مدونة صفحات سورية الجديدة

٢٠٠٧-٠٩-١٠

مدونة صفحات سورية الجديدة
demo



علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون... ولكن أين الأمة؟

٢٠٠٧-٠٧-٢٥

علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون... ولكن أين الأمة؟

ياسين الحاج صالح

خاص – صفحات سورية -

في التصور المتداول عربيا للعلمانية، ثمة تركيز مفرط وشبه حصري على لحظتها الانفصالية، انفصال الدين عن الدولة، وغفلة تامة عن اللحظة الاتصالية المؤسسة لها. وأعني بهذه شيئين: اتصال الدولة بالأمة، أو سيادة الأمة، وهي جذع الديمقراطية كما هو معلوم؛ ثم اتصال الأمة بذاتها وشروط حياتها المعاصرة، بما يلبي وظيفتي التماهي الداخلي والغيرية أو الاشتراك في العصر والانفتاح على العالم.

يتعلق الأمر بالنهضة الثقافية وتطوير منظومات معرفية ورمزية وقيمية تمكن مجتمعاتنا من استيعاب شروط حياتها وتملك واقعها وإضفاء معنى على وجودها وتوسيع أفق المتخيل أمامها، أي باختصار تكون ثقافة (ثقافات) قومية متطورة أو عالمية. والمقصود بهذه ثقافة قومية نمت ثقتها بنفسها فتخطت أنانيتها الطبيعية، وأخذت تتعاون بثقة مع غيرها من الشعوب والثقافات في صنع عالم متنوع ومفتوح.

وليس بُعدَا اللحظة الاتصالية عنصرين في إشكالية العلمانية كما تطورت في الغرب. فهذه تقتصر على استقلال الدولة أو حيادها حيال الأديان. هذا مفهوم. ففي العملية التاريخية التي تشكل فيها الغرب الحديث كان تحويل السيادة إلى الأمة، وقد تمخض لاحقا عن الديمقراطية، مقترنا بتشكل الأمة ذاتها وبروز محددها السياسي والثقافي الدنيوي على حساب محددها الديني. وكانت النهضة الأوربية التي أضفت صفة نسبية على النظرة المسيحية إلى العالم، والإنسانوية التي جعلت من الإنسان مركزا للكون ومقياسا للأشياء، والإصلاح الديني الذي فرّد الدين وأسهم في صنع الضمير، كانت أوجها لتحول تاريخي، برز انفصال الدين عن الدولة محصلة له وتعبيرا عنه في الوقت نفسه. بعبارة أخرى، للعلمانية في الغرب تاريخ، أو "ما قبل تاريخ"، يسبقها زمنيا ويؤسس لها منطقيا.

وإنما لحظتا الاتصال السياسية، أي الديمقراطية، والثقافية، أي الهوية القومية المتطورة، هما ما يشكل المضمون الإيجابي الذي تستند إليه العلمانية بوصفها فصلا. ولا تحوز العلمانية هذا المضمون الإيجابي من تلقائها، فهي مفهوم سلبي أصلا.

سجال ديمقراطي علماني: ما الذي يغيب؟

على أن اللحظة الاتصالية السياسية قد تحضر لدينا في صورة سجالية على شكل تساؤل: علمانية أم ديمقراطية؟ أي فصل بين الدين والدولة أم وصل بين الدولة والأمة؟ كما لو أن من المحتم أن تكون العلاقة بين العمليتين إقصائية. وسنحاول هنا أن نقول لماذا تبدو كذلك في مداولاتنا، وكيف يمكن أن تسير العمليتان معا.

بداية، لا يكفي الوصل بين الدولة والمجتمع من أجل الفصل بين الدين والدولة. بلى، أكثر العلمانيين العرب الخالصين لا يبالون بالديمقراطية، إن لم يصطفوا صراحة إلى جانب الاستبداد. لكن رغم ذلك الديمقراطية لا تغني عن العلمانية. بلى أيضا، قلما يهتم الديمقراطيون الأقحاح بالعلمانية، وقد يقفون إلى جانب الإسلاميين ويغفلون عن المشكلة الدينية. ومع ذلك فإن فصل الدين عن الدولة لا يضمن تكون الأمة وتأهيل الدولة الديمقراطية. وسنقول على الفور إنه يغيب عن طرحنا قضيتي الديمقراطية والعلمانية مسألة تكون الأمة والعلاقة بين الأمة والدين. كيف ذلك؟

إن تمحور كل من الديمقراطية والعلمانية في التداول الثقافي والسياسي العربي حول الدولة، هذه التي يراد فصل الدين عنها مرة ووصل الأمة بها مرة، يُبقي العلاقة بين الدين والأمة خارج التفكير. إذ بينما تنشغل الديمقراطية بوصل الدولة والأمة، وتهتم العلمانية بفصل الدين عن الدولة، ليس ثمة مقاربة فكرية سياسية تعنى بأمر العلاقة بين الأمة والدين. هنا ثمة فراغ فكري وسياسي، هو الذي يملأه الإسلاميون. فهؤلاء يصادرون على تطابق الأمة والدين، الإسلام بالطبع، وتاليا يتقبلون الديمقراطية مفهومة كتعبير للدولة عن "الأمة الإسلامية" أو الوصل بينهما، ومن ثم سيكون القرآن هو الدستور والشريعة هي القانون والإسلام هو الحل. ومن المفهوم أن العلمانية تمسي لا معنى لها. فالفصل بين الدين والدولة سيعني الفصل بين الأمة والدولة، أي القضاء على "الديمقراطية" ذاتها.

الأمة السياسية والأمة الدينية

لكن هل ثمة تطابق بين الدين والأمة؟ هل الأمة إسلامية؟ الإجابة الواضحة على هذه السؤال لا مناص منها لأن افتراض إسلامية الأمة هو حجر الزاوية في عقيدة "الإسلام السياسي". وأضعف الإجابات فيما نرى هي تلك التي تقول لسنا كلنا مسلمين، بيننا مسيحيون.. إلخ. وأمتنها هي التي تقول إن "الأمة الإسلامية" هي جزء من أممنا المعاصرة، أو حزب فيها، وقد تكون حزب أقلية. هذا لأن الاجتماع السياسي الحديث مولد لانقسامات متعددة المستويات في كل المجتمعات والثقافات، وهذه الانقسامات تحدد خيارات الأفراد والجماعات مضعفة تأثير المحدد الديني. وصعيد الوحدة الوحيد الممكن في هذه المجتمعات هو الدولة والسياسة، الصعيد المعني بصنع إجماعات أو أكثريات متبدلة، تقوم على أسس من المصلحة والحكمة البشرية والمعرفة الدنيوية. والانقسام المتعدد المستويات قائم في مجتمعاتنا كما في غيرها، ولو تمتعت هذه المجتمعات بسويات أوسع من الحرية لظهر تنوعها وانقساماتها بصورة أوضح (وربما لطورنا هياكل سياسية صانعة لإجماعات تعدل الفاعلية الانقسامية).

وهنا ينبغي أيضا إجراء التمييز الأساسي بين أمم المواطنين، أو الأمم السياسية، وبين أمة المؤمنين، أو الأمة الدينية. فالأولى تعيش في هذا العالم وتعرف نفسها به، تعاصره وتنازعه وتسهم في تشكيله وتعترض عليه، فيما الثانية تعيش في عالم عقائدها والتزاماتها الدينية الثابتة. وإذا كان يبدو أن أمتنا الدينية تجمع بين الانسحاب من العالم والخروج عليه، فلأنها تريد أن تجعل من نفسها أمة سياسية في الوقت نفسه، أو تجعل من الدين سياسة. لكن من حيث المبدأ، ما من تعارض جذري ونهائي بين الأمتين السياسية والدينية، لكنهما غير متطابقتين، والعلمانية هي صيغة تنظيم العلاقة بينهما. بل إن التمييز بينهما هو شرط العلمانية.

لكن ما الأمة السياسية أو أمة المواطنين؟ وهل تنتظم بلداننا كأمم سياسية؟ وما هي القيم والمعاني والرموز والقوانين والمفاهيم التي تنتظم حولها أمة المواطنين؟ هنا المشكلة. العلمانية الانفصالية تنشغل بفصل الدولة عن قيم ورموز ومعاني وقوانين دينية، فلا تجيب على السؤال، أو هي تحيل إلى "العصر" و"العالم" إحالة مجملة، تضمر أن العناصر الثقافية تنتقل من مجتمعات ("متقدمة" و"عصرية") إلى أخرى ("متأخرة") دون إشكال. وهي بذلك تطلب الغيرية دون هوية، أو لا تهتم بوظيفة الهوية أصلا. وبالطبع لن تقوم ثقافة قومية متطورة على ساق واحدة. والديمقراطية الاتصالية لا تجيب، مفترضة أن أمة المواطنين أمر معطى، وأن المشكلة الوحيدة هي انفصال الدولة عنها. أما الإسلاميون فيجنحون إلى تحجير الهوية حين هم، على عكس العلمانيين، يمنحون قيمة مطلقة للهوية أو التطابق مع الذات، ولا يهتمون بوظيفة الغيرية أو التعاون العالمي والمشاركة في العصر. هنا أيضا لا تقوم ثقافة قومية.

العلمانيون لا يهتمون بأساس ثقافي وروحي ورمزي تقوم عليه الأمة، الإسلاميون يعتبرونه موجودا بلا إشكال وهو "الإسلام"، والديمقراطيون يحيلون إحالة مجملة إلى "ثقافتنا". لكن يبدو لنا أن تصور الأمة دون أساس ثقافي وروحي ورمزي، على ما يغلب استخلاصه من مفهوم العلمانية الانفصالية، هو السر في ما تبثه لدينا الأدبيات العلمانية من أنها تغفل شيئا أساسيا، قلما نعرف كيف نسميه. هذا أمر يعني الديمقراطيين أيضا. فالأمة التي يمكن أن تنتظم ديمقراطيا هي أمة متميزة عن الدين، مستقلة عنه. ليست أمة دينية. إنها أمة مكونة من أفراد وشرائح وتشكيلات اجتماعية طوعية، استقل منتسبوها عن روابطهم الدينية والدموية. ليست الأمة الديمقراطية معادية للدين، بل قد تكون أمة متدينة إلى حد كبير، لكنها ليست بالقطع أمة دينية، وبالتأكيد لا يحكمها الدين بل تحكم نفسها.

لكن ما عساه يكون الأساس الروحي والرمزي والثقافي للأمة؟ ليس الدين بالتأكيد لأن الأمة التي تنتظم حوله دينية، والأمة الدينية هي جزء فحسب من أي من "أممنا" الراهنة. وليس العلمانية لأن هذه لا مضمون إيجابيا لها. وليس ثقافتنا الراهنة بما فيها من دين ولا دين كما ربما يرى الديمقراطيون، لأن هذه فاقدة للاتساق وضعيفة الإبداعية، ومن الواضح أنها لا تمثل ثقافة قومية متطورة، تلبي وظيفتيْ الهوية والغيرية بكفاءة.

