قبل أو بعد مؤتمر البعث السوري: د. فاضل فضة
لم يكن احد يتوقع ، قبل عدة أشهر من اليوم، خروج القوات السورية من لبنان نهائياً، ولم يكن بمخطط القيادة السورية الإنسحاب بهذا الشكل وهذه الطريقة. لذا فوجئ الجميع بالظرف التاريخي الحاسم، وسيناريو صيغ بشكل ذكي جدّاً من قبل جهات ذات خبرة طويلة في ترتيب مثل هذه الظروف السابقة لحدوثه، وتنفيذه من قبل اية جهة. نعم كانت الطريقة التي سارت بها الأمور من اداء افضل المخرجين غير المحليين طبعاً.
ما يدعو للحديث عن خروج سورية من لبنان ليس الفعل نفسه، بل الحالة الخاصة التي بني عليها هذا الإنسحاب، والعقلية التي فرض عليها إتخاذ قرار لم تكن جاهزة له ابداً، وهي هنا القيادة السورية الحالية.
واليوم، كأن العقلية القديمة عادت إلى سابق عهدها، إلى طريقة ادارة امور الدولة بظروف ماقبل هذا الإنسحاب، كأنها عادت إلى وضعها التقليدي الذي ادارت به شؤون الحكم في سورية منذ عدة عقود، من تشديد القبضة الأمنية، والقيام باعتقالات لناشطين عاديين لايشكلون أي خطر حقيقي على النظام، لإنهم يطالبون بإشياء اصبحت عادية في هذا الزمن من حرية الرأي، وحد نشاط الأجهزة الأمنية، واطلاق سراح المعتقلين، ومحاربة الفساد، والسماح بتشكيل احزاب جديدة، والغاء قانون الطوارئ.
والسؤال الآن: هل تحتاج القيادة السورية إلى حالة جديدة خاصة، والى ضغوط من نوع معين لتأخذ قرارات جدية بالتغيير الداخلي المطلوب؟ وهل تحتاج فعلاً إلى ظرف آخر، أو سيناريو من نوع مبتكر، يحدث في سورية، بشكل مشابه في نتائجه عليها لما حدث في لبنان بعد إغتيال الحريري، يرغم على هذا التغيير؟
مايحزن، أن بعض المسؤولين في الإدارة السورية، لا يرغب في رؤية أو تدارك الوضع بكل تفاصيله، وكأنه الصدمة الكبرى لما حدث في لبنان لم تعلم اصحاب القرار "المشتت على مايبدو" أي شئ. أو أن البعض مازال يعتقد أن الضغوط العالمية على سورية قد تخف عبر إجراء بعض التغييرات الشكلية في نظام الحكم باتجاه ديموقراطية على طريقة البعث "القائد"، معللين ذلك بخبرة تاريخية طويلة في الشدّ والجذب مع المحاور الأمريكي، الذي اغلق ابواب الحوار " هذه الأيام " معهاً.
ولا أدري أن كانت القيادة السورية قد نست، أو تناست ماحدث مع ياسر عرفات، والقرار الأمريكي بعزله ورفض محاورته، بصبر وأناة إلى لحظة وفاته. واليوم وبعد توقف التعاون بين سورية وأمريكا "مخابراتياً وأمنياً" وتطوير قانون العقوبات تدريجياً، هل يستمر النظام السوري في ادائه ونهج سياسات متزمتة في عدم الإستجابة لمطالب الشعب أولاً، والقيام بتغيير حقيقي واحداث إنفراجات جدية، هل يستمر في منهجية الدولة البوليسية وينسى العالم، وأمريكا وأوروبا خاصة، وهمه الأكبر ومحاولة تخفيف الضغوط عبر "واسطة غير مجدية كثيراً " عبر تفعيل الديبلوماسية العربية، التي لم تنفع سابقاً ابداً لكي تحدث المعجزة، ولتستمر طريقة الحكم، بهذا الشكل التاريخي المحنط؟ لا نعتقد، كل مايمكن القول: أن المشروع الغربي في الإستفادة من الظروف الخاصة بكل دولة عربية "حسب اخطائها، واخطاء سورية كثيرة اليوم"، محرك اساسي للدفع بعملية تغيير وتبديل الأنظمة العربية، اولدفعها باتجاه تغييرات تسمح بنزع الإحتقانات المتراكمة بعلاقتها مع شعوبها، على شرط ألا تتحول إلى ساحات لتطرف إسلامي مشابه لجماعة أبن لادن والقاعدة.
لذا، إذا اعتقد النظام السوري، أن امريكا قد تغض الطرف عن متابعة الضغوط على سورية، فإنه مخطئ تماماً. والسبب الحقيقي في أن التوقيت المناسب مع هذه الأجندة على كل الأصعدة، ليس مواتياً. لكن أمريكا، صاحبة السيناريوهات المتعددة والمبتكرة، لكل ظرف ولكل حقبة في هذا العصر، والتي لايتوقعها أذكى الأنظمة ، خاصة التي اعتادت على نمط تقليدي تاريخي قديم " عتيق" في الحكم ، تحاول ايجاد أوضاع وظروف، لتحقيق ماترغب القيام به، في توقيتها السحري "السري" دائماً قبل ظهوره. وما يحدث اليوم في لبنان وسورية والعراق، يدل، على أن الأمور تسير في هذا الإتجاه، اختلف الكثير مع هذا الرأي أم اتفق معه!
