هل صار لحّود الهدف السوري؟
جبران تويني
هل يُعقل ان يستخفّ الرئيس بشار الأسد الى هذا الحد بعقول اللبنانيين وبعقول المجتمع الدولي عندما يدّعي في مقابلة مع صحيفة "ال موندو" الاسبانية ان سوريا لم تكن مسؤولة عن الأمن في لبنان؟...
إلا إذا كان الرئيس الأسد بعيداً فعلاً عن كل تصرفات عناصر الجيش السوري واجهزة مخابراته طوال وجودهم في لبنان ولم يقرأ ولم يسمع ولم يستمع!...
فهل من الضروري ان نذكّره مثلاً بكل جولات القتال كي لا نقول القتل التي شارك فيها الجيش السوري خلال اكثر من ربع قرن؟ هل نذكّره بجولات القصف وباجتياحات القرى أو حصار المدن؟ هل نذكّره بما حصل في صيدا وفي بيروت وفي طرابلس وفي زحلة وفي عكار وفي الجبل؟...
هل نذكّره بالدور "الإيجابي والبنّاء" لكل مراكز مخابراته بدءاً بالبوريفاج مروراً بالشمال والجبل وصولاً الى عنجر؟ هل نذكّره بعدد اللبنانيين الأبرياء الذين اعتقلوا في الليل والنهار وسجنوا في الأقبية وخضعوا لأبشع أنواع التعذيب؟
هل نذكّره بالمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية؟
هل نذكّره بأوامر المهمة التي كانت توزع على من يتعامل مع المخابرات، إضافة الى رُخص حمل السلاح ورخص تسهيل المرور، والتجسس وتقارير الدس وأوامر القاء القبض على المواطنين اللبنانيين؟
... وهل نذكّره بعدد المنازل والقصور والأراضي التي صودرت لـ"ضرورات أمنية"؟
هل ننسى الذلّ والاذلال اللذين تعرّض لهما الشعب اللبناني طوال 29 سنة؟
لا، لن ننسى ولكننا لن نحقد أيضاً لان الحقد غير موجود في قاموس المؤمنين، في قاموس اللبنانيين!
واسمحوا لنا هنا أيضاً ان نعلّق بقلب مفتوح على خطوة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، الذي طلب بكل براءة طبعاً - من كوفي أنان ان يشطب من تقرير لجنة تقصّي الحقائق الدولية الفصل الذي يتناول تهديد الرئيس الاسد للرئيس الشهيد رفيق الحريري...
ألا يرى الوزير السوري ان للوقاحة حدوداً؟!
قد يكون في نظره من السهل ان يكذّب قول شهيدٍ، ولكن هل نسي الوزير الشرع ان الشهيد كان قد نقل تفاصيل هذا "اللقاء التاريخي" ودقائقه الى أكثر من جهة بالإضافة الى أفراد عائلته؟ ربما لأنه اعتبر ان حياته اصبحت فعلاً في خطر وانه من الضروري ألاّ تبقى تفاصيل كل "اللقاءات التاريخية" مرميّة في "جوارير" سرية كي لا يُكتب تاريخ لبنان على ذوق مزوّري التاريخ!
لذا نتمنى على الوزير الشرع ان يسحب طلبه احتراماً لدم الشهيد وكرامته، واحتراماً لكرامة عائلته والعائلة اللبنانية عموماً!
أما بعد، فلا لزوم للتذكير بأننا نصرّ على فتح صفحة جديدة مع سوريا بعيدة عن التشنج والحقد و... تصفية الحسابات الصغيرة والكبيرة!...
ولا لزوم ايضاً لتذكير سوريا بأن خطيئتها المميتة كانت في زرعها الحقد في قلوب اللبنانيين طوال وجودها في لبنان، بينما كان المطلوب لبنانياًً وسورياً زرع الثقة والطمأنينة والمحبة بين الشعبين والبلدين.
واسمحوا لنا ان نقول ان كلامنا ليس تجنياً على احد بل مجرّد وصف لواقع أليم، وما علينا الا ان نتوقف عند ظاهرة "تأمين انسحاب" اللافتات المؤيدة للنظام السوري وتماثيل المسؤولين السوريين قبل انسحاب العسكر والمخابرات لنفهم هذا الواقع الأليم!
