالعظيم الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي وأمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي أن تكون أطراف سورية معارضة من المجتمع المدني تتلقى الدعم المالي من الولايات المتحدة لتصريف أعمالها وتعزيز نشاطاتها ودعمها ومساعدتها في الانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك كما ورد مؤخراً على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وأشار عبدالعظيم الى توجه جديد لدخول الانتخابات في مارس-آذار المقبل.

وقال عبدالعظيم ل “الخليج” إن المعارضة الوطنية الممثلة بالتجمع الوطني الديمقراطي وفي إعلان دمشق ليس لها أي علم بالمزاعم الأمريكية حول تمويل جهات المعارضة السورية، وسبق أن قدمنا تأكيدات وتوضيحات باسم التجمع الوطني الديمقراطي حول رفض ما قيل إن الإدارة الأمريكية قد خصصت خمسة ملايين دولار لدعم المعارضة السورية.

أضاف “كنا رفضنا مبدأ التمويل من أي دولة أجنبية لأنه سيجعل قوى المعارضة مرتهنة لبرامج ومخططات ومشاريع خارجية ليست لمصلحة المشروع الوطني الديمقراطي داخل سوريا”، مشيراً إلى أن الذي يقبل أي دعم أو معونة خارجية يخرج نفسه من المعارضة ويضعها في مصلحة الأجنبي وليس الوطن.

وحول موقف الأحزاب المعارضة من الانتخابات التشريعية المقبلة في سوريا قال “هناك توجه جدي لدخول الانتخابات التشريعية في أواخر شهر مارس-آذار المقبل وترك الحرية لأحزاب المعارضة بخوضها”.

أضاف “نطالب بتعديل قانون الانتخابات بحيث تزال جميع المعوقات أمام إمكانية فوز أطراف من المعارضة والرأي الآخر”، مشيراً إلى أن هناك تعديلات طرأت على قانون الانتخابات الصادر عام 1973 أفرغت القانون من مضمونه وجعلت نتائج الانتخابات لا تعبر عن إرادة الناخبين وتتحكم فيها قوائم السلطة، وهناك العديد من الثغرات في هذا القانون أبرزها عدم الأخذ بجداول الناخبين في الدوائر الانتخابية وعدم ترك الحرية للتصويت من محافظة إلى أخرى والعبث بنتائج صناديق البادية السورية والصناديق المتنقلة من مكان لآخر، وعدم توفير الحد الضروري لإصدار البيانات المعبرة عن برنامج المرشح وإمكانية عقد اللقاءات ومخاطبة الناخبين أثناء الجولات الانتخابية.

وطالب عبدالعظيم بحضور مراقبين من المنظمات الأهلية الدولية وحقوق الإنسان لمراقبة الانتخابات المقبلة كما يحدث في مختلف دول العالم. وأشار عبد العظيم إلى أن المعارضة تملك مرشحين من الشباب يتمتعون بكفاءات عالية ومستويات علمية رفيعة وتنطبق عليهم كافة شروط الترشيح.

يذكر أن “التجمع الوطني الديمقراطي” يضم سبعة أحزاب هي: (حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وأمينه العام حسن عبد العظيم حزب الشعب الديمقراطي السوري وأمينه العام يوسف عبدالله هوشة حزب العمل الثوري العربي وأمينه العام عبدالحفيظ الحافظ حزب البعث الديمقراطي العربي الاشتراكي وأمينه العام د.ابراهيم ماخوس حركة الاشتراكيين العرب وأمينها العام عبد الغني عيّاش حزب العمل الشيوعي الذي انضم مؤخراً إلى التجمع الوطني وأمينه العام فاتح جاموس).

في سياق آخر، ذكر عضو مجلس الشعب السوري ونقيب الصحافيين السوريين الفخري صابر فلحوط أن مجلس الشعب السوري (البرلمان) أقر تعديل مادة من قانون الانتخاب العام وحدد سقفا للإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس الشعب.

وأوضح فلحوط في تصريح لموقع “سيريا نيوز” الالكتروني أن تعديل المادة 24 من قانون الانتخابات الذي جاء بناء على اقتراح تقدم به 12 عضواً في مجلس الشعب ينتمون إلى مختلف الأحزاب والمشارب والتي حددت سقف الإنفاق الدعائي ب 3 ملايين يتناول في الصميم ما حدث في الانتخابات التشريعية الماضية من صرف مبالغ كبيرة على الدعاية الانتخابية.

وحول ما كشفته صحيفة أمريكية مؤخراً عن وثيقة أمريكية سرية تتضمن خطة لدعم المعارضة السورية وإقرار الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية به ومنح أموال بشكل سري لأحد السياسيين السوريين الذين ينوون خوض الانتخابات التشريعية المقبلة أكد فلحوط أن لا علاقة للتعديل بما أوردته الصحافة الأمريكية وقال “مثل هذه المسائل لا نعيرها اهتماما ولا تلفت نظرنا على الإطلاق. وهي تأتي من باب التشويش”.

يذكر أن التعديل يتضمن “تحديد سقف الإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية للمرشح بمبلغ قدره ثلاثة ملايين ليرة سورية لا تدخل فيها نفقات وأجور ممثلي المرشحين على صناديق الاقتراع”.

ومن المقرر أن تبدأ الانتخابات البرلمانية للدور التشريعي التاسع (2007 - 2011) في مارس-آذار المقبل.

الخليج

جهاديون في حرم جامعة الأزهر: قوانين وفضاءات موازية

جهاديون في حرم جامعة الأزهر: قوانين وفضاءات موازية

دلال البزري

وقائع اخرى غير مسبوقة حصلت في المحروسة. كأن مصر الآن تعيش على وقْع حدث بعينه: بين العيدين، الفطر والاضحى، حصلت ثلاثة منها: التحرّش الجماعي بالنساء في وسط البلد اول وثاني ايام الفطر، قصة وزير الثقافة وعاصفة الحجاب، ثم اخيراً حادثة العرض العسكري «الجهادي» في حرم جامعة الازهر لخمسين شابا من تنظيم «الاخوان المسلمين».