إذن، لدينا أساس ثقافي وروحي، لكن الأمة التي تنتظم حوله دينية وجزئية، ولدينا أمة سياسية افتراضية لكنها تفتقر إلى أساس ثقافي وروحي حيوي ومتسق. فهل يمكن تطوير الأساس الثقافي الروحي المتاح ليصلح ميثاقا لأمة جديدة؟ وبالتحديد هل يمكن تجديد الدين الإسلامي أو إصلاحه بما يناسب تكون أمة مواطنين، أي بما يسهل العلمانية ويلائم الديمقراطية؟ لا نرى بديلا عن ذلك.

إصلاح ديني وثقافي

في هذا الصدد، هناك موقفان متطرفان: موقف من يريد عزل الدين تماما أو إقالته من الحياة العامة، وموقف من يعتقد أن الإسلام الحالي يصلح أساسا أو عنصرا أساسيا في اجتماعنا السياسي والثقافي الحديث. ضد هذين ننحاز إلى مبدأ الإصلاح الديني. ونعطي لهذا المفهوم مضمونا يتصل بنفي الإكراه وكل ما يتصل به من الدين، وتعهد إقامة هذا على الوجدان أو الضمير المستقل. ونعتقد كذلك أنه يجب التحرر من أوهام عزل الإسلام أو دحره، لا لأنها متطرفة جدا وعدمية فقط، ولا لأنها تصدر عن روح عدائية عقيم، لا تستطيع أن تفهم أن حضور الإسلام وانتشاره طوال 14 قرنا يعني أنه يستجيب لمطالب وحاجات روحية واجتماعية أصيلة، وإنما كذلك لأن أمة بلا ركائز روحية ومعنوية صلبة وعريقة هي أمة يصعب أن تكون حرة ومبدعة. وهنا نستطرد قليلا في شأن العلمانية العربية، التي يجنح كبار ممثليها وصغارهم بسهولة نحو موقف معاد للدين الإسلامي. ربما هذا ما يمنعهم من تبين أهمية أساس ثقافي وروحي غني للأمة. ونرى في هذا الصدد أنه يتعين فك الارتباط بين العلمانية والعداء للإسلام إن كان للعلمانية أن تكون تيارا فكريا وسياسيا ناهضا ومستقبليا في بلداننا.

من جهة أخرى، دون إصلاح ديني ينبذ الإكراه سترتد الديمقراطية إلى تقنية سياسية معدومة أو محض إجراء، لا شيء يضمن الثبات عليه. كذلك دون إصلاح ديني ستفرض العلمانية بالإكراه.

على أن الإصلاح الديني ركن أساسي، أو الأساسي، في إصلاح ثقافتنا بأبعادها الرمزية والأخلاقية والمعرفية والجمالية، باتجاه توسيع طاقتها الاستيعابية وتطوير قدراتها الإبداعية. إن ثقافة رفيعة المستوى، فنيا وفكريا وعلميا..، تلبي من المطالب الروحية ما قد يخفف الضغط على الدين. اعطني ثقافة رفيعة راقية، أضمن لك انفصالا ميسورا للدين عن الدولة. وبالعكس من شأن ثقافة مشتتة الروح، محدودة الإبداعية، قاصرة عن القيام بوظيفتي الهوية والغيرية، أن تكتنفها التمزقات والصراعات والعدوانية وجفاف الروح، وأن تنشغل بالسلطة وتدور حولها، بما في ذلك دينها أو أديانها.

في الختام، ينبغي أن يكون اتضح أصل التنافي بين الديمقراطية والعلمانية في تداولنا الفكري والسياسي المعاصر: غياب الأمة. يريد الديمقراطيون وصل الدولة بالأمة كما لو أن هذه قائمة ونشطة ودون اشتغال على ثقافتها ودينها، ويريد العلمانيون فصل الدين عن الدولة دون اهتمام بقيام الأمة ثقافيا وسياسيا. هذا لا ينجح. ولن ينجح.

فإن كان للديمقراطية والعلمانية أن تتقدما معا، فينبغي أن تولد الأمة. هذا يوجب إصلاحا دينيا ونهوضا ثقافيا.

المشروع الأبيض لإلغاء الرقابة في سورية (2+3)

المشروع الأبيض لإلغاء الرقابة في سورية (2+3)

ابراهيم الجبين

خاص – صفحات سورية -

أنظر الجزء الاول من هذه المقالة

الفكرة تتطور... والمشاركون يزدادون حماساً..‏

المزيد من الأصوات ترفض الرقابة السورية على الكتاب وتطالب بتغيير آلياتها !!‏

كان لنشر الجزء الأول من (المشروع الأبيض) وقع أكبر، وأكثر تأثيراً مما خمّن له المتشائمون.

أما المتفائلون، ونحن منهم، فلم يخب ظنهم، إذ كان من البدهي أن يعترض كتّاب سورية ومثقفوها على الشكل القائم للرقابة، ولم يستطع، حتى المستفيدون من الإبقاء على جسم الرقابة المتكلّف المتقشّر الحالي، لم يستطيعوا كبت بهجتهم بجرأة المناقشات التي جرت في الحلقة الماضية. هذه حقيقة، وما حصل هو أن نوعين من ردود الفعل تولّدا ، الأول: رد فعل مضطرب وخائف، تحسّب كثيراً للمشاركة في الملف واعتبر أن مجرد ذكر اسمه فيه، هو نوع من الانتحار، والفعل غير مضمون النتائج! لن نذكر أسماء هؤلاء، بعضهم تأخر في الرد بحجج كثيرة، وبعضهم طلب وقتاً للتفكير، وبعضهم اعتبر أن من تحدثوا في الحلقة الأولى يقولون ما لا يفعلون! رد الفعل الآخر وهو ما يسمى بالأخبار الطيبة.. فقد تحمّس كثيراً، وطالب بأن نزيد من حرارة النقاش، وبإطالة الجدل والحوار للوصول إلى ما نطمح إليه، وسارع إلى المشاركة سواءً عبر البريد الإلكتروني أو الحوار المباشر؛ وأكثر أشكال الاستجابة حميميةً هي استجابة الدكتور طيب تيزيني الذي قدّم مداخلته ـ هاتفياً ـ وبحماس وتفاؤل بما يسمع؛ وكذلك، بلهفة وسرعة كريمتين، مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون حين حاولنا الاتصال به، تحدث إلينا من أوسلو، وطلب أن نحجز له مكاناً في المشروع، وهو يمثل أعلى جهة تشريعية دينية رسمية، لها كلمتها أيضاً في ملف الرقابة. خاصة حين يدور الحديث عن الممنوعات ـ المحرمات، أو المحاظير الدينية التي تنشر في كتاب. كذلك رئيس رابطة علماء بلاد الشام الدكتور وهبة الزحيلي، قدّم رأياَ مميزاً يثبت وبوضوح أن مؤشرات العقل الديني أكثر انفتاحاً، ربما، مما يظن كثيرون!!‏

الدستور ..سيد الحاكمين و... المراقبين‏

لدينا اليوم أصوات جديدة، واقتراحات من نوع آخر، وتحليل مختلف للآلية الهدف ـ الرقابة، ولم يكن لدينا تحفظ على استشارة خبراء إعلاميين من غير السوريين...‏

مانويلا رومير ـ إعلامية ألمانية ـ خبيرة في الـ ASBU :

لا أعرف الكثيرعن الرقابة في سورية؛ أسمع من أصدقائي من الكتّاب معاناتهم، واضطرارهم إلى اللجوء إلى دور النشر اللبنانية وغيرها، وحتى سمعت أن بعضهم يلجأ إلى دور نشر سورية ولكن لها مكاتب في الخارج، لطباعة أعمالهم التي لا تحصل على موافقة من الرقابة؛ حضرت مؤتمراً حظر فيه توزيع كتاب يناقش في فعاليات المؤتمر ذاته، كان الكتاب(فلينزع الحجاب) وقد تعرض المسؤول عن الموضوع لمشاكل مختلفة.‏

في ألمانيا لا توجد رقابة قبل الطباعة، ولكن أي شيء يتم نشره، ويحتوي على أفكار مضادة للمجتمع، مثل حقوق الطفل، وحقوق الإنسان بشكل عام، يتم الاعتراض عليه من قبل الأشخاص المهتمين بالأمر؛ أقول إن الامر صعب، لأن الحدود بين الحرية واحترام عقائد ومحاظير الآخرين، حدودٌ غير واضحة تماماً ليس لدينا في ألمانيا ما يسمى (رقابة)، ومن لا يعجبه بعض ما ينشر في الكتب، يمكنه أن يلجأ إلى المحكمة أو إلى البرلمان؛ هناك في وزارة الداخلية لجنة تعمل على حماية الدستور اسمها (VERFASSUNGSSCHNTE) وكل سنة تقدم تقريراً يحتوي على بعض الملاحظات حول الكتب وغيرها، وترصد ما يعارض الدستور، وإن شاء الله لن يكون هناك ما هو غير عادل في الدساتير.‏

ـ كيف ترين، كخبيرة، حل مشكلة الرقابة عملياً مع المحافظة على آفاق العمل في الكتابة والنشر؟‏

أفكر في التالي: إذا كان لديكم، مثل ألمانيا، نظام للنشر يسمح بإصدار الكتب، دون أن تتعرض للمراقبة قبل الطباعة، ثم بعد ذلك لو رأى أحد ما لا يناسبه، وما يتنافى مع القوانين، يمكنه أن يتقدم إلى جهة عليا تنظر في الموضوع؛ لا يمكن أن يحدث هذا بين اليوم وغداً، يجب أن يكون واضحاً ما هو الممكن نشره، وما هو الذي لا يمكن أن ينشر في كتاب؛ ليس فقط ما يعتبر ضد الدولة أو الدين وغيرها من الممنوعات، أحياناً يوجد مسؤول ما! لا يفضل أن يرى موضوعاً ما في كتاب! وهكذا؛ أنت تعرف ما يقولونه عن حساسية موضوع الهولوكوست في أوروبا! .. ومع ذلك، فإن الكتب تتحدث بحرية، وأحياناً تنفي وجود الهولوكوست من أساسها، يمكن لليهود أن يذهبوا إلى البرلمان ويحتجوا على ذلك، لا أحد يمنعهم ولكن الكتب تنشر.‏

نصف التفاحة لأبنائنا والنصف الثاني للـ...رقيب!!‏

ما يجعل الامر مؤلماً هو أننا نفقد قسماً كبيراً من معارفنا، بوضعها بين يدي الرقيب، لأنه سيقضم ما يطيب له قضمه، ويترك للقراء، ولمن سيرثهم، ما رضيت عنه ثقافته وذائقته، مما يزيد الامور تعقيداً، أكثر من تعقيدها أمام الاجيال التي تتلقى وسط هذا الضجيج..‏