صدّقونا، لم نكن نتمنى ان يحصل ما حصل، إذ كنا نود ان يؤدي وجود الجيش السوري لأكثر من ربع قرن في لبنان، الى أن يحمي الشعب اللبناني بمحبته صور المسؤولين السوريين وتماثيلهم عربون شكر لهم... لكن العكس هو الصحيح، لأن النظام السوري بكل بساطة اخطأ في التعامل مع لبنان وشعبه!
من هنا ضرورة الإسراع في فتح صفحة جديدة مع سوريا، لأن العلاقة بين البلدين والشعبين لا يجوز إلا ان تكون علاقة وثيقة، لا بل أفضل العلاقات!
***
وفي موضوع تأليف الحكومة الجديدة، نتمنى على الرئيس المستقيل المكلّف المعتذر مبدئياً ألاّ يكون تأجيل اعتذاره مناورة من مناوراته بغية عرقلة تأليف حكومة جديدة قد تخرجنا من المأزق الذي اوصلتنا اليه الحكومة المستقيلة ورئيسها نفسه!
قال الرئيس كرامي انه يريد استئذان لقاء عين التينة قبل ان يبلّغ رسمياً الرئيس لحود اعتذاره... علماً انه يوم استقال لم يستأذن احداً على غير عادته ، ربما لأنه أدرك ان الشعب وحده يجب ان يكون المرجع الأول والأخير.
فماذا تغيّر اليوم يا ترى؟ هل المطلوب من الرئيس المكلف ومن لقاء عين التينة شلّ عملية تأليف حكومة جديدة، حكومة وافقت المعارضة على تأليفها من اجل اجراء انتخابات حرة في موعدها؟
وبأي دور يضطلع اليوم الرئيس بري يا تُرى؟ وهل يحق له ان يلغي الدور الحيادي والجامع لرئاسة المجلس؟
هل يحق له ان يصبح طرفاً في الصراع السياسي يساهم إلى جانب اللقاء الذي يرأسه في شلّ الحلول وعرقلتها على حساب الاستقرار الوطني؟
وهل المطلوب اليوم من الرئيس كرامي ولقاء عين التينة ان يناورا ويراوغا ويتكتكا بغية الإنتقال من أزمة حكومة الى أزمة حكم؟!
بمعنى آخر، هل غيّرت سوريا سياستها اليوم فصار المطلوب مقايضة رأس رئيس الجمهورية بتحريك الأمور وحلحلتها؟
هل صار هدف سوريا ولقاء عين التينة والرئيس عمر كرامي إسقاط الرئيس اميل لحود من اجل تأجيل الإنتخابات النيابية وتأخير الإنسحاب السوري وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بواسطة مجلس نواب ما زال حتى اليوم خاضعاً بأكثريته للوصاية السورية؟
... ام ان سوريا تحاول فتح بازار جديد مع الداخل اللبناني والمجتمع الدولي تكون نقطة انطلاقه العودة عن "خطيئة التمديد" عبر تغيير الرئيس لحود؟!
على كل حال، نحمّل الرئيس كرامي وحكومته المستقيلة ولقاء عين التينة والرئيس بري والنظام السوري الذين يحاولون اليوم القيام ببازارات وصفقات ومناورات تصب كلها في خانة التأجيل والمراوغة والمناورة، نحمّلهم مسؤولية تأزيم الأوضاع الأمنية والسياسية والإجتماعية والإنسانية والإقتصادية والمالية!
ان المطلوب اليوم واحد: اعتذار الرئيس كرامي فوراً عن عدم تشكيل الحكومة، وتكليف رئيس جديد يشكل حكومة توافق وطني تعجّل في
إقرار قانون الإنتخاب من اجل إجراء الإنتخابات في موعدها، وتقيل المسؤولين الأمنيين، وتواكب أعمال لجنة التحقيق الدولية وتعمل على تنفيذ الجدول الزمني لانسحاب القوات السورية ومخابراتها من لبنان قبل الانتخابات المقبلة.
ان المطلوب واحد، والكرة اليوم في ملعب السلطة والموالاة والنظام الوصي عليهما!