وكما في كل مرة، انقسمت المواقف من «حجم» الواقعة و»أبعادها»، بين اثنين لا ثالث لهما: من يسخّفها، («لعب عيال»)، ويقلّل من خطورتها، وبعضه يستهزىء بالنفوس «الضعيفة» المذعورة من كل التعبيرات «الجهادية». وهذه «الاعذار» لا تمنع اصحاب هذا «المعسكر» من الربط بين العرض الاخواني «الجهادي» وبين لائحة المظالم اياها. فيتلونها علينا: فساد، قمع، بطالة، اميركا، الصهيونية، بلطجية الامن... مقارنا بينها وبين مظالم مزعومة يمكن ان تترتّب عن مجرّد فورة رؤوس حامية ليس الا. ولا يخفى ان الذين يرون العرض الاخواني بهذه العين المثقلة بالخفّة هم من الشعبويين المعادين لأميركا وللنظام (خفة العين وتجهّم الوجه!). اما مؤيدو النظام فنظروا الى العرض بالعين المكبّرة: وجدوا فيه خطرا على النظام ولم يتباطأوا...

التمّوج ايديولوجي، هنا ايضاً، يحكم النظر الى الواقع. هو ميزانه. لا مكان للرمادي، او المركّب من بين النظرات. إما انت مع الاخوان، فيكون عرضهم حتى بلا أي معنى يُذكر. وإما انك ضدهم، فترى في الحادثة الهلع والفزع.

والحال ان العرض الجهادي الاخواني كان في مكان آخر: خمسون شابا من «الاخوان المسلمين» ملثّمّون. بوضعية عسكرية وهندام جهادي. معصوبو الجبين بشعار «صامدون». يقومون بعروض رياضات قتالية، الكونغ فو والكاراتيه. غير مسلحين، على الاقل ظاهرياً (التقرير الامني ابلغ عن وجود سلاح ابيض معهم). وانغام واغانٍ جهادية تؤطّر إندفاعات اجسادهم. كل ذلك في معرض احتجاجهم على طرد اعضاء الاتحاد الطلابي الموازي الحر، الذي انشأه «الاخوان المسلمون» على اثر اقصائهم عن انتخابات الاتحادات الرسمية.

العرض لم يكن سريا، ولا ممنوعا من الدولة؛ بدليل وجود اعداد كبيرة من الامن المركزي حول الجامعة؛ وإبلاغ الفضائيات والصحافة عنه. «الاخوان» والدولة على علم به. والعرض لم يأت خارج تصاعد اللهجة الاخوانية تجاه الدولة منذ فوز «الاخوان» بـ88 مقعدا في التشريعية الاخيرة، وفوز «حماس» في فلسطين، و»الإنتصار الالهي» لـ»حزب الله» على اسرائيل... كلام المرشد العام حول وجود عشرة الآف اخواني مستعدين للقتال الآن مع «حزب الله» في لبنان، وآخر عن ان الزعماء العرب وجُب قتلهم لو لم يكونوا موحّدين بالله. ثم قدرة «الاخوان» على جرّ العشرات من نواب الحزب الحاكم الى كامل موقفهم اثناء حادثة وزير الثقافة والحجاب. تلك هي عواطف الاستقواء الاخوانية وقد فاضت عنهم في الاعلام والجامعة والبرلمان.

هو فخٌ نصبته الدولة؟ سمحت به ثم انقضّت عليه؟ ام زلّة خيال من «الاخوان»؟ او قلة صبرهم على عواطفهم السياسية الفوّارة؟ كل هذا ربما واشياء اخرى كانت وراء العرض. ولكن المهم ان العرض ومقدماته ورسالته المشهدية كانت نقطة تحوّل سريع للدولة ضد «الاخوان». ثم شُنت حملة اعتقالات واسعة (عددا ونوعا) وتم اغلاق مؤسسات تابعة لهم. رافقتها حملة اعلامية وتهويل وأبْلسة لـ «الإخوان»، ونبش في تاريخهم «الاجرامي»... وانهم هم هم لم يتغيروا، منذ «الجوالة» و»التنظيم السري»... حملتان، امنية واعلامية، مكتوب لهما بعض الدوام. (خاصة اذا صحّت التكهنات بأن وراء الحملة واعتقال الرجل الثاني في «الاخوان»، خيرت الشاطر، اتصالات قاموا بها مع الاميركيين).

فالعرض الاخواني يحاكي ميليشيات شقيقة خرجت عن نطاق دولتها وصارت اقوى منها. والميليشيات قانون امني خاص، لا يعبأ بأمن الدولة. وهذه نقطة الدولة المحورية. الدولة بمعنى القانون الواحد، لا القانونين. النظام والاستقرار (النسبي دائما) لا العبث والفوضى والدمار.

اذا كانت الدولة مستعدة، مرغمة، على ان تسلم بالهيمنة الثقافية والاعلامية لـ»الإخوان»، فتعاملهم تارة بالمزاودة وتارة بالإلتباس او التشوش، فهي ليست مستعدة للتسليم بالهيمنة الامنية، ولا حتى بسلطة امنية رمزية (والرمز هو الاقوى على اي حال). سلطة رمزية، ترى بدايتها في الاعلان، رمزيا ايضاً، عن كيانات موازية، تؤازرها كيانات موازية اخرى، في مجالات اخرى. نعرفها ولا نعرفها. فتكون نواة الدويلة داخل الدولة (كما في البقع الشقيقة). لذلك كانت الدولة رخوة في معركة وزير الثقافة والحجاب. لأنها ضعيفة في مجال التصورات والقناعات الجماعية. غلبها «الاخوان» فيها، فابتلعت الموسى. فيما المجال ايضا لا يستأهل كثيرا: حجاب المرأة! اما الامن، فلا. ولا حتى في الرموز والاحلام.

تلك هي خطورة العرض الاخواني الجهادي: خلق مجالات جديدة، اوضاع جديدة، لا تعترف بالقانون، بحجة عدم اعتراف القانون بها، ما يضعفها ويقويها في آن. تتلثّم، لكنها لا تختبىء. ترهب باللثام الجميع: الدولة والمجتمع (ترى هل من صدفة ان لا يكون للملثم نظير الا المنقّبة؟ تصوّر مجتمعاً ينتشر على ارصفته الملثمون والمنقبات!).

الاخوان وصلوا الى ما وصلوا اليه بفضل كل التباسية وظرفية صفة «المحظور» التي وُصموا بها منذ العهد الاول للضباط الاحرار. ولكن منذ عبد الناصر وحتى الآن، تغير معنى «المحظور» وصار إطارا للعبة تقاسم نفوذ بين سطوتين. لكل مجالها وقوتها. وكان من حظ «الاخوان» التاريخي ان الطلب على الدين صار اكبر من ان يلبيه عرضهم له. فعادوا وكبروا، ولكن فيما هم «محظورون». التباسية عقيمة، ولدت الكيانات الموازية والمتلاعبة. هكذا وُجد منطق اخواني شبه صريح: يمنعوننا من المشاركة بحقنا في الحكم؟ فلنخلق كيانات موازية. لا يعترفون بها؟ فلندافع عنها بجهادنا.