محمد خير الجمالي ـ إعلامي ـ مدير تحرير الثورة سابقاً:‏

قد تكون أحد الذين راقبوا وروقبوا كثيراً!! لا أعرف موقفك الآن؛ ولكن، هل تعمل الرقابة برأيك بشكل صحيح؟‏

المشكلة في الرقابة، أنها تقنن الفكر، وتحذف كثيراً من الحقائق العلمية والتاريخية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن كونها تخضع لمدى ثقافة الرقيب وجرأته، فإن كانت ثقافته ضحلةً تراه يشدّد من الرقابة، مما يسيء إلى جوهر الفكر وحرية التعبير، إضافة إلى تزويد الجيل بحقائق مشوّهة، أو معلومات غير مكتملة عن موضوع الكتاب! لذلك أراني غير متفق مع الرقابة، بشكلها الحالي.‏

ـ وماذا تقترح ما دمت غير متفق مع الشكل الحالي للرقابة؟‏

لكي أوضح ما قصدت إليه، أقول: بأن الرقابة يجب أن تكون على الرأي الذي يخدش الذوق العام، ولا يتفق مع الأخلاق والقيم الأصيلة في مجتمعنا العربي، وذلك يكون بعد وضع الكتاب في شكل مخطوط، ومن ثم يعرض على لجنة مختصة ولا يخضع لرأي فردي، فإن كان الكتاب حول التاريخ مثلاً، يجب ألا يراقب إلا من قبل لجنة مختصة، ومشهود لها بأمانتها العلمية، فيما يتعلق بكتابة التاريخ، وليس بالشكل الذي ترغب به السياسة، لأننا شوّهنا تاريخنا كثيراً بصراحة، مما حرم الأجيال من حقها في معرفته على حقيقته.‏

(ننصح بقراءته) ..الجملة الحلم في سورية!!‏

في العالم يحتفلون بالكتاب، لاعتبارت أكثر بقليل من كونه سلعةً ـ ولكن ما الضير في ذلك!!ـ ويقيمون له حفلات توقيع، ويرصدون حركته، ويعلنون عنه في كل مكان، عندنا يحظر الإعلان عن كتاب جديد ـ إلا إذا كان الكتاب مدعوماً بشكل ما!! ـ ويشغلون ماكينات الملاحقة، لترصد، ولكن هذه المرة، مخالفات الكتاب، ومخاطره؛ لعل الفارق واضح!‏

الأرقم الزعبي ـ باحث:‏

هناك مرونة كبيرة الآن عن المرحلة السابقة، ومساحة تسمح بحريّة أكبر، طالما أحسنّا التقدير والظن، وعند الحديث عن الرقابة يحق لنا الإشارة إلى النقاط التالية: الرقابة على كتاب، تنبع من الكاتب أصلاً، وكل كاتب يعتقد أنه يقدّم أفضل ما عنده، أفضل قصيدة، أفضل بحث.. إلخ، وهو معجب بما كتب، وأي ملاحظة حول ما يكتب، من أي جهة تعدّ هجوماً على حرية الكاتب، وتقزيماً لها، مهما كانت مرجعية هذه الجهة وقداستها!! لذا أرى أننا في زمن تصح فيه العبارة (ممارسة العلنية في السرية والسرية في العلنية)!.‏

وأسوة بالدول التي همّشت الرقابة، إلى حد اليباس والموت، نرى تفعيل الهيئة العامة للكتاب التي أحدثت، ولم تفعّل إلى الآن، وكأنها لم تصدر لها قوانين ناظمة؛ ونرى أن الدور الأساس الذي يجب أن تلعبه الهيئة، ليس مراقبة وإجازة المسموح والممنوع، بل منح أي كتاب يعرض عليها سماحية النشر والطباعة، مذيّلاً بعبارة (ينصح بقراءته) كون هذه الجهة المفروض بها أن تكون جهة فنيّة، ناصحة للقارئ وليس للكاتب!‏

أقول ذلك لنستفيد من تجربة الجمعية الفرنسية للكتاب التي هي لجنة اختيارية، وليست إلزامية، يتقدّم إليها الكاتب بكتابه، من أجل قراءته وتزويد القارئ بنصائح تزيد من إقبال الجمهور على الكتاب وأيضاً لـ(حماية وقت القارئ).‏

الدكتور نذير العظمة ـ شاعر وباحث:‏

أعتقد أن التركيز على إلغاء الرقابة على الكتاب سيعطي مساحة حرية واسعة، وضرورية للبحث العلمي والحضاري ، ويجب أن نرفع الرقابة عن الكتاب بأسرع وقت،.في الكتاب توجد مسؤولية، المؤلف يمارس مسؤولية في الكتاب ربما لا توجد في المقال، أو البحث الجزئي، ويمكن أن نرى رداً على كتابٍ ما بكتاب آخر؛ وأن تصادر الحرية في الكتاب يعني أن تخرّب هذه العلاقة القائمة بين أشكال التفاعل العلمي. ولا شك أننا في العالم الثالث، قد تعودنا على الرقابة، حيث أصبحت من الممارسات المؤسسة في حياتنا الفكرية؛ أقترح أن تعطى مساحة أوسع لإجازة الكتب من جهة، وأن تعطى حرية للكتاب من جهة أخرى بعد طباعته،حتى إذا احتجّ أحدٌ على الفكر الوارد في الكتاب المنشور يمكنه أن يرد بالفكر؛.مقارعة الفكر بالفكر وليس بالمنع والحجب!! الرقابة، بشكلها القائم، وإن كانت تمارسها وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب، هي وصاية على الفكر.‏

‏ كيف نحمي المشروع ؟!‏

المرجعيات التي امتازت بها سورية بقيت على الدوام مرجعيات فكرية ومعرفية ،وقامات عالية، يعتد بآرائها وتفكيرها الفعّال باستمرار؛ والدكتور طيب تيزيني إحدى تلك القامات، ويحق له أن يتفاءل خيراً بالمشروع الأبيض، ويحق لنا أن ننظر جيداً في طريقته ـ كرجل فكر وبحث واسعين ـ في النظر إلى الفكرة،إلغاء الرقيب، أو إضعافه...‏

الدكتور طيب تيزيني ـ مفكّر سوري :‏

فكرة جيدة ..أن نلغي الرقابة على الكتاب، وتأتي في وقتها، لكن في المرحلة الحالية، والآن تحديداً، قد تلتمع فكرة يمكنها أن تكون مدخلاً إلى الفكرة الأولى، أعني لماذا لا يفكّر بمسألة أكبر وأوسع، ولو تحققت ستسمح لمشروع إنهاء الرقيب على الكتاب، بأن يصبح قابلاً للتحقق، أعني أن سورية الآن بحاجة ماسة إلى العلاقات الثقافية والسياسية والاجتماعية، إذا ما استطاعت أن تحقق هذه المرجعيات الثلاث، ومن الضروري أن توضع في إطار (المرجعية).‏

وأنا، حين سمعت بهذا الاقتراح، شعرت بشيء من الفرح، لكن أتساءل في الوقت ذاته، أليس ضرورياً بأن يُفكّر بما يحدث على الصعيد السوري، عموماً؟ وبالتالي، على صعيد فتح المجتمع السياسي والثقافي؟.. إن الفعل السياسي هنا ليس محاذياً للفعل الثقافي، بل هو صنوه، والمدخل إليه، وبالتالي فالتفكير بقانون جديد وعصري للأحزاب، يمثّل استحقاقاً حاسماً لإعادة النظر في كثير من نقاط القصور التي يواجهها المجتمع السوري؛ إن حديثاً عن إلغاء الرقيب على الكتب والمجلات والثقافة عامة، لا شكّ أنه هام، ولأنه حقّاً هام يطرح سؤالٌ نفسه: كيف يمكن أن نتيح لذلك الاقتراح الخاص برقابة الكتب أن يصبح واقعاً محققاً وأن يُحمى ؟! الإجابة في ظني تتأسس على إعادة بناء المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وهذا سيكون لصالح النظام السياسي السوري ذاته ، كما للمجتمع السوري، ولهذا أرّحب بالاقتراح المقدّم، حول التفكير بإقصاء رقيب الكتب، أو بإضعافه، لكن مع ملاحظة، أراها مدخلاً إلى ذلك، وهي أن نضع مفهوم الحرية العمومي، حصناً وتحصيناً للمسألة الثقافية، فأنا أدعو إلى إعادة النظر بالملفّين السياسيّ والثقافي؛ الأول لأنه سيسمح بإنتاج إمكانات واسعة لحرية الحوار، على الصعيد المجتمعي العمومي، ومن ثمّ، فإن كلاماً عن زحزحة الرقيب الثقافي، يمكن أن يكتب له مصداقية في سياق الحديث عن إعادة بناء المجتمع السياسي، مجتمع الأحزاب والصراعات السياسية السلميّة، ولعل ذلك، إذا ما حدث، يخفف من القبضة التي تسعى إلى حصار سورية خارجاً وداخلاً، فتحصين سورية هو أولاً ،وأولاً، تحصين لها من داخلها.‏

الرقابة سببها الخوف والخوف سببه الضّعف!!‏

تلك المعادلة توصلت إليها أثناء محاورتي هذا العدد من الضيوف. ولعل معظمهم بدأ يدرك ذلك، من يخشى من كلام منشور في كتاب فهو قلق جداً، وليس لديه ما يجعله مطمئناً لما هو عليه، وهذا معاكس لواقع الحال، الجميع يتفقون على أن يترك الناس وشأنهم فيما ينوون كتابته، ولن يتغيّر شيء بسبب صفحات مغلفة لا يباع منها سوى نزر يسير كل عدة أشهر!! وحين يقول لك ضيفك وأنت تحاوره ، لا مانع من أن نسمع رأي الناس في الكتب، فهذا دليل على أن الخشية المبطّنة الأولى قد زالت، وأن وهماً فقط يعشش في رؤوس القائمين على تعديل هذا المبدأ التقني( الرقابة على الكتاب)، وهمٌ يقول بحرصهم على مراعاة حساسيات سياسية ودينية واجتماعية.‏

الدكتور وهبة الزحيلي ـ رئيس رابطة علماء بلاد الشام ـ عضو مجلس الإفتاء الأعلى ـ جدة:‏