وبدلاً من ان تعمل السلطة الحالية بنداء العاقلين من النخب السورية في الداخل والخارج، مازالت عقلية القوة والسيطرة والتحكم لدى اصحاب القرار في النظام الشمولي السوري، مهيمنة، ومازالت الأجهزة الأمنية تحاول إبتكار طرق واساليب جديدة ، لاخماد الأصوات المطالبة باحداث التغيير. وبدلاً من القيام باجراءات حقيقية لالبس بها والمصالحة مع الشعب السوري واحزابه الممنوعة في الداخل، أو في المنفى، أو إنشاء مجلس أو مؤتمر "على مستوى الوطن" مؤلف من النزهاء في الداخل، وبعض اقطاب المعارضة والمستقلين في الخارج ، للقيام بتقديم اقتراحات جذرية للخروج من الأزمة الراهنة، وما قد ينتج عنها قريباً، مازالت بعض أراء القيادين في السلطة، تعتقد أن أمريكا لن تقوم بتدخل عسكري على سورية في هذه المرحلة. لذا يمكن في هذه الحالة، تخفيف ضغوطها، عبر بعض قرارات غير اساسية، لا تمس بنية النظام السوري، سطحية التأثير، لا أكثر.
وماذا لو دخلت القوات الأمريكية في الأراضي السورية عبر الحدود مع العراق،
وماذا لو اعلن بعض سكان مناطق الجزيرة السورية عصيانهم المدني وطالبوا بحماية القوات الأمريكية.
ألم يتم في الأونة الأخيرة لقاء لتجمع عديد من الأحزاب السورية في هذه المنطقة،
وهل صحيح أن القوات الأمريكية قد دخلت الأراضي السورية لمسافة 12 كيلو متر مؤخراً في علمية الماتادور! "حسب مصادر خاصة"!
إن من يحمل شرف الإنتماء لهذا الوطن، واجب عليه محاولة صد أي باب يدعو لحدوث فوضى "مشابهة لما يحدث في العراق" وبأي شكل.
لقد حكمت سلطة البعث "الوهمي" سورية، اكثر من اربعة عقود زمنية، ومازالت، تعتقد أن لها الحق في استمرارية هذا الحكم بكل معاييره الادائية الفاشلة بنتائجه على الأرض، بدون التساؤل عن مستوى الهدر الهائل لأموال الدولة والوطن، والتساؤل عن مستوى انتشار الفساد والسلبطة والمحسوبية، أوالتحكم الأمني بالشعب والناس وتدني اداء الدولة واجهزتها على كل الأصعدة.
لقد دفع الشعب السوري ثمناً غالياً جداً من تاريخه المعاصر بسبب راديكالية الإنتهازيين في حزب البعث ومن يلف اليوم في دائرتهم وطريقة تفكيرهم
"وعدم قدرة المبادئ النظرية والأيديولوجيات على دفع الإنسان السوري والعربي، بشكل عفوي أو إرادي لتطبيقها بشكل نبيل وحضاري، على أساس مصلحة المواطن والمجتمع" .
واليوم ألا يتوجب، على السلطة برجالها القدامي والجدد، الذين ساهموا بإيصال سورية إلى ماهي عليه اليوم، أن يتداركوا ماهو قادم من اخطار حقيقية عليها، ألا يتوجب عليهم إحداث التغييرات الجذرية في بنية النظام ذاته وبناء مؤسسات الدولة، وإذ لم يكن هناك من هو قادر على إدارة هذه الأزمة والحالة الصعبة، الا يجب عليهم السماح، أوافساح الطريق لمن هو قادر، ولمن يؤمن أن سورية هي الوطن الأول والأخير للقيادة وللشعب، وليس منطقة سياحية أو استثمارية وارضاً مفتوحة للغزو بإدوات ستالينية أو مملكة خاصة لتحالف المصالح الإقتصادية والقبلية والطائفية.
ألا يكفي مايحدث من اصرار ولا مبالاة في استمرار تشديد قبضة الأجهزة الأمنية، أو محاولة البعض تهريب الأموال "والمليارات" وإظهار حقيقتهم، امام الشعب السوري والعالم، أنهم لم يكونوا في أي يوم من الأيام مثل المواطن المخلص أو العادي، وأن الوطن لم يكن في حساباتهم، إلا مزرعة للربح السريع، يعمل بها مواطن مستعبد، عليها أن تثمر لهم، ولهم فقط، كما فعل عديد بالشعب السوري من الذين حكموها في السابق ولم يكونوا من اهلها!
ما قد يحدث في المستقبل قد يكون سيناريو جديد لا يتوقع احد كيف سيحبك، لكنه سيكون سيناريو يضاف إلى سلسلة مستحدثة في المنطقة، بدأت بحرب العراق مع ايران وما تبعها من احداث، تصلح لمسلسل تاريخي أكثر من طويل!
"الرأي / خاص"