طبعا الجهاد هنا رمزي جدا. ينقصه السلاح والوجهة والساحة. ولكن من قال اننا نقاتل لغير الرموز؟ ومن قال اننا نقاتل بخطط ووجهات؟

الخطر الاكبر يأتي من رد الدولة نفسها وهي تدافع عن وجودها. الرد الامني والاعلامي. الاعتقالات الواسعة، العشوائية ربما (بانتظار نتائج التحقيق). من شأنها ان تضعف منطق الدولة وتوسع المساحات الموازية وقوانينها الاعتباطية. محاكمة علنية وعادلة ترافقها اوتليها اصلاحات ديموقراطية سريعة. هذا ما يجب ان يكون. اما الرد الاعلامي، فيبدو كاريكاتوريا بعض الشيء. كبْسة زر حولت الاعلام الى ملف «التنوير» وامتلأت الشاشات والاوراق بسحبات من الهجاء الانتي-اخواني، المنبعث من التاريخ. وعليه غبار آلة بطارية موسيقية تشغلها، فيطلع منها تنظيرا خافتاً رتيباً عن «مخاطر الدولة الدينية» وعن محمد عبده وقاسم امين.

هل هذا نصيب مصر من التغيرات الاقليمية الحاصلة في المنطقة؟ وقائع واحداث تثير المخيّلة الروائية؟ فحسب؟!

الحياة

31-12-06

د. ميّة الرحبي في حوار صريح للغاية

د. ميّة الرحبي في حوار صريح للغاية

تقول الدكتورة مية الرحبي أن السنوات الأخيرة لم تحمل سوى الشعارات فيما يخص قضايا المرأة في سورية. فاتفاقية السيداو التي وقعت عليهاد. مية الرحبي سورية أُفرغت من مضمونها بفعل التحفظات، والحكومة لا تزال تقف موقفا عدائيا من أي نشاط مدني، فضلا عن الهجمة العنيفة لرجال الدين المتشددين على الناشطات في مجال حقوق المرأة. كما وتعبر عن قلقها على نشاط الهيئة السورية لشؤون الأسرة، بسبب ارتباط نشاطها بالإرادة السياسية. لكنها تقول ايضا أن أهم ما حملته المرحلة الأخيرة، كان كسر احتكار الاتحاد النسائي وعلى مدى ثلاثة عقود للنشاط النسوي. الثرى التقتها وكان معها الحوار التالي:

كيف تمارس لجنة دعم قضايا المرأة برنامجها على صعيد تنفيذ أهدافها الخاصة بقضية المرأة في سورية؟

- لابد من التذكير أولا بأننا لجنة غير مرخصة حاليا، وإن كنا تقدمنا بطلب لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وننتظر الرد، ولكن وضعنا الحالي يجعل نشاطنا محصورا بالدور التثقيفي التنويري فيما يتعلق بقضايا المرأة، وذلك عن طريق الندوات والمحاضرات والمقالات والاستبيانات، بما يساهم في وعي المرأة بنفسها إنسانا كامل الأهلية، مواطنا كامل الحقوق والواجبات، ووعي الرجل بأهمية تحرير كل فرد من أفراد المجتمع ونيله حقوقه في الحرية والعيش الكريم، ويساهم في إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة من النواحي القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

ما هي الصعوبات التي تواجهكم في عملكم؟

هنالك صعوبات عدة:

أولها محدودية حركة جميع مؤسسات المجتمع المدني المرخصة منها أو غير المرخصة، وتجربة لجنة المبادرة الاجتماعية المرخصة ماثلة أمام أعيننا، فقد تم الضغط عليها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهددت بإيقاف عملها لقيامها باستبيان احتوى أسئلة عن موقف المجتمع من قضايا المرأة، مما أثار بعض رجال الدين المتشددين، ودعى الوزارة للضغط على الجمعية لسحب الاستبيان وإيقافه، وكأن الجمعية دائرة تابعة للوزارة، لا منظمة مدنية مستقلة، لذا فإننا لا نعقد آمالا كبيرة على حرية الحركة بعد الترخيص.

عزوف المواطنين عن الخوض في الشأن العام، نتيجة سنوات طويلة من عزلهم عنه واحتكار السياسة والمجتمع من قبل الدولة، والخوف المعشش في قلوبهم، إثر سنوات طويلة من القمع، مما يجعل استقطاب ناشطة جديدة للعمل النسوي من الصعوبة بمكان.

وقوف بعض رجال الدين المتشددين ضد أي تحرك في اتجاه تحسين أوضاع المرأة والمطالبة بحقوقها، وتذرعهم بالشريعة الاسلامية لابطال أي مطالبة بذلك.

يميل البعض إلى القول أن السنوات الست الأخيرة حملت جديدا على صعيد حقوق المرأة في سورية. هل توافقين على هذا الكلام وما هو تعليقك عليه؟

أريد أن أسأل هؤلاء البعض، مالذي حملته السنوات الست الأخيرة على صعيد الواقع، إلا الشعارات، لنأخذ المسألة بالأرقام والوقائع:

على المستوى الدولي: وقعت سوريا على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة نهاية عام 2002، ووضعت تحفظات على الاتفاقية، وخاصة على المادة 2 منها، والتي ألغت عمليا مضمون الاتفاقية كلها، ولم تلتزم الدولة بذلك بأي تغيير على صعيد قوانينها وأنظمتها بما يلغي أشكال التمييز ضد المرأة التي تعج بها قوانيننا ومجتمعاتنا.

على المستوى القانوني: تم تعديل جزئي بسيط طال المواد المتعلقة بحضانة الطفل في قانون الأحوال الشخصية، بحيث تم رفع سن حضانة الأم الصبي إلى 13 والبنت إلى 15 ، وتم إغفال مطالبات التعديل الأخرى التي يمكن أن تعين الأم نفسيا وماديا ومعنويا على الاستمرار في تلك الحضانة، كتأمين مسكن للحاضنة، أو نفقة منطقية من الأب، أو حقها بالاحتفاظ بحضانة أولادها بعد الزواج، رغم قيامنا بنشر دراسات عديدة تثبت أن هذا المطالب لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل مع النظام الذكوري فقط. كما لم يتم التطرق إلى أي تعديل على القوانين الأخرى المجحفة بحق المرأة في الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات.