بسم الله الرحمن الرحيم..أما بعد..فإن الرقابة موجودة في بعض بلدان العالم، وذلك من أجل الحفاظ عى خط الدولة أو النظام العام، الذي تسير عليه، وقد يكون هذا الأمر، صَلُحَ واستفِيد منه، في عهد مضى، أما الآن فقد تغيّر العالم وتطوّرت وسائل الاتصال، فإن كانت الغاية في ذاك الزمن ضبط ما يكتب، فالآن لا يمكن ضبط اي شيء، في ظل الانترنت والفاكسات والفضائيات، وأصبح من غير المفيد، وجود وأما من هذه الرقابة. من يبحث عن نزاهة الكلمة وسمّوها،فهذا حيّز يجب على الكاتب. أن يراعيه، ولا ينبغي تقييد حرية الإنسان، لأن الحرية، من أسس الديموقراطية والعيش الكريم.‏

لم يعد موافقاً لاتجاه التطور أن نقوم بمراقبة مايكتبه الناس بهذه الطريقة البدائية التي تتم الآن.‏

أصبح الناس يتعلقون بكل خبر لم يخضع للرقابة، وبالتالي هم سيتعلقون بكل ما لا يراقب، من كتب ومجلات وغيرها، واتجه اهتمامهم نحو المصداقية والارقام والإحصاءات، من أجل الوصول إلى الحقيقة، ونقع في بؤر التخلّف والتعصب وضياع المقدرات وفي أمور كثيرة من هذه بسبب غياب الرأي الآخر.‏

ولكن ماذا عن حساسية المؤسسة العلمية الدينية اتجاه بعض الكتب والنصوص الإبداعية؟ وأنتم تعرفون حديث النبي (ص) لعثمان بن مظعون حين بلغه تشدّده،قال( ياعثمان،إن هذا الدين لمتين فأوغل فيه بيسر)..على ماذا يخشى أصحاب تلك الحساسية؟! وماذا تقترح لنصل إلى ما تسميه (حرية)؟‏

بالنسبة لشريعة الحق، فهي عندنا الأقوى، ولا خوف عليها من أي شيء قد يكتبه البعض، وإذا كانت الرقابة أحياناً تقترح تغيير عبارة أو جملة، فهذا يمكن التغلب عليه من قبل الكاتب، بفضل اللغة التي تسمح بإيصال الفكرة بأكثر من طريقة،..الأهم هو من الذي يحق له الحكم على عمل‏

ما بأنه خرج عن الأصول؟ أرى أن تكون الرقابة متخصصة، وأن يكون جهاز الرقابة حراً لا سلطان لأحد عليه، فوزارة الاوقاف تمارس دورها برقابة وتدقيق الكتب المعنية بالدين فقط، ووزارة الثقافة تشرف على الكتب التي تصب في المجال الثقافي والإبداعي ووزارة الاقتصاد تقرأ الكتب المتعلقة بالتجارة والاقتصاد، لا مانع من أن نسمع رأي الناس في الكتب التي يكتبونها، ينبغي أن توزّع هذه المهام، على رقابات مختصة، ولا يمكن أن نسمح بالرأي الشاذ الذي يهدف إلى تخريب الأمة والمجتمع،..تسمع هذه الأيام عن شخص يذهب إلى إسرائيل ويدعو إلى صداقتها، وهي تحتل الارض ! كيف برأيك يمكن أن يكتب هذا الشخص عن موضوع كهذا؟ وكذلك من يحاولون اختراق أصول الأديان، ويشوهون الهدف الرئيسي منها، وهو خير الإنسان. لا يمكن أن تلغي الرقابة، ولكنك تستطيع أن تطورها، وتجعلها أكثر مرونة وأكثر علمية، واختصاصية. شعبنا بخير، وعلى درجة عالية من الوعي، ولا يحتاج لمن يراقب تفكيره بالعموم.‏

الدكتور نزار بني المرجة ـ شاعر سوري:‏

حقاً لقد آن الأوان بعد قرابة أربعة عقود، لإعادة النظر بالمرسوم رقم /31/ لعام 1971، والذي حمّل اتحاد الكتاب العرب مسؤولية الرقابة على نسبة كبيرة من الكتب التي تطبع في سورية. وبداية، إذا كنا نقبل حقيقة ما يسمى بـ (صناعة الكتاب)، فإنني أقترح إحالة هذه المسؤولية إلى (الهيئة العامة للكتاب) التي تم إحداثها مؤخراً، حيث أصبح الأمر يتطلب بالفعل وجود (إيزو!) أي أسس ومعايير لجودة الكتاب السوري، وإذا كان مثل هذا الأمر يتطلب تعديل المراسيم والقوانين الناظمة لهذا الموضوع، فهذا يشكل استجابة لدعوة السيد الرئيس بشار، الأسد لتطوير وتحديث الأنظمة والقوانين، بما يخدم المصلحة الحقيقية للوطن والمجتمع.‏

وبغض النظر عن التبعية الإدارية لـ ـ الرقيب ـ فقد أصبح وجوده حتمياً ضمن ـ ملاك ـ وظائف الدولة... أية دولة، لأنه، بطريقة ما، لا بد من ضبط إيقاع حركة أو آلية الطباعة والنشر في أي بلد في العالم.‏

إن اتفاقنا على ضرورة وجود تفاعل الرأي والرأي الآخر، يجب أن لا يعني الانسياق وراء شعارات مشبوهة، ومنح ثقة عمياء يمكن أن تسمح بتحويل شارعنا الفكري والثقافي إلى غابة وحوش، أو غابة سيقان! لأن السقف يجب أن يبقى دائماً وأبداً هو الوطن، والرقابة، بمفهومها الإيجابي، هنا تعني منح حق إبداء الرأي الآخر، وضبط آلية العمل، دون منح فرصة للذين يبحثون عن جوازات مرور للعبث بالوطن من الداخل.‏

وأنا شخصياً أتمنى أن نصل إلى درجة من الشفافية والمسؤولية، من طرفي عملية الرقابة والتأليف ،حيث تنحصر مسؤولية الرقابة على ـ المدقق اللغوي ـ!‏

وحقيقة فنحن نشفق على أحاسيس ومشاعر ومواقف بعض زملائنا الذين اضطروا للعمل في ميدان الرقابة، حيث لا يمكن للمرء أن ينكر حدوث الكثير من الأخطاء على مستوى الممارسة، بسبب اختلاف الميول والخلفيات، وحتى المستويات الفكرية والثقافية بين ـ الرقيب ـ وصاحب العمل ـ المراقب ـ (بفتح القاف)، ولا أعتقد أن أي رقيب بوسعه، الادعاء والقول بموسوعيته وإحاطته المؤكدة بموضوع الكتاب الذي يراقبه، فضلاً عن استحالة التنزه المطلق عن الأخطاء، ووجود مثل هذه الهوامش العريضة، يمكن أن يسمح بحدوث الكثير من الأخطاء وكل ذلك من مبررات إعادة النظر كلياً بالواقع الحالي لآلية عمل الرقابة، حيث أن الرقابة بنموذجها الأعلى والأرقى يجب أن تكون رقابة موضوعية ومهنية وأي رقابة على سلامة اللغة وسلامة المستوى العام للكتاب.‏

المطلوب إذاً الوصول إلى توصيف عمل ومهنة ـ الرقيب ـ الذي يجب أن يكون مثقفاً، وديمقراطياً ونزيهاً وواعياً وحذراً، في الوقت ذاته، من تمريرات يمكن أن يفيد منها أعداء الوطن؛ إن الكتاب في المحصلة، هو بوح الأديب أو المفكر بمكنونات القلب والشعور والضمير.‏

وقناعتي أن الزمن والجمهور هما ـ الناقد النهائي ـ و ـ الرقيب الحقيقي ـ اللذين يحددان مصير الكتاب... أي كتاب، بين عالمي الخلود أو الإهمال.‏

كتّاب في الاغتراب ..‏

كيف ينظر الكتاب السوريون في الخارج، إلى فكرة ومشروع إلغاء الرقابة على الكتاب، وكيف يرونها أصلاً؟ لدى سورية عدد كبير من المثقفين والكتاب يعيش خارج الحدود، ولكن هل يعيشون فعلاً خارج تلك الحدود؟ حدود الرقابة؟!‏

فواز القادري ـ شاعر سوري ـ يقيم في ميونيخ:‏

السؤال المهم الذي يجب أن يطرح عن علاقة المثقف بالرقيب , ومدى تأثير ذلك على المناخ الثقافي بشكل عام هو :هل المشكلة في الرقيب أم في المؤسسة ؟, والموًسسة التي نحن بصدد الحديث عنها هنا في هذه العجالة هي : إتحاد الكتاب العرب , النموذج الاكثر تعبيراً عن هذه العلاقة الشائنة، بين المؤسسة والرقيب من جهة, والمبدع الحقيقي المقموع من جهة أُخرى, المؤسسة التي اختارت دوراً لرقيبها، ليس له علاقة بالثقافة بأي معنى من المعاني، وحدّدت له مهاماً هي في أحسن أحوالها لا تبتعد كثيرا عن مهام المخبر" الجميل " ، الطموح، والمخلص، لأن يكون جديرا بالمهام الموكلة اليه ( ونحن نتكلم هنا عن المآل الذي آل اليه الاتحاد, ولسنا بصدد رصد التحولات التاريخية التي طرأت عليه , من حيث طبيعة مهامه , ونحن في نفس الوقت لاننسى الاستثناءات المتواجدة داخله والتي هي على الأغلب مهمشة أو مقصاة أو مبتعدة).‏

وعلى ذلك نستنتج ان الرقيب الذي هو أجيرٌ لدى هذه الموًسسة، بشكل او بآخر, لن يستطيع الخروج على كونه، مخبرها "الجميل "، الذي تقع عليه ملاحقة، ليس الذي يشير اليه النص فقط, بل الاستشراف على ما يختبئ في نوايا الكاتب أيضاً, ناهيك عن المعرفة المسبقة للمواقف المطلوب منه اتخاذها , من أسماء محددة عليها إشارات استفهام أمنية, أو غير المرضي عنها على الاقل. وارتباطه العضوي مع التابو :" السياسة، الدين، الجنس "، وغالباً ما يكون هذا المخبر "الجميل", غير موًهل لأي دور له علاقة بالأدب, ناهيك عن أن يكون قادرا على تقييم العمل الابداعي الذي يتطلب أصلا , مبدعين حقيقيين لا يرضون بهذا الدور، وهذا ما يتلاءم مع طبيعة الدور التي أخذته موًسسة مثل اتحاد الكتاب العرب في سورية, على سبيل المثال لا الحصر, كونها الموًسسة المفترض فيها أن تكون الحاضن الحقيقي للإبداع , وضمير الناس الحي ــ إذا جاز لنا أن نستخدم تعبيراً كبيراً في هذا السياق ــ, والتي هي، في واقعها ـ الحاضنة الكبيرة لكل من ليس له علاقة بالابداع، هوًلاء الذين يصلحون وحدهم لأخذ دور الرقيب (وأحد الادلة المهمة هو: هذا العدد الكبيرمن غير المبدعين، وأتباعهم الحاصلين على هذا الشرف ؟ وهم لم يكتفوا بتخريب الثقافة , بل هم مصرون أيضاً على سرقة صفة الاديب والشاعر حتّى يكتمل المجد ؟) في هكذا موًسسة. أما المبدعون الحقيقيون، فيتم تجاهلهم أو إقصاؤهم، أو يبتعدون من تلقاء أنفسهم كما أسلفت، فمن هذه المشكلة الأم, لابدّ أن يولد العديد من الأبناء الشرعيين؟، رغم اعتقادنا أن الكلام العام، مهْما كان مفيداً، في هكذا موضوع , لن يكون كافياً دون تناول أمثلة حية عن علاقة المثقف بالرقيب , حدثت وستحدث طالما الحال هي الحال!. لكن المجال هنا لا يتيح استعراض أمثلة, لكوننا أشرنا بشكل سريع الى مشكلة الرقاية في سورية على وجه العموم، إن المشكلة في المؤسسة وليست في الرقيب.‏