على صعيد تعليم المرأة بقيت نسبة أمية المرأة في سورية 25% ( الإحصاء الوطني الأخير) ونسبة التسرب من المدارس 25-28%، ونسبة وصول الفتيات اللاتي دخلن أصلا التعليم الأساسي إلى الجامعات بحدود6%.

بقي الوضع الاقتصادي للمرأة ثابتا حسب الاحصائيات فلايزال عمل المرأة الأساسي في قطاعي الأعمال الخدمية الزراعية، وينقص تواجدها في الأعمال كلما ارتفع سلم الأجور

لازال وجود المرأة في مواقع صنع القرار إما محدودا أو غير فعال، لازالت العادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة منتشرة، ولازال لها قوة تفوق الدين والقانون، دون وجود عقوبات رادعة قانونيا لمن يتجاوز القوانين القائمة بما يسيء للمرأة.

هل حققت الجمعيات النسائية في سورية تقدما في مجال حقوق المرأة؟ أرجو منك تحديد هذا التقدم، هل هو تطور؟ مراوحة في المكان؟ أم تراجع؟

- لاشك أن هنالك إنجازات ولو كانت بسيطة في هذا المجال فالحديث عن حقوق المرأة والمطالبة بحقوقها، وتعرية أوضاعها، دون التشدق بالانجازات العظيمة التي نا لتها شعاراتيا، وتجاوز الحصار الذي فرضه الاتحاد النسائي على مدى ثلاثة عقود على النشاط النسوي ككل يعتبر بحد ذاته انجازا، ولكن هل يمكن توصيف هذا الوضع بإحدى الصفات الثلاثة الموجودة في السؤال؟، لا أعتقد، ولكنني آمل أنها بدايات لتطور لابد منه، وإن طالت نتائجه.

ما الذي يمنع الحكومة من منح تراخيص للجمعيات الأهلية، ولماذا برأيك تم منح بعضها تراخيص ورفض طلب البعض الآخر؟

الحكومة تقف موقفا عدائيا مسبقا من أي نشاط مدني، لأن هنالك فكرة مسبقة لديها عن أي مواطن ناشط في المجال العام، فلابد أنه يسعى لتخريب وتقويض ونسف الركود المريح الذي سيطر على مجتمعاتنا وأراح الطبقات الحاكمة من أي "وجع رأس" يمكن أن يجلبه أي تغيير، فقد اعتادت السلطات الحاكمة على معاملة المواطنين كقصّر، لا يعرفون مصلحتهم ومصلحة أوطانهم، ومن يخرج عن الركود الآسن إما مخرب إو خائن أو في أحسن الأحوال غبي لايفقه خطورة ما يفعله، لقد نصب النظام الحاكم نفسه وصيا على المواطنين والتهم المجتمع وعزله عن السياسة، وصادر أي نشاط مجتمعي يمكن أن يقوم به المواطنون، فحتى النقابات والمنظمات الشعبية لم تكن سوى أصداء وأبواقا تمجد السلطة التنفيذية بدل أن تقوم بواجبها في الضغط على الحكومات المتتالية لتأمين مصالح الطبقات التي تمثلها كما يفترض بوظيفتها أن تكون. لذا كا ن حرص الحكومة كبيرا على أن تضمن التزام أي جمعية سترخص بالحدود التي سترسمها لها الدولة، كما تم الاعتياد على الأمر، وكل من يشتبه بأنه سيثير مشاكل في المستقبل تتعلق بمطالبته بخلاف ما هو موجود وقائم لايمنح هذا الترخيص، ولا زالت موافقة أي جمعية مشروطة بموافقة العديد من الجهات الأمنية التي يجب أن تمنح بركتها لكل عضو في الجمعية، وقد تم منح الترخيص لجمعيتين نسائيتين فقط في السنوات الست الأخيرة، وأعتقد أن العلاقات والصلات الشخصية لعبت دورا في ذلك.

بعد قرابة الأربعين سنة على تأسيس الاتحاد العام النسائي في سورية، هل حقق هذا الاتحاد الغرض الذي أسس من أجله، وهل اختلفت الحال مع ظهور الهيئة السورية لشؤون الأسرة؟

تأسس الاتحاد العام النسائي عام 1967 بناء على المرسوم التشريعي رقم 121، بما يمكن من اعتباره مؤسسة حكومية، وقد شملت أهدافه بالدرجة الأولى " تنظيم طاقات المرأة وتوحيد نضالها تحقيقا لأهداف حزب البعث والثورة، في بناء المجتمع الاشتراكي الموحد" ( هدف 1 من قانون الاتحاد النسائي ونظامه الداخلي ) قبل "توحيد جهود المرأة لإزالة جميع العوائق الاجتماعية والقانونية والثقافية، التي تحول دون تطورها وتمنع مشاركتها الفعالة والكاملة في بناء المجتمع" ( هدف3 )، وهكذا تتابع صيغ الأهداف التي ميزت جميع الحركات الثورية التقدمية في الوطن العربي، والتي لاتهدف في دفاعها عن حقوق البشر، الدفاع عن حق كل إنسان بالحرية والكرامة والعيش الكريم، كهدف إنساني حضاري راق بحد ذاته، وإنما فقط من أجل حشد الجهود لبناء سياسي معين . وفي نفس الوقت صادر الاتحاد النسائي دور الجمعيات النسائية واستقلاليتها في العمل لصالح المرأة ونصب نفسه وصيا يناط به " رسم سياسة الجمعيات النسائية القائمة وتوجيه نشاطاتها وتطويرها بما يتفق وأهداف الاتحاد تمهيدا لانضواء سائر فعاليات المرأة في المنظمة " ( هدف 11 ) .

إلا أنه من الإجحاف بالتأكيد إنكار دوره في مجال محو الأمية ودورات التدريب المهنية، وإنشاء دور الحضانة لأبناء العاملات.

بالمقابل منع ترخيص أي من الجمعيات التي تسعى لتحقيق ذات الأهداف التي شكل من أجلها الاتحاد النسائي ، وهي دعم قضايا المرأة والنهوض بها.

ومن وجهة نظري لن يختلف كثيرا وضع الهيئة السورية لشؤون الأسرة، مادام تحركها مرتبط بالإرادة السياسية، التي تضع في حسبانها السياسة العامة قبل تحسين وضع المرأة والنهوض بها، إن إتاحة حرية التعبير والحركة لمؤسسات المجتمع المدني هو الذي سينقل النضال في سبيل حرية المرأة وحقوقها خطوات إلى الأمام كما حدث في الدول التي سبقتنا تطورا في هذا المجال، ومثال ذلك المغرب التي حصلت فيها المرأة على مكاسب هامة عن طريق النضال المجتمعي.

هل تتحمل الجمعيات النسائية جزءا من تردي أحوال المرأة حاليا؟ وكيف؟

وهل يمكننا القول حقا بوجود جمعيات نسائية كما في دول العالم الأخرى – توجد في كل بلد عربي مئات الجمعيات النسائية- حتى يمكننا أن نحملها مسؤولية ما؟

تتعرض ناشطات من الجمعيات النسائية في سورية إلى ردات فعل من قبل بعض التيارات الدينية في البلد. كيف تنظرين إلى الموضوع وما هو تعليقك عليه؟

بالفعل فقد تعرضنا في الفترة الأخيرة لهجوم صاعق من قبل بعض المتشددين، قد وصل الأمر بهم في الفترة الأخيرة إلى تحريض السلطات على الناشطات النسويات باتهامهن " بالعمالة للخارج" رغم مواقفنا الواضحة والتي صرحنا بها في جميع أدبياتنا ومارسناها على أرض الواقع، بأننا ضد المشروع الأمريكي الصهيوني للسيطرة على المنطقة، وأننا نرفض أي تمويل خارجي، بل أي تعاون مع المنظمات الخارجية التي تخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي نقف ضده بشدة، وهدفنا من ذلك ليس الحصول على صك براءة من أحد، بل لأن تلك هي مواقفنا التي نؤمن بها، والجميع يعرف ذلك. وهنا لابد لي أن أوضح دعم السلطات مؤخرا للتجمعات النسائية الدينية، في الوقت الذي يتم التضييق فيه على التجمعات العلمانية أو المعتدلة، وفي خبر أخير أعلن سماح السلطات للقبيسيات بالنشاط العلني، ونقلت وسائل إعلام عن الداعية محمد سعيد رمضان البوطي قوله أنهن لا يشكلن خطرا على المجتمع والدولة لأنهن "يقمن بالدعاء المستمر للرئيس بشار الأسد من دون التطرق إلى السياسة"، وأن "ولاؤهن للرئيس الأسد لا غبار عليه، وولاؤهن للوطن كبير". وهو نفسه الذي قال عن المنظمات النسائية الأخرى، أن هدفها " ليس انتصاراً لبند من بنود قانون، أو إلغاءاً لبند، أبداً، الهدف الإثارة، الهدف إثارة زوبعة، الهدف إحداث شقاق، لعل هذا الشقاق الداخلي يكون ثورة داخلية، ومن ثم تلتقي الثورة الداخلية مع الخط الخارجي في هذا الموضوع"، كما قال" المشكلة أن هذا الخط الذي وضعه الثنائي الصهيوني والأمريكي لكي ينجح لابد له من زوبعة داخلية" وقال " فإياكم وهؤلاء الذين يصكون آذانكم بالحديث عن الأحوال الشخصية، وما إلى ذلك، وحقوق المرأة، وحقوق الرجل، اعرفوا أن هؤلاء عبارة عن خدم لتحقيق الخطة الخارجية التي تحاك ضد الأمة العربية والإسلامية". ولن أعلق على ذلك أكثر.

تابع الكثيرون العمل التلفزيوني الذي قمت بكتابته وعرض في شهر رمضان الفائت "فسحة سماوية"، والذي قمت من خلاله بطرح الكثير من القضايا الجريئة المتعلقة بحقوق المرأة. ما هي أهمية الدور الذي يمكن للدراما التلفزيونية أن تلعبه على صعيد قضايا المرأة؟ وهل تعتقدين أن هذا العمل حصل على ما يستحقه من الاهتمام؟

لا شك أن الإعلام هو الوسيلة الأهم لإيصال المعرفة في العصر الحديث، وتحتل الدراما التلفزيونية موقعا هاما في صدارة المواد الإعلامية التي تستقطب وقت واهتمام الجمهور العريض، ومن هنا اتجه تفكيري نحو استخدام الدراما التلفزيونية في نشر أفكاري عن المرأة، ولكن لا يمكن اعتبار هذه الوسيلة أو الإعلام بشكل عام أهم من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة كما جاء في صيغة السؤال، بل يعتبر الإعلام أداة يمكن استخدامها من قبل تلك الجمعيات لنشر الوعي بقضية المرأة، وتلك مهمة من مهام عديدة لا تقل أهمية عن الإعلام يمكن لتلك الجمعيات القيام بها بما يخدم قضية المرأة، فالصلة المباشرة بالناس من خلال اللقاءات والندوات والمحاضرات التي يمكن أن تصل إلى أصغر قرية، والمشاريع التمويلية الصغيرة التي تساعد على تمكين المرأة، والصناديق الاجتماعية الداعمة للنساء المعيلات، والدراسات والأبحاث التي تسبر واقع المرأة، والمطالبات الدائمة بتعديل القوانين التمييزية ضد المرأة، ومراكز إيواء النساء المعنفات، والكثير الكثير من المهام التي يمكن أن تقوم بها الجمعيات النسائية لصالح المرأة، تعادل الإعلام بأهميتها. صحيح أن التجمعات النسائية في سورية غير قادرة على القيام بتلك المهام حاليا، بسبب حداثة عهدها والتضييق الممارس عليها، وعزوف الناس عن العمل التطوعي الجماعي، لأسباب موضوعية تتعلق بعزل الفرد من قبل الأنظمة الحاكمة عن أي نشاط مجتمعي لعقود خلت، لكن تجارب الدول الأخرى وخاصة العربية منها تثبت أن تلك الجمعيات قادرة على إحداث التغيير المطلوب لصالح المرأة، ولعل تجربة المغرب أكبر مثال على ذلك.

إن ما ذكرت لا يلغي بالطبع تأثير النخبة المثقفة التي يمكن أن تنشر أفكارها عن الحق والعدالة الاجتماعية باستخدام جميع أشكال الفنون والآداب، لتحدث تأثيرا في الوعي الجمعي بشكل تراكمي، أو كثورات فكرية، تترك علامات بارزة مميزة على طريق تقدم وتطور الإنسانية، كما فعلت بعض الأسماء الهامة في التاريخ العربي الحديث في مجال تحرر المرأة كقاسم أمين أو نوال السعداوي أو فاطمة المرنيسي أو نصر حامد أبو زيد.