مروان علي ـ شاعر سوري ـ يقيم في آيسن :‏

بحكم وجودي خارج سورية لأكثر من عقد من الزمن، فإن رؤيتي للرقابة على الكتاب في سورية، ستكون رؤية مبنية على مشاهداتي ومتابعاتي خلال أواخر الثمانينيات، وبداية التسعينيات ،وقتها كانت الرقابة تعامل الكتاب والكتاب بضم الكاف، كما كانت الأجهزة الامنية تعامل المعتقلين والمتهمين، فكل كاتب هو معارض مؤجل بشكل او بآخر، وكان يندر أن تسمح الرقابة لكتاب جيد بالمرور،في غرفها الملوثة بالرؤية الحزبية الضيقة، مشكلة الرقابة في سورية أنها هي التي تحتاج الى رقيب، للرقابة، أمرٌ لابد منه ولكن لابد من وضع اليات لضبط عملها وتنظيمها،والشكل الافضل لرقابة اذا كان ينبغي لها ان تستمر ان تكون هناك لجنة دائمة تقرأ النصوص، وبالتالي أن يكون هناك قرار بالاكثرية وابعاد الكتاب ذوي الاتجاهات الحزبية، والتابعين للأجهزة الامنية منها، والاعتماد على بعض الكتاب والمبدعين غير المحسوبين لا على المؤسسة الرسمية ولا على الهامش، وان تتغير هذه اللجنة بشكل دوري لاتاحة الفرصة لعدد أكبر من الكتاب والمبدعين، للمشاركة فيها، طبعا مع اتاحة الفرصة للجيل الجديد من الكتاب والمبدعين للمشاركة فيها والابتعاد عن الاسماء وسطوتها.. مأساة الرقابة في الدول المتخلفة أنها متخلفة أيضاً.. ووفق المنطق والنظريات يفترض ان تكون متطورة ، ولكنها وللاسف تعاني من امراض الديسك وارتفاع ضغط الدم، وحتى السكري!.. الرقابة عندنا تحتاج الى إدخالها الى غرفة العناية المشددة.‏

الحمد لله وللانترنيت وللغربة! .. كنت قد نسيت الرقابة تماما لولا أنك ذكرتني بها بعد كل هذه السنوات.‏

الجزء الثالث

وصلنا إلى الطريق المسدود ... بيدِ مَنْ مفتاح صندوق الرقابة؟!!‏

مفتي الجمهورية يطلق أعنف التصريحات ضد الرقابة ويصفها بالشنيعة...‏

المفتي: لو كانت هناك رقابة في الإسلام لما سمح لنا الله بقراءة كلام الشيطان وفرعون في القرآن..لماذا لم يقم بحذف تلك المقاطع؟!‏

المفتي: الرقابة تقوم بتحجيب العقل... ثم يتحدثون بعد ذلك عن حجاب المرأة!!‏

حسين العودات : رفضنا نحن الناشرين تعديلات وزير الإعلام لأنها ستزيد من حجم الكارثة!!‏

عدنان سالم: حين تحدث الرئيس حافظ الأسد عن رقابة الضمير، فهموا أنها رقابة ضمير السلطة فقط!!‏

زياد منى : حين أشعر أن الكتاب الذي سأنشره، يحتوي على ما سيسبّب المنع، لا أقدّمه للرقابة السورية أصلاً!!‏

خويص: لا أعتقد أنه من مصلحة أي ناشر أن يدعم وجود الرقابة... حتى لو كان مجرد بائع!‏

د.هنيدي : بعد هذا الملف يجب أن نتخذ خطوات عملية يبدؤها اتحاد الكتاب والكتاب أنفسهم!‏

أنا في حزن عميق، صحيح أن ضيوف هذه الحلقة ـ الثالثة والأخيرة ـ قد قدّموا لي أكثر مما كنت أتصوّر، من مادة صحفية مليئة بالتشويق والإثارة، والحقائق أيضاً... وكان لكل منهم أن يلفت نظري إلى زاوية جديدة في هذا الملف الذي يبدو أنني ـ وحدي ومعي الأسبوع الادبي ـ من ينادي بفتحه!‏

ولكنني أشعر بخيبة الأمل، فبعد أن وصل الملف وتوتراته إلى حدود لا مثيل لها في الإعلام السوري، وقيل ونشر كلامٌ لم يكن يجرؤ أحدٌ على تدوينه وطرحه في مطبوعة رسمية، بعد كل ذلك، أجد أن كثيرين، لم يكن لديهم حتى نية المشاركة، في إضافة أصواتهم، وقول الحق، في قضية تؤثر في كل ما حولهم، ومن حولهم، واكتفوا بانسحاب غير مشرّف من هذا الكرسي، كرسي الحديث عن الرقابة على الكتاب.‏

ولم يتعاون الكتاب الذين منعت أعمالهم، أو الذين اتصلنا بهم، على الأقل، ولعلنا نعرف أن منع كتاب لأحدهم سيجعله يشعر بالكثير من التألق، ربما يحتاج إليه أكثر من حاجته لنشر كتابه والسماح بطباعته وتوزيعه..‏

ولكن الملف نشر...وتناقلته مواقع الانترنت، ألف..جدار..الحوار المتمدن...صفحات سورية...الفجر الجديد...وغيرها،وكان عدد القراء في تلك المواقع لملفنا هذا،أكبر من التوقعات، طبعاً لم يُكتب عنه في إعلامنا الرسمي، كلمة واحدة، سبب ذلك واضح، أمامي، وهو أن المستفيدين من منع الكتاب ومراقبته، أكثر مما كنا نتصور، وهم في معظمهم من الكتاب أنفسهم، وأيضاً من أولئك الذين لو كانت لديهم أعمال يحترمونها، فهم بالتأكيد سيخافون على مصائرها، وسيحرصون بالتأكيد على حمايتها، ولكن يبدو أنهم يعرفون أكثر منا، أن أعمالهم لا تستحق أن يجري الدفاع عنها...أما غير هؤلاء، فمشغولون بأخرى، ربما علت وارتفعت وترفعت عن موضوعنا السطحي هذا!‏

ولكن ما تم إنجازه حتى الآن، في هذا الملف، يكفي لكي يكون وثيقة سورية بامتياز، وورقة عمل لندوة ندعو لها الآن، يشرف عليها اتحاد الكتاب، الذي تبنى نشر هذا الملف، وتعاون فيه، ولأجله، وهذا بحدّ ذاته، إنجازٌ إضافي..نقترح أن تعقد الندوة، لمناقشة واقع الرقابة، ولاستخلاص نتائج عملية، ومقترحات تذهب في مسارها المفترض إلى من بيده مفتاح الصندوق، صندوق صغير، ولكنه كارثي، ومفتاح ضائع، ولكنه ضروري، كي نعلم أننا لا نعبث، ولا نضيع وقتنا، ووقت القراء الكرام...ووقت البلد بأكمله!‏

المفتي ينقذ المكتبة!!‏

في بيت سماحة مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون، وجدته مشغولاً بمشكلة، ويحاول التصرف دون أن يفقد هدوءه، سألته : ما القصة يا دكتور؟!‏

قال : تسألني عن الكتاب ومشاكله! إسمع... أصدرتُ، وحصلتُ على الموافقات اللازمة، من جهاتها الطبيعية، بإدخال مكتبة الشيخ البيانوني إلى سورية، مكتبته الشخصية، وهو عالم ورجل دين وإفتاء، قضى في الخارج أكثر من ثلاثين عاماً، وهو شقيق علي صدر الدين البيانوني ...وقد دعوته إلى البلاد، وسنوكل إليه منصباً، في الإفتاء إن شاء الله..كي يُستفاد من علمه.‏

ـ حسناً ..جيد ...‏

ـ لا يا أستاذ ..ليس جيداً...المكتبة على حدود درعا ..وهم يصرّون على أخذها إلى أحد فروع الأمن!! مع أن مرافقيها يحملون نسخة الموافقة على إدخالها مع قائمة بالكتب واحداً واحداً... كيف نتصرف الآن؟ هذه حماقة...وتجاهل لدرجة عالية من الموافقات.. موظفون صغار يخربون كلّ ما نحاول إصلاحه!!‏

ـ هل أتصل بمدير الرقابة يا دكتور ؟!‏

ـ اتصلْ و حاولْ ..لعله يساعد...‏

اتصلتُ بالصديق نبيل عمران، مدير الرقابة في وزارة الإعلام، وأخبرته بالمشكلة... ونقلتُ السماعة إلى المفتي كي يفهم منه... ولكن يبدو أن الأمر، كان، خارج سلطاته!!!‏

عاد المفتي إلى الاتصالات ...وأخيراً أجرى الاتصال الذي حسم الأمر...التفت ليخبرني بأن الموضوع انتهى، وأنهم، على الحدود، قد تلقوا الأوامر بالسماح للمكتبة بالدخول... قال : هذه عيّنة حقيقية وحيّة، حصلت أمامك...لا تعرف من الذي يصدر هذه الأوامر ..التي لم تعد موجودة في أي مكان في العالم...! قلت: ولكن، سماحتك تعرف أن هناك دائماً من لا يقبل المشي إلى الأمام، لأنه يخشى دائماً... يخشى من شيءٍ ما.. نحن لا نعرفه ولا نراه...لا بأس... لدينا الآن ملفنا (الرقابة على الكتاب في سورية) كيف ترى الرقابة وعملها وآلياتها في البلد بوضعها الحالي؟!‏

ـ الرقابة في سورية، كيفية، ومزاجية، وغير ممنهجة، وشنيعة... ولا علاقة لها بالعمل المنظّم، فهناك كثير من الكتب كان ينبغي أن تصل إلى الناس وإلى أبنائنا كي يتعرفوا إليها ويطلعوا على ما نشر فيها من علوم وإبداعات، وبالمقابل، هناك الكثير مما كان ينبغي ألا يصل إلى الجيل الجديد، ولكنك تراه منتشراً، وسهل المنال، الآن..من هو الرقيب؟ هل هو لجنة علمية؟ هل هو مختص بما يقرأ؟! أم هو شخصٌ يتصرف حسب هواه، وأحياناً حسب رؤسائه، وأمزجتهم ومخاوفهم ومحسوبياتهم...؟ الرقيب عندنا موظف في سلسلة تسير على التكهنات والأهواء وليس على الأسس الصحيحة.‏

الرقابة قضية ثقافة أمة، تحتاج إلى لجنة رفيعة الثقافة، راقية المستوى، مطلعة على آخر التطورات الثقافية في العالم، وليس فقط محليّاً! ينبغي علينا أن ندرك أننا لا نعيش خلف سياج، ولكن يحيط بنا العالم بأجمعه، وفي هذا العالم أصدقاء لنا، وفيه الكثير من الأعداء، ولذلك قالوا (اعرفْ فكر عدوّك) وهذا لا يتحقق إلا إذا سمحت للناس بأن تطلع على ما يكتب وينشر وتجري دراسته وبحثه، فهل الرقابة في سورية تقوم بهذا الدور؟! أم أنها تحجب وتقنّع كل فكر ومعلومة، وتخاف أن تصل إلى البشر؟ لا نعرف مما يخافون؟! إنهم يقومون بتحجيب العقل!! ويتحدثون عن الحجاب!!‏

ـ ولكنهم سماحة المفتي.. يحتجون باستمرار بأنكم في المؤسسة الدينية، ستقيمون الدنيا ولن تقعدوها، لو نشر الكتاب الفلاني.. أو لو سمحوا بالمعالجة الفلانية لقضية دينية..أو حتى ببعض كتب التاريخ... وحتى الروايات والقصائد، ألا يوجد أساس لذلك ؟.. ألا تمارسون دوراً ما بالخفاء ؟.. ربما كان هذا هو سبب خوف الرقابة وهلعها من المرجعيات الدينية؟!‏

- تقصد أننا نمارس رقابة دينية؟ لا طبعاً وبالتأكيد...الرقابة في الدين، قائمة على الأعمال، لا على الكلمات، وحينما ينطق الإنسان، بكلمة، أو بفكرة، فالنصح يوجه إليه حينها بالكلمة أو الفكرة. أما أن تمنعه وتقمعه، فهذا يدل على ضعف الحجّة لديك.‏

فالله تعالى، عرض لنا في القرآن الكريم، آراء الذين أعلنوا الكفر به، ثم حاورهم، وعلّمنا كيف يهزم الفكر المنير الفكر المظلم..ولو كانت هناك رقابة عند الله لقام بمنع قصة الشيطان، الذي تحداه وأعلن مخالفته لأوامره، وكذلك كلام الملك النمرود لسيدنا إبراهيم، حين قال له (أنا أحيي وأميت) وكذلك كلام فرعون حين قال لشعبه (أنا ربكم الأعلى) أين الرقابة في النص القرآني...؟ على العكس من ذلك نجد أن ربّنا سبحانه وتعالى، قد أبلغنا بهذا الفكر، وعلّمنا كيف نقف أمامه بفكر الإيمان، وفكر الوضوح وفكر الهداية الشجاع الذي لا يخاف من كلام مناقضيه، ما الذي يجعلك تخاف على فكرك وأنت على ثقة منه؟!‏

ـ هل هذه فتوى سماحة المفتي ؟‏

ـ هذه هي الحقيقة... الواضحة والكاملة والتي تستند إلى ما ورد في القرآن الكريم وكلام المولى عز وجل.‏

ـ و لكن ماذا عن دور الرقابة ...؟ كيف ترى وجودها إن كان لوجودها ما يبرره؟!‏

ـ تحتاج الكتب إلى لجنة مختصة، إلى لجنة وليس إلى أشخاص، لتقوم اللجنة بدراستها، دون تصورات مسبقة، مذهبية أو طائفية أو حزبية أو عنصرية، وهذه اللجنة تقوم بدراسة الكتب التي تصل إليها من قبل لجان متابعة بعد أن يطبع الكتاب ويوزّع في الأسواق، ولو رأت ما يهدّد أمننا الروحي، والمعرفي ، والقانوني، وإذا لم تجد جواباً أو علاجاً بعد مناقشة المؤلف، لو وجد، تقوم بإحالة الكتاب إلى المحكمة المختصة لسحبه ومحاسبة المؤلف، حسب القنوات القانونية الطبيعية، أما أن تقوم الراقبة من تلقاء ذاتها بتنصيب نفسها، حاكماً بأمره على معارف وعلوم وإبداعات الناس فهذا أمر مرفوض كلياً، في أميركا والعالم كله، لصاحب الكتاب الحق بأن يناقش ويجادل بشأن كتابه، ليطمئن على مصير جهده العلمي والإبداعي، ويتم ذلك تحت حماية القانون والقضاء.‏

أنا مع السماح بطباعة الكتاب وتوزيعه وتداوله دون قيود، وإذا ظهر ما يستوجب التوقف عنده، تقرر اللجان المختصة الأمر، وتحيله إلى القضاء.. هكذا نكون متطورين..وليس بأن نعود إلى الخلف خطوات واسعة، ونصبح الوحيدين الذين يمارسون هذا الدور المتخلف.‏

الناشرون ...وخيوط اللعبة‏

الناشر، في لحظته، هو سيد الموقف، وهو من يتحدث بقوة عن عالم الكتاب أكثر من الكتاب المشرذمين هنا وهناك، بسبب آفاتهم الدائمة، وهو أيضاً، أكثر قدرة على الدفاع عن (رزقه) الذي يمثله الكتاب، كسلعة فائقة وغير عادية، ستتهالك وتهوي أمام قرارات الرقابة، ويمكن للناشر أن ينقذ سلعته لو أنه تدخّل، كطرف مصلح وموائم لما سيتفق عليه الرقيب والكاتب، ولكن وثائق تحدثنا عنها، تقول إن مشاريع إلغاء الرقابة، في سورية، كانت قد تعرضت للكثير من الجدل والشد والجذب، كل ذلك يحدث ونحن لا ندري؟! يحاولون رفع الرقابة؟ ويحاول الناشرون تفويت الفرصة؟ السلطات تسعى إلى التخلص من لطخة الرقابة والمنع؟! هذا مشجّع...ولكنه يستحق البحث والأسئلة...المزيد من الأسئلة.‏

إليكم هذا النص المقتطع من ميثاق شرف اتحاد النشرين العرب:‏

( بوصفي ناشراً أتعهد بما يلي:‏

1 الالتزام بقضايا الأمة العربية....إلخ‏

2 العمل على رفع مستوى مهنة النشر، والحفاظ على آدابها ..إلخ‏

3 احترام كافة حقوق النشر والتأليف والإبداع وصيانتها من كل اعتداء عليها، والتعاون مع الزملاء وكل جهة تتصدى لهذا الاعتداء، وعدم التستر أو المجاملة بكتمان المعلومات المتعلقة به، والنظر إليه بوصفه جريمة تتعلق بشرف المهنة، قبل أن تكون متعلقة بحقوق الفرد المعتدى عليه.)‏

هناك رابعاً وخامساً وسادساً في الصفحة (8) من دليل اتحاد الناشرين، المطبوع في بيروت، للدورة الخامسة عن السنوات 2007ـ 2009 ، وربما لا أحتاج إلى التعليق على الفقرة(3) والتي يرد فيها، تعبير (اعتداء) ويلزم عضو الاتحاد، بالرد على هذا الاعتداء، وهل في منع أو حظر أوتحريف الكتاب من قبل الرقابة، ما هو أقل من أن يوصف بـ (الاعتداء) على الكتاب والكاتب؟!‏

حسين العودات ـ مدير دار الأهالي :‏

أرى أن الرقابة في سورية، سواءً كانت، متسامحة، أو متساهلة، أو غير ذلك من الأوصاف، فهي لا معنى لها، ولا مبرر. وهي مضرّة بالحياة الثقافية والوطنية، خاصة بعد تفجّر عالم الاتصالات، وانتشار المعلومات في كل مكان عبر العالم، وعمل الرقابة الآن هو عمل مناقض للدستور الذي أعطى كل مواطن حق وحرية التعبير، وهي مناقضة لمنطق التطور، في العالم اليوم.‏

ـ كيف تفكّر في صيغة ما ..أو شكل جديد للرقابة؟‏

- اقتراحي أن تُلغى الرقابة بالكامل، لأنها لا معنى لها، هل توجد رقابة على الانترنت أكثر من حجب المواقع؟! هل توجد رقابة على استقبال القنوات الفضائية؟! يتركون كل ذلك ويتشاطرون على الصحف والمجلات والكتب!! دون أي شك، الرقابة الآن تضر كثيراً ولا تنفع أحداً. ومن قال إنه يحق لشخصٍ ما منع معلومة عن شعبه؟! وإذا لم يكونوا يريدون إلغاء الرقابة ـ ولا أعتقد أنهم سوف يلغونها في يومٍ من الأيام! ـ فليجيبونا على أسئلتنا : أنتم تقولون أن الرقابة تهدف للمحافظة على كرامة الأمة، وعلى الأمن الوطني..هل يوجد لديكم تعليمات مكتوبة حول الرقابة؟ وحول كرامة الأمة والأمن الوطني؟! الرقابة متروكة للأفراد، وللتفسير المزاجي لهم ولمن يخشونه، لا توجد تعليمات خطية ولا حتى شفهية تحدد شكل عمل الرقابة، ولا الخطوط الحمراء من غيرها، ولذلك فإنك تقدّم للرقابة اليوم كتاباً ما، ويرفضه المراقبون، ثم تقوم بتقديمه بعد أيام بعنوان مختلف دون أن تغيّر شيئاً في الداخل، فيقومون بالموافقة عليه، هل هذا منطق يمكن معه الإبقاء على جهاز متهالك هكذا؟!‏

ـ أنتم الناشرون متهمون بعرقلة المشاريع التي سعت في الماضي لتغيير نظام عمل الرقابة في وزارة الإعلام..لأن إلغاء هذا الجهاز سيلقي باللائمة عليكم في حال نشر كتاب يحتوي على ما هو خطر.. هل هذا صحيح؟‏

- ليس صحيحاً... قالوا لنا في وزارة الإعلام، وكان النقاش مع الوزير الأسبق أحمد الحسن، قالوا إنهم يقترحون إلغاء الرقابة القبلية واعتماد مبدأ المراقبة البعدية، أي بعد طباعة الكتاب، وإذا لم يعجبهم الكتاب يقومون بمنع تداوله في المكتبات، ولا يخفى عليك كم في ذلك من الخسائر في حال، تم رفض توزيع الكتاب في سورية، بعد أن يكون الكاتب قد انتظر فترة الطباعة والمراقبة وبعد أن يكون الناشر قد دفع تكاليف الطباعة وغيرها...‏