أما الشق الثاني من السؤال المتعلق بعملي المتواضع، فانا لا أعرف صدقا التأثير الذي أحدثه في زحمة الأعمال الدرامية التي اختنقت بها الفضائيات العربية في شهر رمضان، والتي كانت الصدارة فيه للمسلسلات الكوميدية أو الأكثر إثارة، بحيث ضاع تأثير العمل على ما أعتقد في زحمة تلك الأعمال، ولكن ما أراهن عليه هو التأثير التراكمي للعمل على ذهنية الجمهور العريض، عندما سيتكرر عرضه على فضائيات عدة لسنوات متتالية، والذي إن رفد بأعمال درامية مماثلة على هذا الصعيد فسيترك بالتأكيد أثرا ايجابيا على وعي الناس بقضية المرأة والعدالة الاجتماعية على وجه العموم.

ولكن ما فوجئت به حقا هو الإهمال الذي لحق العمل من قبل النخب الثقافية المتنورة، وخاصة النساء منهن، إذ لم يحظ هذا العمل بأي اهتمام، رغم تناوله قضايا متعددة تخص المرأة والشباب والفئات الاجتماعية المهمشة والمضطهدة والإعلام، بل إن تعليقا وحيدا قرأته من قبل صحفية لا أعرفها، عابت على المسلسل سطحيته، وعدم تمكنه من طرح قضايا اجتماعية هامة!!!

يحيى الأوس

مجلة الثرى

الجثة والثأر والتوقيت

الجثة والثأر والتوقيت

غسان شربل

ما أصعب صدام حسين. مخيف إذا كان حاكماً. مربك إذا كان سجيناً. متعب في القصر. ومتعب في القبر. هذا رجل مكلف لمحبيه وباهظ لكارهيه.

ابتهجت حكومة نوري المالكي بإعدام صدام. ثم وجدت نفسها أمام مشكلة اسمها جثة صدام. مواراة الجثة في عنوان معروف تثير المخاوف. أغلب الظن ان أنصاره سيجعلون القبر مزاراً وسيكون من الصعب منعهم من زيارته. ان التقاطر الى قبر من هذا النوع ينذر باضطلاع صدام بدور معارض من القبر. وهناك الخطر الآخر وهو وارد في ضوء تاريخ العراق. خطر ان تتعرض الجثة لعملية خطف رغبة في التمثيل بها أو سحلها في شوارع بغداد لتأكيد الانتصار. إرسال الجثة لمواراتها في المنفى سيضاعف مشاعر الظلم لدى فريق من العراقيين. ستعيش الحكومات المتعاقبة هاجس عودة الجثة ذات يوم والاستقبال الذي يمكن ان تلقاه. أما دفن الجثة في مكان سري فسيضاعف هو الآخر هالة الاسرار المحيطة بصدام.

يمكن القول ان حكومة المالكي ارتكبت أكثر من خطأ باستعجالها إعدام صدام. كان في استطاعتها استكمال محاكمة الرجل في قضية الانفال وملفات أخرى، وربما كان ذلك ساهم في تسليط الضوء على محطات وفي كشف حقائق. كان من الأفضل ترك الرجل يجيب على أسئلة كثيرة تتعلق بأحداث عراقية واقليمية، وكان من شأن ذلك المساهمة في كتابة قصة العقود الأخيرة التي كان صدام فيها اللاعب الأول عراقياً ولاعباً بارزاً على المسرح الاقليمي.

كان يفترض بحكومة المالكي ان ترجئ تنفيذ الحكم الى مرحلة لاحقة متذرعة بالمصلحة الوطنية العليا. وكان من واجبها قبل تنفيذ الحكم استكمال جهود المصالحة الوطنية لتبديد شعور لدى فريق من العراقيين مفاده ان سقوط صدام كان ايضاً سقوطاً لطائفة ومنطقة. وكان من واجبها ايضاً تسريع إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث فضلاً عن ذيول قرار حل الجيش.

كان في استطاعة حكومة المالكي التعايش مع صدام سجيناً بانتظار ان يشعر العراقي العادي بأن الوضع الحالي أفضل مما كان عليه أيام الرئيس السابق. كان عليها ان توطد الأمن وتستكمل المصالحة بدل الوقوع في خطأ الاعتقاد بأن إعدام صدام يثبط عزيمة خصومها ولا يبقي لأنصاره غير اللحاق بقطار المصالحة.

كان من واجب حكومة المالكي الالتفات الى عامل آخر. أوليس من الأفضل إرجاء تنفيذ الحكم برئيس عراقي، كائناً ما كانت ارتكاباته، الى وقت يعلن فيه عن بدء انسحاب القوات الأجنبية من العراق أو عن جدول زمني لهذا الانسحاب. وهل غاب عن بالها ان اعدام صدام في ظل التقاتل المذهبي والتدهور الأمني والوجود الأجنبي سيزيد النار اشتعالاً وسيعمق مشاعر الطلاق؟

كان باستطاعة حكومة المالكي التنبه ايضاً الى التوقيت إذ لم يكن من الحكمة ابداً إعدام صدام في أول أيام عيد الأضحى المبارك.

جاء صدام وذهب صدام. الفرد عابر مهما كابر وأقام. يبقى ان لا تفتح جثة صدام الباب لأيام مليئة بالجثث. يستطيع العراق احتمال جثة صدام. لا تستطيع المنطقة احتمال جثة العراق.

الحياة

31-12-06

السياسة السورية على مشارف عام جديد

٢٠٠٦-١٢-٣٠

السياسة السورية على مشارف عام جديد

أكرم البني

خاص – صفحات سورية –

اللافت اليوم، ونحن على أعتاب عام جديد، أن الريح لا تسير بما تشتهي سفن السياسة السورية، ويبدو أن التطورات التي تحصل هنا وهناك تضيف مزيداً من الأعباء والتعقيدات على الوضع السوري، وتنذر بانتقاله من فترة التقاط الأنفاس، أو لنقل الارتياح النسبي، إلى مرحلة جديدة من المواجهة والحصار، ربما تكون أكثر صعوبة وحدّة مما مضى. يصح اعتبار العام 2006 عام نجاح السياسة السورية في اختراق حالة العزلة التي فرضت عليها، ربطاً بالمستجدات في العراق ولبنان.