ـ كيف سيكون الأمر لو ألغيت الرقابة وتم تشكيل لجنة لدراسة الشكاوى المقدمة حول كتاب ما؟‏

- أي لجنة يا أخي؟! وهل ستتمكن هذه اللجنة من قول ( لا ) حين يهمس في أذنها أحد أجهزة الأمن، ولو كان رئيس اللجنة عنتر بن شداد؟! أنا شخصياً تم استدعائي، للتحقيق معي، حول كتب نشرتها، بعد أن حصلت على موافقة الرقابة عليها...لدي الآن كتاب طلبوا أن أحذف منه 150 كلمة، أي كتاب هذا الذي تشكل 150 كلمة منه خطراً على الأمن الوطني؟! الحل هو إلغاء الرقابة ..هذا هو الحل الوحيد.‏

عدنان سالم ـ مدير دار الفكر ـ رئيس لجنة اتحاد الناشرين في سورية:‏

لدينا مشكلة مع الرقابة تتعلق بالوقت، وأخرى تتعلق بكون الرقيب محدود المدارك، والرقابة مهما توسّعت فهي ستبقى محدودة، ويفترض بالإبداع ألا يكون محدوداً، لا يمكن للرقابة أن تستوعب حرية الفكر، أنا ضد الرقابة الرسمية، وأرى أنها فقدت مبررات وجودها مع ثورة المعلومات والاتصالات، ولم تعد الرقابة مجدية الآن..بل على العكس من ذلك، تقوم الرقابة بالترويج للكتاب الذي تمنعه، ويصبح لدى كل إنسان رغبة بالحصول عليه.‏

ـ أنت رئيس لجنة اتحاد الناشرين..أي أنك المعني بما نتحدث عنه أكثر من الجميع... كيف سيكون مصير الكتاب وأنتم لا تدافعون عن حياته وحركته بين الناس؟!‏

- التقيت بأحد القراء العاديين في أحد المعارض في بلد عربي، سألني الرجل: لماذا تشتكون من ضعف سوق الكتاب؟ قلت: ربما لأن القيمة الشرائية هي السبب..قال لي: لو كان معرضكم معرض أدوات كهربائية أو منزلية لرأيت القوة الشرائية...ولكن السبب هو أنكم لا تبيعون سوى الكتب التي تسمح بها الدولة ...اطرحوا الكتب التي لا يسمحون بها وانظر كيف ستكون القوة الشرائية.‏

يدفعني ذلك دائماً، إلى التفكير في الرقابة، فأنا أنتمي للجيل الذي لم يكن فيه رقابات ، جيلنا الذي عاش الانفتاح ، في مناخ كان ينعم بالحراك الثقافي والسياسي، وكانت الرقابة تمارس، ولكن على صعيد مجتمعيٍّ، فالمجتمع هو الذي يحاسب وليس الدولة.الرقابة المجتمعية أقوى وأكثر تاثيراً.‏

ـ تمارسون أنتم رقابة من هذا النوع ...قرأت منذ سنوات طويلة كتب الأستاذ علي الطنطاوي، وهي كتب قيمة لا شك، ولكن منها ما له علاقة بمذكراته، وحياته في القاهرة، حين درس التمثيل والموسيقى هناك...أنتم لا تبيعون الكتب التي يتحدث فيها عن ذلك..أليس كذلك؟!‏

- موضوع الطنطاوي موضوع استثنائي، فالفضل بوجود كتبه يعود لمعرض الكتاب، وقد كان ممنوعاً لفترة طويلة جداً، كان ممنوعاً (على الاسم) ولما جادلتُ الرقيب بشأن السماح لكتبه بالطباعة والتداول، قال: احذف اسم الكاتب وسأسمح به!! أليس هذا الأمر، مجرّد فرض وصاية، ما دام الكتاب يمنع على اسم مؤلفه وليس على المحتوى؟!‏

الرقابة المجتمعية، أفسحت المجال واسعاً، لمناقشة الحراك الثقافي، وكان السوري يتجوّل، بين الصحف والمجلات ليعرف ماذا آلت إليه المعارك والجدالات، وقد ذكرتني بالشيخ الطنطاوي الذي كان يتحاور مع مجايليه وكبار عصره، مثل المازني والعقاد، وكنا ننتظر صدور مجلة (الرسالة) لمتابعة حواراته، أما في الوضع الحالي، فقد أعفت الرقابة القارئ من واجب التفكير، وقالت : نحن نفكّر عنك، وما نتج عن ذلك إنما هو جيلٌ من الإمعات لا لون له ولا طعم ولا رائحة، ورجعنا إلى أحادية فكريّة، أنا أدعو إلى أن يعود المجتمع ليمارس رقابته، وقد يعترض البعض بأن الرقابة المجتمعية كبيرة وذات سطوة، لا نشك بذلك ولكنها ستخلق الحراك وهذا ما نفتقده.‏

ـ يتهمونك أيضاً بعرقلة مشروع سابق لإلغاء الرقابة بعد أن وصل الامر إلى المناقشة في القيادة القطرية لحزب البعث، والجهات التي تمارس وصايتها على الكتاب...هل ساهمت فعلاً بذلك ؟ بحكم موقعك في اتحاد الناشرين؟‏

- لم أقف ضد أي مشروع لإلغاء الرقابة ، ربما قلت كلاماً من هذا في مناقشات اتحاد الناشرين، ولكنني لم أتخذ موقفاً معارضاً، لقرارات تتعلق بإلغاء الرقابة، وقد عبرت عن موقفي هذا أكثر من مرة، وفي كتبي أيضاً، قلت في كتابي (الكتاب في الألفية الثالثة، لا ورق ولا حدود) : (كأني بالرقابة، وهي تمارس هوايتها، أرادت أن تثأر لكرامتها التي داستها الفضائيات) وقد ساوموني على تغيير هذه العبارة من أجل الحصول على موافقة الرقابة ولم أغيرها ولم أحذفها، وأقصى ما قبلت به، هو أن يتم تعديل كلمة (داستها ) بـ (خدشتها). الناشرون لم يوافقوني على فكرة إلغاء الرقابة لأنهم يتدرؤون بالرقابة ويحتمون بها، لأن الرقابة تشكّل لهم، سياجاً يحميهم، ويحتجون بموافقتها على ما سينشرونه، ولكن هذه الرقابة تجهض الحراك الثقافي وتوصد أبواب الفكر والإبداع.‏

أنا الآن، أعتمد على كلمة من كلمات الرئيس الراحل حافظ الأسد ( لا رقابة على الفكر إلا رقابة الضمير) فمن أين جاءت الرقابة بكل تلك المحاظير؟ وهل فهموا من المقولة أن الضمير هنا هو ضمير السلطة فقط ، أم أنه ضمير المجتمع والثقافة العامة للأمة؟!‏

الضمير...ضالة الجميع!!‏

ضمير الرقيب..؟ كان من حق الناشر عدنان سالم، أن يطرح سؤالاً كهذا، لأن الفكرة تدور حوله، فمن المستفيد من الإبقاء على وضع الرقابة الحالي؟ ومن يحق له، أن يتابع في طريق مثل هذه...؟ ولكن هذا الضمير هو ضالتنا جميعاً،وليس للرقيب أن يتطاول علينا، بأنه هو من يمثّل حماة الضمير ونحن لسنا كذلك ! الآن يرى ناشرون مختلفون رأياً آخر، ويعتقد بعضهم أن الرقابة هي من مرايا المجتمع وأن مجتمعاً غير ناضج بما يكفي، لا يمكنه أن يكون بلا رقابة!‏

زياد منى ـ مدير دار قدمس:‏

ـ سنتحدث عن الرقابة، وعن عدد القراء الذين يراقبون إصدارات جمهورية تتألف من قرابة العشرين مليون آدمي..هل ترى ما أراه في الرقابة الحالية على الكتاب؟!‏

- أنت تحتج على عدد القراء..وعلى الرقابة..وأنا لا أرى مشكلة في الرقابة..ربما نختلف على المبدأ..الرقابة تمارس في كل مكان في العالم..ليست لدي مشكلة مع الرقابة...‏

ـ كيف ليست لديك مشكلة مع الرقابة؟!‏

ـ هذا صحيح..من أصل ثمانين كتاباً منعوا لي ثلاثة كتب فقط...وما لا يوافقون على طباعته في سوريا نطبعه في لبنان..‏

ـ ولكنهم يعملون بلا معايير ..وبلا أية خطط...حتى أنهم يشتكون من ذلك؟!‏

- من قال لك إنهم يعملون بلا معايير؟ لديهم معايير ومقاييس، وهم يناقشوننا فيها وحولها حين نزورهم، وربما لا يخبرونك عنها ولكنها موجودة!!‏

ـ أنا أحيلك إلى ما ورد في الجزء الأول من هذا الملف.. قلنا وقتها أن عملية الرقابة إنما هي مؤامرة باطنية أطرافها الناشر والكاتب والرقابة، وبينما يتفق هؤلاء يكون القارئ خارج حدود الموضوع... تبدو موافقاً على ذلك!‏

- عشتُ في ألمانيا أكثر من عشرين سنة، وهناك...المجتمع ناضج، ولكن الحساسيات موجودة في مجتمعنا، لدينا حساسيات سياسية واجتماعية ودينية وغيرها... مجتمعنا غير ناضج، حين تعيش في بلد، عليك أن تلتزم بأنظمته، يبدو أن الرقابة في سورية، قرار سياسي، وهم يعرفون كيف يختارون التوجّه السياسي الملائم لهم، بالنسبة لي، أنا أحمل الجنسية الألمانية، وأعيش كأجنبي في سورية، وعلي أن أعرف أن هذه هي الحدود. ولا تنس أن الكتاب الأكثر مبيعاً في بلادنا هو ليس الكتاب الجيد، ولكن.. الكتاب الممنوع! ما زلتُ مع الإبقاء على الرقابة، حتى ينضج المجتمع، ويصبح قادراً على حماية الكتاب من كل تلك السلطات.‏

- دون أن نناقش في وضع المجتمع، الذي هو الآن يحتج على الرقابة..أليس هذا الحديث احتجاجاً من قبل المجتمع؟ ثم إنك تلمح إلى أن الرقابة أمرٌ دارجٌ في الغرب أيضاً، وهو ما لم يقله ضيوفنا سواء الغربيون منهم أو الذين يعيشون في الغرب!‏

- نعم،ولكن لديهم أشكال مختلفة من الرقابة، في معرض الكتاب في الولايات المتحدة، وقد كنت حاضراً، قاموا بتسويد بعض المقاطع من كتاب لأحد المغنين هناك، لأنه ذكر أسماء صديقاته، وقد أصدرت المحكمة قراراً يمنعه من ذكر أسمائهن، يوجد فيلم كرتون اسمه ( POPE TOWN) وهو يحتوي على نقد للبابا، وقد حاولت محطة MTV عرضه، ولكنها لم تفلح، قامت القيامة على المحطة، وقد حصل ذلك في نفس الوقت الذي عرضت فيه الرسوم الكاركاتورية التي تناولت النبي، توجد أشكال كثيرة من الرقابة، لماذا لا تتحدثون عن رقابة الصحافة التي تمارس على الكتب التي نصدرها؟ ، ولماذا تتحدث عنا قناة الجزيرة فقط؟ يكتبون ويزمرون ويطبلون لتفاهات ويجعلون منها أعمالاً كبيرة، وفي الوقت ذاته، عندما تسمح لنا الرقابة بطباعة كتاب مثل كتاب (زين العابدين بن علي) لا تكتب عنه مقالة واحدة، وحين تعود الرقابة وتمنعه، يتصلون بنا لإدانة الموضوع وإدانة سورية...الحديث عن الرقابات لا حدود له، لأن الرقابة موجودة في كل مكان.‏

ـ كلامك يعني أنك لا تواجه مشكلة مع الرقابة...وهذا يعني أيضاً أنك لا تقترح شيئاً؟!‏

- لا ..حين أعرف أن الكتاب الذي بين يدي، يحتوي على ما سيسبب المنع، لا أقدمه للرقابة السورية أصلاً ..وأقوم بالبحث عن طريقة لنشره في مكان آخر... مثل كتاب (خفايا اغتيال المهدي بن بركة) سارعتُ فوراً إلى طباعته في بيروت، ولم أقدّمه للرقابة السورية.‏

ـ هل كان لكم كناشرين دور في إيقاف فكرة تغيير الرقابة في سورية؟‏

- لا أعتقد أن أي ناشرٍ في سورية، يمتلك هذا الثقل، كي يقوم بمنع الدولة من تغيير آلية عمل مؤسسة من مؤسساتها، كيف سيقوم بذلك؟ ربما يدور حديث واستشارات، ولكن لا أظن، أن بوسع ناشر ما، أن يعيق قراراً بهذا المستوى.‏

الخطوات العملية ...في الطريق المعتمة‏

بعض الناشرين يرى أن مصلحة الناشر تكمن في، إلغاء الرقيب، لأنه سيحقق الهدف من عملية النشر..وهو بيع الكتاب... وآخرون يرون أن خطوات عملية يجب أن تتخذ، وأننا ينبغي ألا نكتفي بإضافة هذا الملف إلى أكداس الملفات التي فتحت في الصحافة، ولم يحصل بعدها أي شيء..‏

ماهر خويص ـ مدير دار خطوات :‏

- لابد لنا أن نعيد النظر في الكثير من الأمور، التي تمس قبل كل شيء، بنية الإنسان الفكرية، وتزيل الحواجز التي ترسخ مفهوم الخوف، والريبة، لدى المواطن، لابدّ لنا من النظر إلى ذهن الإنسان المنفتح، على أنه، هو معيار التطور الإيجابي لمجتمعنا، وأن تعطيه المساحة الحرة ليبني ويطوّر هذه البلد، وننزع عن كاهله القسر الفكري والنفسي الذي يعيدنا وإياه دائماً إلى الخلف.‏

يتحدثون عن رقابة ومنع في زمن الفضائيات وزمن الانترنت و......إلخ! فماذا سينتج؟ نعم نحن بحاجة إلى رقابة ومتابعة لكثير من النوافذ، التي تشكل خطراً على المواطن والبلد، ولكن ليس على الكتاب، الذي أصبح في هذه الأيام من يشتريه أو يقرأه قلة وربما ندرة، نحن بحاجة إلى من يشدّ من أزر هذا الكتاب، ويساهم في تعزيز وجوده، وعودة المواطن له، وعودته إلى كل مكان، إلى كل مكتبة عامة وخاصة، وكل وزارة ودائرة حكومية، ليساهم في إعادة بناء الإنسان الذي تحتاجه بلدنا وتحتاج إلى عرقه وذهنه المنفتح أيضا.‏

ربما يجدر بنا أن نوضح صفات الرقيب ونحدد المستوى الفكري لهذا الرقيب، وما هو المعيار القائم عليه مفهوم الرقابة؟ وهل خوف الرقيب من وقوعه بالشرك لا يساهم في منع الكثير مما لا يستحق المنع؟.‏

- هل صحيح أنكم تعارضون مشاريع الغاء الرقابة في سورية..ربما يكون لكم مصالح في أمر كهذا؟‏

- لا أعتقد أنه من مصلحة أي ناشر أن يدعم وجود الرقابة، ومنع صدور أي كتاب والمساهمة في تضيق المساحة الفكرية الحرة، الناشر يعاني من الروتين المفروض عليه للحصول على الموافقات، والوقت الذي يستغرقه أي كتاب للحصول على الموافقة أحياناً، يعرض الناشر للضرر الكثير، فالناشر يقع عليه الضرر في كافة المواقع، إن كانت تعنيه حرية الكلمة والحرية الفكرية وإن كان تاجراً يعنيه البيع.‏

نزار بريك هنيدي ـ طبيب وشاعر سوري:‏

- كلما سمعت كلمة (رقابة) أحسست بمهانة كبيرة. ذلك أن مجرّد التفكير بوجود رقابة على أعمال فئة ما من فئات المجتمع، يعني سلفاً النظر إلى أفراد تلك الفئة بأحد منظارين: أما أنهم جماعة من المشبوهين والمثيرين للريبة وغير المؤتمنين على مصالح الشعب أو الوطن، أو أنهم ثلة من القاصرين ، الذين ينقصهم الوعي والإدراك، ويحتاجون إلى من يقيم الوصاية عليهم وعلى أفعالهم. ولا أعرف كيف يمكن لأمة تتطلع إلى النهوض والتقدّم ، أن تصنف كتابها ومثقفيها ومبدعيها في خانة المشبوهين أو القاصرين، بدل أن تتطلع إليهم بوصفهم طليعة المجتمع وعينه البصيرة ووجدانه الحي؟ إنه فصام حقيقي ، لا يتفوّق عليه في خطورته، إلا حال بعض الكتّاب الذين ارتضوا لأنفسهم أن يشاركوا في هذه العملية السوداء، ويقوموا بأعمال الرقابة على إنتاج زملائهم، بالنيابة عن الجهات الرسمية. ويقيناً أن هؤلاء الذين يساهمون في انتهاك حرية الكتاب والمبدعين، لا يمكن لهم أبداً أن يكونوا كتّاباً حقيقيين. فالكاتب الذي لا يعي ضرورة الحرية للثقافة و الإبداع، لا علاقة له بالثقافة أو بالإبداع. والذي يتعامل مع المبدعين على أنهم مشبوهون أو قاصرون، هو المشبوه والقاصر. والغريب أن ملف الرقابة قد فتح مرات عديدة في السابق دون أن يتغير من واقع الحال شيء. والأكثر غرابة، الآن، أن يتنصّل منها ويهاجمها الجميع، بمن فيهم مدراء الرقابة أنفسهم، ولا يجرؤ أحد عن الدفاع عنها، ومع ذلك فالرقابة باقية فوق رؤوس المبدعين، وداخل رؤوسهم أيضاً، وهو الأكثر خطورة. ولذلك أتمنى أن لا يكون هذا الملف الذي تفتحه جريدة الأسبوع الأدبي رقماً يضاف الى الملفات السابقة. بل أتمنى أن يكون له الدور الحاسم في إنهاء هذه الحالة، من خلال عدد من الخطوات الفورية، التي تبدأ من دعوة كل من يعتبر نفسه كاتباً ومثقفاً ومبدعاُ إلى التوقف مباشرة عن المساهمة في عملية الرقابة. ثم يبلغ اتحاد الكتاب العرب وزارة الإعلام بالتوقف عن ممارسة الدور المناط به في الرقابة على مخطوطات وزارة الإعلام نيابة عنها. ثمّ يقوم الاتحاد، باعتباره حاضنة الكتاب والمبدعين والمدافع عن حقوقهم، بالطلب من زملائنا الكتاب أعضاء مجلس الشعب، صياغة مقترح يقدّم إلى المجلس بضرورة إلغاء الرقابة لما فيها من امتهان وتضييق على حرية المثقفين. والنظر في أسلوب تتم فيه معالجة الحالات المحدودة التي يمكن لها أن تلحق الضرر العام أو الخاص من خلال المؤسسات القضائية المدنية وحدها، وذلك بعد النشر وليس قبله، كما هو معمول به في غالبية دول العالم.‏

المزامير ... ووزارة الإعلام!!‏

منذ نشر الجزء الثاني من هذا المشروع ـ الأبيض حقّاً والناصع البياض حتى الآن ـ ومكتب وزير الإعلام السوري، يحتفظ بنسخته منه، بانتظار الرد، والمشاركة، وكنت قد تحدثت مع السيد محمد رزوق معاون الوزير، حول المعنى التقني للرقابة، وكونها لا ترتبط بقرار سياسي بقدر ما هي عملية إجرائية ـ ربما تكون إدارية ـ ومن هذا المدخل، قلت: إننا يمكن أن نطلب من الوزير التدخل ـ بل إن عليه التدخل ـ لتشكيل لجنة تدرس أداء الرقابة، وتفكّر، لمجرد التفكير، بمشاكل آلية عمل الرقابة في الوزارة، وأظن أن هذا العدد الكبير من الأصوات التي شاركت في ملفنا، ليس بأقل من أن يتوقف عنده، دولاب عمل الوزارة، وأن تنتبه إليه (أجندتها) كما يقال، شاركني السيد معاون الوزير الرأي وكان متحمساً، لمناقشة الدكتور محسن بلال بهذا الشأن، ووعد بأن يبذل جهده، لا سيما وأن الوزير بشخصه، يدرك أن الموضوع كلّه، لا ينبغي أن يرتبط، حقيقة بقرارٍ سياسي، بقدر ما تسهل معالجته، عبر التكنيك الإداري، والتنظيمي في الوزارة.. من يومها، وأنا أنتظر رد الوزارة، ولا يرن الهاتف... وأقول لنفسي ربما هم في شغلٍ الآن..أو في مدارٍ آخر... سأغلق الملف، الآن على صفحات الأسبوع الأدبي، وأشكر كل من ساهم فيه، بشجاعة، واقتدار، على طرح الرأي المختلف، ولكن تبقى القضية ملفّاً مفتوحاً ينتظر رنين الهاتف..أو صرير قلم الوزير على ورق قرارٍ هام.. ما أوضح الصورة.. وما أسهل اللحن......ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟!!‏