ولم تكن تقوية العلاقة مع إيران، والإفادة من خطاب زعيمها الهجومي هي العامل الوحيد الذي ساعد السلطات السورية وشجعها على مقاومة الحصار؛ فقد لعبت التطورات الفلسطينية دوراً مكملاً بعد فوز حركة حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي، واعتبرت خطوة كبيرة أن يرسم خالد مشعل من العاصمة السورية الخطوط العريضة لسياسة حماس في السلطة.

ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على لبنان لتضيف الكثير من المساندة، وعلى الرغم من أنها أفضت في المحصلة النهائية إلى تبريد إحدى الساحات الساخنة، لكنها أعادت الاعتبار موضوعياً إلى دور سورية الإقليمي، وحسّنت فرصها وموقعها التفاوضي، كما أعطت حلفاءها في لبنان دفعة قوية في اللعبة الداخلية، معززة دورهم ومنازعتهم على السلطة.

وإذا أضفنا إلى ما سبق التفاقم المزمن للمأزق الأميركي في العراق وتأثيراته المكلفة على شعبية الحزب الجمهوري، وخسارته أكثرية مقاعد الكونغرس في الانتخابات النصفية لصالح الديمقراطيين، فإننا نقف أمام أهم الأسباب التي جعلت الموضوع السوري مدار بحث ومناقشة في الولايات المتحدة وأوروبا، وشجعت على طرح سياسة جديدة تجاه هذا البلد، عنوانها فتح نافذة للحوار والتفاهم، بعد فترة من الجفاء والمقاطعة.

وقد بدأ طرح هذه السياسة الجديدة بدعوة صريحة من قبل بعض الدول الأوروبية، وخاصة إسبانيا وألمانيا، إلى اعتماد أسلوب المرونة والاحتواء، قابلها في الجانب الأميركي تقرير لجنة بيكر-هاملتون الذي نصح أيضاً بفتح حوار مع دمشق وطهران لتجاوز المحنة العراقية، وتخلل هذه الفترة زيارات متواترة لأكثر من مبعوث ووزير أوروبي لجس النبض السوري. ولم تشذ إسرائيل عن هذا اللحن، فارتفعت منها أصوات تشجع على إخراج المفاوضات مع دمشق من الثلاجة.

أما اليوم، ونحن نستقبل العام الجديد، فيتضح أن الأمور لم تبق على المنوال ذاته، وأن ثمة مستجدات حصلت في الأسابيع الأخيرة لها طعم آخر، وأضفت على هذا المسار سياقاً مختلفاً؛ أهمها التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية، وتحول الصراعات هناك -بعد نزول المعارضة إلى الشارع- إلى مركز استقطاب حاد، فرض على الجميع خيارات حاسمة، وأعاد ترتيب الاصطفافات والمواقف، حاشداً في مواجهة السياسة السورية وحلفائها أغلبية دول العالم.

ولم تنجح التطمينات بحياد الدور السوري، وزيارات الرئيس الأسد إلى اليمن والإمارات وروسيا، في اختراقها وتعديلها، مقابل اتساع تأييد حكومة لبنان، والتحذير من أي محاولة لتفجير الوضع هناك، وأنه خيار مكلف لا طاقة لسورية على تحمله، ناهيكم عن أن تنفيذ القرار 1701، وإبعاد حزب الله عن جبهة الجنوب والتفاته إلى اللعبة الداخلية قد أراح إسرائيل كثيراً، وجعلها أكثر قدرة على المناورة، يتممها في الجانب الفلسطيني تفاقم مأزق حركة حماس، وتقدم خيار الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، من دون أن ننسى نتائج الانتخابات البلدية الإيرانية التي أظهرت انحساراً واضحاً في شعبية الرئيس احمدي نجاد، وتوصل مجلس الأمن إلى قرار بفرض عقوبات على إيران، أظهر هذا البلد وحيداً ومعزولاً أمام حالة من الإجماع الدولي.

صحيح أن الوضع الفلسطيني لا يزال بين أخذ ورد، لكن الصحيح أيضاً أن ارتباك الحالة الفلسطينية، ووصول الأمور إلى ما وصلت إليه، يُفقد النظام السوري دعماً معنوياً طالما تغنى به.

ثم إذا اتفقنا أن الانتخابات البلدية في إيران، وقرار فرض عقوبات على هذا البلد، لا يؤثران بصورة مباشرة في السياسة الخارجية، إلا أنهما بلا شك يضعفانها ويحدان من عنفوانها. وطبعاً كل ما سبق لا يمكن أن يمر مرور الكرام على السياسة السورية، خاصة وأنها اتكأت على الدور الإيراني كثيراً، واستنجدت به في معظم ملماتها، مثلما لا يمكنها أن تغفل التصريحات غير المشجعة لأكثر من وفد أوروبي وأميركي بعد زيارته لدمشق؛ وكلنا يتذكر موقف وزير خارجية ألمانيا، وتصريحات السيناتور نيلسون، عن خلافات حادة ظهرت مع المسؤولين السوريين حول لبنان، ما سمح بعودة روح التشدد في التعامل مع النظام، لم تخفف حدتها الزيارة التي اعتبرت تاريخية لوزير خارجية سورية إلى بغداد وقرار فتح السفارات بين البلدين، أو ما أشيع عن رسالة وجهتها القيادة السورية إلى حكومة إسرائيل وكشفت عن مرونة لافتة، وتنازلات مهمة لقاء إحياء المفاوضات، لتقول الوقائع كلمتها بأن الفرصة التي منحت للسياسة السورية لإثبات حسن نياتها قد بددتها في لبنان، وان الجهود الرئيسة انتقلت من حقل الحوار والتفاهم معها نحو إنجاح التنمية السياسية في العراق وفلسطين ولبنان، ما يفسر الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الأميركي إلى بغداد، وخطته لضمان أمن العاصمة العراقية، واللقاء الأخير بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس وزراء إسرائيل، والدعم غير المسبوق عربياً وعالمياً لحكومة السنيورة في لبنان.

لنعترف أن نجاح أي حوار وتفاهم بين طرفين يرتهن بالاستعداد لتقديم التنازلات، أو قبول كل منهما بشروط ما كان ليقبل بها ابتداء، لكن تطلع السياسة السورية إلى إعادة ماضيها الإقليمي إلى سابق عهده، واعتقادها بأنها ربحت جولات مهمة قبل وبعد الحرب على لبنان، وأنها أكرهت الغرب على الاعتراف بوزنها ودورها، جعل الحديث عن فك الحصار أشبه بالأوهام، وأظهر ما يثار عن استعداد للحوار والتعاون أشبه بمحاولة للعب على الوقت محفوفة بمخاطر كبيرة، لا سيما وأن السياسة السورية لم تعد تملك هامشاً واسعاً للمناورة كما تعتقد، وذلك لسببين: أولهما: تراجع الثقة بها، وشيوع إحساس غربي بعدم قدرة القيادة السورية على الوفاء بوعودها والتزاماتها بعد تجريبها أكثر من مرة، وانقلابها على غير فرصة أعطيت لها لم تثبت فيها رغبة صادقة في التعاون، بل إصراراً على الطرائق والعقلية القديمة ذاتها في فرض هيمنتها وتأكيد دورها.

وثانيهما: شبح المحكمة الدولية، وتراجع القدرة موضوعياً على تقديم ضمانات حول مسار التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري وما ستجره من آثار سلبية في حال تبين للجنة التحقيق الدولية أن هناك مسؤولية سورية ما في الاغتيال.

فيما مضى كانت السياسة السورية تتفنن في اللعب على عامل الوقت، والجمع بين المتناقضات -الاتحاد السوفييتي وأميركا، أو الشرق والغرب- لتعزيز وزنها وتسويغ دورها، مطمئنة نسبياً إلى الروح العامة التي تحكم السياسات العالمية، وروح التفاهم والتسليم بدورها الإقليمي.

لكن اليوم ثمة مرحلة جديدة بدأت، عنوانها تفكيك آليات الصراع العتيقة، وقلب قواعد اللعبة القديمة، ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن المناورات الجديدة لإعادة الوزن السوري ودوره الإقليمي تسير في طريق مسدودة، في ذات الوقت الذي يتنامى لدى الشعب السوري إحساس عميق بالقلق من خطورة الوضع الراهن وخطورة ما هو آت، ربطاً باستمرار إدارة الأزمة بحسابات المصالح الضيقة، وبعقلية الماضي وأساليبه.

كاتب سوري

30-12-2006

صدام أول رئيس عربي يعـدم تحـت الاحتــلال؟

صدام أول رئيس عربي يعـدم تحـت الاحتــلال؟

صار موعد إعدام أول رئيس عربي يحاكم تحت الاحتلال، وشيكا. واذا كان العراقيون انقسموا بين مؤيد ومعارض لاعدام صدام حسين، فان الخوف هو ان يكون الاحتلال نجح في استغلال قضية صدام لكي تبدو وكأنها مشكلة العراق الاساسية، فيما يظل الاحتلال بمنأى عن أي محاكمة.

كما ان قرار اعدامه خلال الساعات المقبلة يثير تساؤلات عن الهدف من مثل هذا التوقيت الذي يتزامن مع عيد الاضحى. وفي حين كان الرئيس العراقي (الكردي) جلال الطالباني اعرب مرارا عن رفضه التوقيع على قرار الاعدام لمعارضته لمبدأ الاعدام بحد ذاته، فان توقيع رئيس الحكومة (الشيعي) نوري المالكي من شأنه ان يضفي طابعا مذهبيا على شنق صدام.

ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن مسؤول عراقي حكومي كبير ان صدام سيعدم قبل الساعة السادسة من صباح اليوم، مضيفا انه «تم الاتفاق على التوقيت. وسيجري الأمر بحلول الساعة السادسة صباحا». وتابع «تم التوصل إلى الاتفاق خلال اجتماع بين مسؤولين عراقيين وأميركيين.

صدام سيسلم (إلى الحكومة العراقية) قبل وقت قصير من الإعدام».

وكان مسؤول كبير في الإدارة الاميركية أعلن، أمس الأول، أن البيت الأبيض يتوقع تنفيذ حكم الإعدام بصدام في وقت قريب جدا، «ربما» اعتبارا من اليوم.

وحكم القضاء العراقي على صدام حسين، والأخ غير الشقيق لصدام برزان التكريتي، والرئيس السابق للمحكمة الثورية عواد البندر بالإعدام، لمسؤوليتهم عن مقتل 148 قرويا في قرية الدجيل في ثمانينات القرن الماضي.

وقال المستشار السياسي لرئيس الحكومة نوري المالكي، سامي العسكري، «لقد تم جمع كافة الوثائق المتعلقة بتنفيذ الحكم، وأصبحت جاهزة». وأضاف «لم يبق سوى وقت قصير قبل تنفيذ حكم الإعدام. وسيتم تنفيذ الحكم إما قبل فجر اليوم أو فور انتهاء عيد الأضحى» الذي ينتهي الأربعاء المقبل.

ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن مصدر عراقي قوله إن المالكي وقع على حكم إعدام صدام، إلا انه أشار إلى أن السلطات العراقية لم تتسلم الرئيس العراقي المخلوع بعد، موضحا «سوف نتسلمه عندما يقترب موعد تنفيذ حكم الإعدام».

وأعرب وزير العدل القطري السابق نجيب النعيمي، الذي دافع عن صدام، في مقابلة مع الـ«بي بي سي»، عن اعتقاده بان صدام سيعدم قريبا. وقال «نحن نعتقد انه سيعدم غدا (اليوم) كهدية للعراقيين» في عيد الأضحى. وأوضح «نحن نتحدث معهم الآن حول الجثة نفسها... نريد أن تعاد الجثة إلى عائلته، حتى يمكنهم دفنها في أي مكان يريدون».

وفي محاولة أخيرة لوقف إعدام صدام، تقدم محاموه بالتماس أمام المحكمة الفدرالية في واشنطن، مطالبين بوقف نقل الرئيس العراقي من «وصاية» قوات الاحتلال إلى السلطات العراقية. وكانت المحكمة رفضت، أمس الأول، دعوة مماثلة تقدم بها محامو البندر.

وتضاربت الأنباء حول تسليم قوات الاحتلال الاميركي صدام إلى السلطات العراقية، وهي الخطوة الأخيرة قبل إعدامه.

وأعلن رئيس فريق الدفاع عن صدام، خليل الدليمي أن «الجانب الاميركي ابلغنا أنهم سلموا الرئيس إلى السلطات العراقية... وطلبوا منا عدم الذهاب إلى بغداد»، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية توم كيسي شدد على أن الرئيس العراقي المخلوع لا يزال تحت حراسة القوات الاميركية، ولم يسلم إلى السلطات العراقية. وكان الاحتلال طلب من هيئة الدفاع «الحضور لتسلم الأغراض الشخصية لصدام والتكريتي».

(ا ف ب، ا ب، رويترز)